Home لـوثـة إلّاأدب لاعب النرد كان جثّة على الرصيف

لاعب النرد كان جثّة على الرصيف

by رئيس التحرير
  • فراس

    فراس نعناع ممثل وكاتب سوري يبدع في تجسيد شخصية غاندي

 

  • هل أنتَ قبطيّ..؟ لا.. أنا سوري
  • – هرم ؟؟ هز رأسه موافقا , فتحتتُ باب التكسي وجلست قرب السائق وقلت له مرحبا . رد عليي وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته قال لي انت قبطي باشمئزاز وذقنه الكثة تصل الى كرشه , وسيقانه تنكشف الى أفخاده وجلابيته تبدو كأنها قد كشّت خوفا من وجهه الصارم والقاسي أو تحسبها للوهلة الاولى ” ميني جوب”. أجبته لا أنا سوري ولست قبطيا , قال آه أنا عارف لغتك واضحة يعني مش قبطي أجبت مرة أخرى لست قبطيا أنا سوري . أنت قبطي يا شيخ . انزعج وقال والشرر يتتطاير من عينيه أعوذ بالله يا راجل أنا مسلم والحمد لله . قلت له ولكنك قبطي لأن قبطي تعني مصري يا شيخ سواءا كنت مسلماً أو مسيحياً، مش مهم , باختصار إيجيبت تعني قُبُط باللغة اليونانية . وأنا سوري . قال لي عايز فين بالهرم ؟؟ قلت له خاتم المرسلين ,فجأة أوقف التكسي على اليمين وفتح يديه للسماء وبدأ يقرأ شيئا ثم قال أمين وقال رحمة الله عليك يا سيدي يا رسول الله . قلت له : شو في يا شيخ مين مات ؟؟؟ أجاب خاتم المرسلين عليه أفضل الصلاة . يا شيخ أنا بدي روح على شارع خاتم المرسلين أكاديمية الفنون بتعرفا ولا أنزل ؟؟؟؟
  • نظر إلي بقرف قائلاً: “كمان فنون استغفر الله , والله إنك قبطي .
  • يا عمي والله أنا سوري مش قبطي نزلني هون إذا زعجتك أو ما بتعرف أكاديمية الفنون .

 

قال لي : بعدين خاتم المرسلين عمرانية مش هرم ، قلت له : قف على اليمين فوقف فتحتت يدياي ورفعتهما للسماء وقلت لنفسي مونولوجا داخليا , يشبه كل جنون شخصيات شكسبير والتفتّتُ إليه وقلت له، قل آمين فقال .

ثم تابعتُ مستطرداً وصامتاً ومغمض العينين، خذني إلى طريق مصر الاسكندرية الصحراوي وفي الطريق احضر كل الأخوة، وقليل من الزعفران والطيب أيها الأخ , وصلنا وكان لفيفٌ من الاخوة يتبعنا مع راياتهم وسيوفهم وخناجرهم , قلت لهم اتبعونا أيها الاخوة ففعلوا إلى أن توغّلنا في عمق الصحراء , قلت لهم تطيّبوا ورشوا قليلاً من الزعفران على الأرض أيها الأخوة بصوت عالي وكأنني في مسرح روماني عتيق ففعلوا . فقال لي قزم من الاخوة ما أنت فاعل بنا أيها الاخ . فأجبت اشهروا سيوفكم وتدربو كثيراً إلى أن أعود وعندما أعود ستأتي البشارة معي وسأجلب لكم طريقا خاصا للفردوس المنشود . والآن عليي أن اعود . فقال القزم إلى أين أنت ذاهب أيها الأخ ؟؟

فقلت إلى خاتم المرسلين فتعالت الأصوات والصلوات والتكبيرات . وتداخل صوت يئنّ من بعيد و غبت عن الوعي لأصحو على من أنا لأقول لكم ما أقول لكم الآن؟

أمشي – أهرول – أركضُ – أصعدُ –أنزلُ, أصرخ , أنبحُ, أعويُ, أنادي , أولولُ , أسرعُ , أبطيءُ, أخفُ, أجفٌ , أرى ,لا أرى , أنشقُّ, أجهشُ, أعطشُ, أتعبُ, أسقط , أنهضُ, أركضُ, أنسى , أتذكّرُ, أسمع ,أبصر , أهذي, أهلوسُ, أهمسُ, لا أستطيع , أئنُ , أجنُّ , أضلُّ , أقل , أسقط , أعلو, وأهبط , أدمى ويغمى عليً  من جديد.

بالتأكيد هي جزء من رائعة محمود درويش ” لاعب النرد ” قالها أحمد ميرعي (ممثلا) أنا هنا أحضر عرضاً مسرحياً للكاتب سعد الله ونوس “جثة على الرصيف والتي لا أحبّها كنصّ لمباشرتها، وهي من أولى نصوصه ولكن ما علاقة درويش بنص ونوس ؟

عندما قال.. بمجرّد سماعي لآخر جملة أدمى ويغمى عليي , أدركت سريعاً بأنه ربط زكي , لحسام جدعو “المخرج “لجثة على الرصيف ” متروكة مدمّاة تئن , وبما أن للمسرح شرطيته عبر أدواته وفرجته ” فعل ورد فعل ” وثمّة عرض وفرجة وجمهور أردت أن أنفّذ تعاليم بريخت، بجلبي لرأسي معي، لمقعدي، للتفكير، والاستمتاع بهذه الشرطية، وممّا يفيد هنا بأن ونوس طالب بها في جلّ أعماله لتأثّره ببريخت بنصوصه الأولى , وهذا ما حقّقه لي العرض ,

وبما أن الوجودية كمذهب فلسفي تصرّ على أنّ الإنسان حرّ شاء أو لم يشأ , لأنه يدرك معنى المصير والصيرورة والاختيار والحرية , كونه يحقق ماهيته من خلال وجوده ” حسب سارتر ” في نص ونوس وعرض جدعو، لا معنى لهذا المذهب الفلسفي فالإنسان غير حرّ رغم إصرار جدعو على وجودية عرضه لتنقسم شرائح شخوصه إلى مستويات ثلاث رئيسة هرمية وكأنها معادلة كميائية بصرية ” جثة – حارس – سيد “مال”

ولكن المال هنا مختلف. وربما ذهب الكاتب سعد الله ونوس مع * “ألبير كامو ” بمفهومه عن العبث حيث نجد بأن عبثية فهم الاختيار والحرية بالنص” العرض  ” فالمال يشتري الأموات وليس الأحياء .

ربما نعود لرواية * سارتر ” الغثيان ” هنا القرف من سلوك “السيد المال” قد أوصل نص سعد الله ونوس والعرض إلى هذه الفلسفة الخاصة

مسرحية جثة على الرصيف – أكاديمية الفنون بالقاهرة كان عرضاً بصرياً مريحاً للعين , قريباً من العقل .

أما الأخوة لن أعود إليهم، وسأتركهم بالصحراء وسأعين القزم “قلة ” أميراً عليهم , أما أنا سأعود للمسرح مجدداً بعدما تداخل الحلم بالواقع حين أصادف مرّة أخرى من يسألني بتهكم وربما باشمئزاز..

هل أنت قبطي وسأرد عليه أنا سوري

تحيا قُبُط  ” مصر ..تحيا سوريا بجميع أطيافها.

 خاصّ –  إلّا  –

 

 

You may also like