Home أقلام إلّا بين بوتين وأوباما.. والحرب على الإرهاب!

بين بوتين وأوباما.. والحرب على الإرهاب!

by رئيس التحرير

 

jamal-damlaj_160

جمال دملج كاتب ومحلل سياسي لبناني    متخصّص في الشؤون الروسيّة

لا يحتاج المراقب إلى الكثير من التمعّن لكي يدرك أنّ الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس الروسيّ “فلاديمير بوتين ” في مطلع الأسبوع الجاري أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في نيويورك لم يشذّ عن قاعدة “خير الكلام ما قلّ ودلّ ” التي شكّلت سمة أساسيّة من سمات السلوك الديبلوماسيّ البوتينيّ على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، بيد أنّ ما كان لافتًا هذه المرّة، تمثَّل في تفتُّق قريحة بعض المحلّلين على إيقاع هذا الإيجاز، ولدرجةٍ جعلت جبل أفكارهم يتمخّض ليلد ما وُلِد من فئرانِ مواقفَ أبعدُ ما تكون عن الواقعيّة والمنطق، على غرار ما كتبه طارق الحميد في جريدة “الشرق الأوسط” تحت عنوان “سوريا.. الآن عرفنا خطّة بوتين” عندما قال: “بعد طول ترقّب، وتكهّنات، عرفنا ملخّص تفاصيل خطّة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في سوريا، وأسباب إرساله قوّات عسكريّة إلى هناك، وملخّص خطّة بوتين أنّ ليس لديه من الأساس أيّ خطّة واضحة للحلّ، وإنّما محاولة لاستغلال الفراغ، واقتناص فرصة تخدم أهدافًا ذاتيّة”.

المتابعون للشأن الروسيّ عن كثب، وخلافًا لمقتنصي الفرص الذين درجت العادة على أن يعكّروا المياه الراكدة بغية الإيحاء بأنّهم قادرون على الاصطياد فيها، يدركون جيّدًا حرص قيادة الكرملين على عدم الإقدام على اتّخاذ أيّ خطوة خارجيّة، لا في سوريا ولا في غيرها، من شأنها أن تنتهك قواعد الشرعيّة الدوليّة، وذلك لسبب أخلاقيّ بسيط يرتكز على قناعة مفادها أنّ أبناء الأصل وحدهم هم الذين يحترمون الأصول، وأنّ أخلاقيّاتهم المستمدّة من هذه القناعة لا يمكن أن تسمح لهم بالدخول في مغامرات كتلك التي أقدم عليها، مثلًا، الرئيس الأميركيّ السابق “جورج دبليو بوش ” عام 2003، عندما ضرب الشرعيّة الدوليّة عرض الحائط، وتجاوز مجلس الأمن الدوليّ، وذهب للقضاء على أسلحة الدمار الشامل التي لم يتمّ العثور عليها بعد في العراق!

على هذا الأساس، كان التئام مجلس الأمن الدوليّ في (30 أيلول)، بناءً على طلب روسيا، من أجل طرح ومناقشة مشروع قرار دوليّ حول مكافحة الإرهاب، حيث يتضمّن سُبُل التصدّي لتنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) في سوريا والعراق، تحت عنوان مناقشةٍ تتناول “حلّ النزاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومكافحة الخطر الإرهابي”، بحسب ما أعلنه نائب وزير الخارجيّة الروسيّ “ميخائيل بوغدانوف “، وهي المناقشة التي تستمدّ عناصر وهجها من المواقف التي عبّر عنها الرئيس بوتين في خطابه الأخير، والمتمثّلة في ضرورة العمل على تشكيل “تحالف واسع لمكافحة الإرهاب” يشبه ذاك الذي شُكِّل “ضدّ هتلر” خلال الحرب العالميّة الثانية، مع التأكيد على ضرورة أن يشمل التحالف إيران والنظام السوري. وقد أكّد البيت الأبيض الذي فاجأه التحرّك الديبلوماسيّ الروسيّ أنّ الامتناع عن محاولة استخدام ورقة الحوار مع فلاديمير بوتين سيكون أمرًا غير مسؤول.

لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الخلافات لا تزال قائمة بين الرئيسين الأميركيّ والروسيّ حول وسائل إنهاء النزاع الدائر في سوريا، وحول دور الرئيس السوريّ بشار الأسد في المستقبل، وخصوصًا بعد أن قال الرئيس بوتين في خطابه إنّ “الرئيسين باراك أوباما وفرنسوا هولاند ليسا مواطنيْن سوريّيْن ولا يتوجب عليهما إذن الضلوع في اختيار القادة في بلد آخر “، وقد التقى الرئيسان أوباما وبوتين الاثنين في الأمم المتحدة للبحث عن حلول في مواجهة الأزمة في سوريا، ولكنّهما لم يحقّقا أيّ اختراق، خصوصًا حول مكانة الرئيس “بشار الأسد “.

