Home أقلام إلّا ما من صدرٍ أرحبَ من صدرِ المؤامرة للسوريين

ما من صدرٍ أرحبَ من صدرِ المؤامرة للسوريين

by رئيس التحرير
11059878_609164039186276_7140276537722401647_n

رشاد أبو داود شاعر وكاتب / المملكة الأردنية الهاشمية

 

ما من مكان في الشام ليس لك فيه ذكرى.. ولا يمكن أن تتوفّر لديك ذكرى عن الشام دون أن توجعك وكأنّك مجرد قلب فَتَحَ قلبه على قباب التكيّة، وأقواس البيوت القديمة في الميدان، و سوق ساروجة، وكفر سوسة وغيرها. ما من شارع في الشام لم يعبر منك إلى كبرياء ظلّ يكبر معك إلى أن بلغتَ سن الرشد القومي، “وطن عربيّ واحد من المحيط إلى الخليج ” . ما زال يتردّد في أذن وعيك ذاك الصوت الجبلي القادم من الجليل، وشطآن يافا : ” إلى عرب النكبة أعدّت الثورة، إلى الزاحفين غداً إلى جبال الكرمل وشواطىء حيفا ….إليكم صوت فلسطين من دمشق ” كنت انت نفسه ابن تلك الجبال، و الشطآن، وابن النكبة، تحتضنك دمشق برموش شمسها، تظلّلك بفيء ياسمينها، تبعث فيك شموخ قاسيونها وترضعك من غيماتها في الشتاء الأخضر كلونِ عيون حبيبتك.

صبياً كنتَ حين جِئْتَها، وبكامل شبابك، نزعتَ عنك الزيّ المدرسِيّ لترتدي الزيّ القوميّ، حينها بدوتَ في نظر نفسكَ أكبرَ منكَ، وتراءى لكَ فكركَ أوسعَ من أن يتقبّل فكرةَ وجودَ كيانٍ صهيوني في قلب عروبتك، في ذاك الوقت كانت هزيمة حرب حزيران ما تزال طازجة، الجرح مفتوح على اتساع الوطن العربي، لا قطعة سكّر تحليه، بل بدى وكأنّما ملح يرشه الذين فقدوا الايمان بعروبتهم.

لم تعجبهم تسمية الهزيمة بالنكسة، تشاغلوا باللغة، وكأهل بيزنطة راحوا يتجادلون في البيضة والدجاجة وأيهما وجِدَتْ قبل الأخرى، و..نسوا بل تناسوا ربّما، ما يخفيه أهل طروادة في بطن الحصان الخشبي.

ولم يكن في بطن الحصان الخشبي غير مشروعٍ صهيونيٍّ وُلِدَ مع إنشاء الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل بسويسرا العام “1898 ” وفوق أرض فلسطين غرست بريطانيا العظمى النبت الشيطاني.

كانت طليعته عصابات “الهاجاناه وأرغون وشتيرن “، بزعامة “بيغن وشامير وبيريز ووايزمن “، وهم أنفسهم الذين أصبحوا فيما بعد التأسيس زعماء الكيان الإسرائيلي الذي اُنشىء بتآمرٍ دوليّ للخلاص من عقدة الذنب تجاه اليهود وكذبة الهولوكست المزعوم التي لم تزل الشعوب الأوروبية تدفع ثمنها حتى اليوم من حساب الشعوب العربية طبعاً.

سوريا وحدها آثرت القبض على جمر القضية الفلسطينية، وكأنّ دمشق وحدها من الدول المجاورة لفلسطين التي لم يُرفع فيها علم على سفارة ،سرائيلية برفض متواصل وموقف متين، ولو ضحّت دمشق بفلسطين وقبلت بفتح سفارة لإسرائيل لفُتحت أمامها عواصم الغرب، وقصور العرب، ولأصبحت سيدة العربان ككلّ، لا العرب وحسب.

وها هي سوريا تدفع ثمن عنادها الوطني، وصمودها القومي، فدمشق تجيد قراءة التاريخ سطراً سطراً، لا تقفز عن أيّ سطر، ولا تنسى نقطة أو حرفاً قد يسقط سياسيّاً، فيحوّل الحرب إلى حبّ مع العدو.

السوريون اليوم يتعرّضون لأبشع مؤامرة، نعم هي مؤامرة حقيقيّة، لا مجرّد مصطلح إعلامي للتصدير، بل واقع فعليّ لم يكن أبداً من أجل ما يسميه الغرب “ديمقراطية”، كما أوهموا الشعب المسكين، وليس من أجل ما يسميه الذين على عيونهم غشاوة قومية “الحرية “، ولا من أجل عيون الشمس على قرعة قاسيون.

بل لإضعاف دمشق وجرّها إلى حظيرة الإذعان والرضوخ كما الخراف التي تُساق إلى المذبح، وكما الثيران التي أُكلت يوم أكِلَ الثور الابيض !

دمشق مدينة ذكيّة، ذات أصل وعراقة وتاريخ وعمر مديد وخبرة، التقطتْ الإشارة، وفهمتْ المؤامرة، لكنّ ثمّة من انطلتْ عليه اللعبة الصهيونية الدولية، وللأسف صدّق الكلام عن الحرية وافترش عشب ما سمي ب”الربيع العربي” بعيداً عن الأرض العربية، بل في فنادق باريس و لندن ونيويورك واسطنبول وانقرة وجنيف وفيينا.

انصاعوا للأوامر والتوجيهات كأحجارٍ على رقعة الشطرنج، يحرّكهم اللاعبون حيث شاؤوا وأصبح ما يقارب ثمانية ملايين سوري نازحين في بلادهم بفعل التدمير الممنهج والتخريب، ولاجئين في المنافي الباردة من حنان الوطن الأم .

وها هي بلاد اللجوء تذلّهم وتضجّ بهم، والبحر تباعاً قافلة تلو الأخرى يبتلعهم، والأمواج التي تجرفهم تعود إلى البحر تبكيهم وهم الضحايا الذين لم يعد لهم من يبكيهم.

 

خاصّ – إلّا –

You may also like