×

حرّية الشاعر

حرّية الشاعر

 

جمال-القصاص.jp-g2-300x200 حرّية الشاعر
* جمال القصّاص شاعر وكاتب – مصر

 

 

لا أحد يمنح الشاعر حرّيته، أو يقرّر له مساحة الفضاء الذي سيبدع فيه نصّه. في الفن الحرية ليست هبة أو منحة، بل هي سؤال مفتوح وممتد في جسد الزمان والمكان، هي ضرورة وجود وشرط حياة، وبدونها ينتفي الاثنان معا. لذا أتصوّر أن من مهام الشعر الحقيقية البحث عن الحرية، عن معنى ورائحة خاصة لها، تنفلت من أثر المواضعات والقوالب التقليدية الضيقة، وتتمرّد على السدود والحواجز والأسوار ، أيا كانت اجتماعية أو سياسية أو دينية، أو أخلاقية.

وعلى ذلك فسؤال الحرية في الشعر،  يبدأ بعدما تنتهي لغة النص نفسه، يتكشّف، ويتأسّس، وينهض على صورة العالم كما يبغي لها الشاعر أن تكون، وليس كما يبغي  له الآخرون . إنه رمز آخر في الرمز ، ومعنى آخر في المعنى.. الحرية في الشعر قرينة التواطؤ، والبحث عن مياه بكر ، مغمورة برذاذ الشهوة الأولى . وبما أن الشاعر هو صانع حريته، هو أيضا صانع قيوده. وحده من يملك المصفاة، يعرف كيف يوسِّع خرومها، وكيف يضيِّقها.. لم يعد ثمّة باب محدّد يطرقه الشاعر بيد مضرّجة بالدم – بحسب أمير الشعراء-، لكي يحصل على الحرية، لقد تعدّدت الأبواب واتّسعت، كما أن الدم نفسه، تغّير لونه، وشرايين  ضخّه ومجراه، وأصبح سلعة تباع وتشترى، بحسب الطلب.

إذا لم يكتشف ويحقق الشاعر حريته في فضاء نصّه، فعبثاً يستجدي الحرية من الآخرين، لأنها حينئذ ستتحوّل إلى صك، ووسيلة لتيسير دفّة الأمور ، وتزويق وجه الحياة، بينما هي أصلا الحياة ذاتها.

أخطر ما يواجه شعرنا، سواء في مشهده الراهن أو الحديث أنه حوّل الحرية إلى  تابو ، وتحت ظلال هذا التابو سجنها في قفص اللغة، والمعجم، والرمز والصورة ، والسيرة الذاتية، والتاريخ، حتى أصبحت الدعوة إلى التحرر من التابو، هي في الوقت نفسه دعوة إلى التحرر من الحرية نفسها..  المسألة ليست في كيفية اجتراح المحرمات، فهذا سهل ومتاح ، ويمارسه الإنسان العادي في الواقع يومياً عشرات المرات، وبشكل تلقائي وبسيط.

أما في الفن وفي الشعر على نحو خاص، فإن المسالة هي:  كيف تقيم وجودا آخر ، يفارق ويتعالى علي مشاعية المحرم، ويبني جماليته، بل قداسته بقوة الفن ، بقوة النصّ الشعري نفسه.. من هنا يتجلى التكشّف الأسمى للحرية باعتبارها جوهراً إنسانيّاً، قادراً على أن يجدّد الحياة كل يوم ، ويمنحها نفسه بشكل جديد ومغاير .

إن سؤال الحرية في الفن والشعر مسكون دوماً بهواجس التخطّي وإرادة التجاوز ، بما في ذلك تخطّي المحرّم نفسه، وإلا صار النص نفسه عبداً لهذا المحرّم ، أو مستنسخاً باهتاً لظلاله .

 

  • جمهورية مصر العربية
  • خاصّ – إلّا –

Share this content:

مجلّة - إلّا - الألكترونية/ مجلة هادفة ذات مستوى ومحتوى سواء بما يساهم به أقلام الكتاب العرب المعروفه والمنتشرة بأهم المنابر العربية، أو بما يتمّ اختياره أحياناً من الصحف الزميلة بتدقيق وعناية فائقة، وحرصاً من مجلّة - إلّا - بإسهام المزيد من الأقلام الواعدة يُرجى مراسلتها على البريد الألكتروني / ghada2samman@gmail.com

You May Have Missed