وإثر هذا اللقاء، تحدّث الرئيس الروسيّ عن “لقاء بنّاء وعلى قدر كبير من الانفتاح” مع نظيره الأميركيّ، وأشار إلى تعاون ممكن. لكنّه شدّد في الوقت نفسه على وجود خلافات حقيقيّة حول وسائل إنهاء حرب أودت حتّى الآن بحياة أكثر من 240 ألف شخص. وقد انتقدت روسيا فيما انتقدت تنظيم الولايات المتحدة لقمّة حول مكافحة الإرهاب على هامش الجمعيّة العامّة، معتبرة أنّ هذا الأمر “لا يحترم” الأمم المتحدة وأمينها العامّ، لا سيّما وأنّ واشنطن تعمل مع نحو ستّين دولة أوروبيّة وعربيّة منذ أكثر من سنة في إطار تحالف عسكريّ يوجّه ضربات ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة في سوريا والعراق، دون أن تفلح كلّ هذه العمليّات في منع “المنظّمة الجهاديّة” من تعزيز مواقعها، ودون أن تؤثّر على قدرتها على التجنيد.

ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه في الوقت الحاليّ هو: أين يتموقع دور إسرائيل في هذه المعادلة الشرق أوسطيّة الجديدة التي يكاد أن يبزغ فجرها قريبًا بوهجٍ روسيّ؟

في سياق الإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو يناقش هواجسه الأمنيّة الأسبوع الماضي في “نوفو – أوغاريوفو” قرب موسكو مع الرئيس بوتين، سارعت الصحافة العبريّة إلى تمرير معلومة في غاية الأهميّة مفادها أنّ ما سيسفر عنه اجتماع الرجلين من نتائج سيكون له بالغ الأثر  على الطريقة التي سيُستقبَل بها نتنياهو لدى زيارته البيت الأبيض في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وخصوصًا من جهة ما إذا كان أوباما سيرحّب به “كحليفٍ أم كزبون”!

لا شكّ في أنّ نتنياهو لم يكن راضيًا على ما سمعه من بوتين، سواء من جهة الحرب الروسيّة المرتقبة على الإرهاب أم من جهة إصرار موسكو على مواصلة دعمها لنظام الأسد. وربّما هذا ما يفسّر سرّ الغارتين الإسرائيليّتين الأخيرتين على سوريا اللتين جاءتا في أعقاب محادثات بوتين – نتنياهو..

وأغلب الظنّ أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ رمى من خلال هاتين الغارتين إمّا إلى تأكيد جاهزيّته للوقوف كحليف مع الولايات المتحدة أو إلى تحسين وضعه كزبون عندها.. وفي المحصّلة النهائيّة: الولايات المتحدة وإسرائيل لا تحاربان الإرهاب، بل تصنعانه.

وللحديث عن الحرب الروسيّة على الإرهاب تتمّة.

 

جمال دملج

كاتب لبناني متخصّص في الشؤون الروسيّة

30 أيلول (سبتمبر) 2015

 

خاصّ – إلّا –

 

 

 

You may also like

1 comment

Jihad quaraeen 09/10/2015 - 9:41 مساءً

المقالة ممتازة من حيث المبدأ ولكن مااود ان أقوله ان البرومو غاندا الامريكية واستعراض العضلات فقط والقطب الواحد انتهى كله متفق عليه لما كل هذه الخزعبلات من قبلهم اما نتنياهو لم يُستقبل من قبل بوتين كما كان يشتهي لذا ضرب الضربتين محاولته منه إثبات انه قادر على فعل شيء وكانت ضرباته غبيه فقط واليوم تنزل هذه المقاله في نفس الوقت الذي اندلعت فيه انتفاضة الشعب الفلسطيني هل يلملم نفسه ألنتن وروسيا لم تغير موقفها منذ بداية الازمه فسوريا على حدودها والإرهابيون الشيشان والقوقاز سيعودون الى روسيا فهي من حرصها على نفسها بقيت ثابتة على موقفها والباقي يتخبط والقيصر عند كلمته كرجل لايريد التوسع في هذا الموضوع ولكن تحيه لبوتين الذي دحض كل التوقعات وهز العالم بخطابه الدقيق ودقة تنفيذ المهمة آلتي كان متفق عليها مع القيادة السوريه نتمنى ان تتعافى شامنا ولايهمنا من يساعد في إنهاء الازمه تحيه للقيصر الاتحاد الروسي لم ينتهي بتفكيكه اذا كان هناك شخص مثله وشكرا مع الاعتذار لان الخط غير واضح على الصفحة اذا كان هناك اخطاء

Comments are closed.