وسام آخر من أوسمة الكرامة يُضاف إلى رَكْب التكريم في الفردوس الأعلى.
دماء الشهيد هادي حسن عيسى “ساجد” ستروي المطر!
بدمعة…
رن الهاتف...اسم هادي حسن عيسى " ساجد" نور النور...
- “يا قاسي وينك مختفي؟”.
ضحك ضحكة ناعمة ومهذبة مثله، وقال:” حرام عليك تقول عني هيك، والله كنت مع الشباب،
ادعيلنا نلتحق مع يلي استشهدوا”!
واكمل:” جيت على البيت رياحة، وبكرا راجع بس مش على المستشفى، رايح مكان النور”! - قولك بعد بشوفك؟
رد دون أن تغيب الضحكة:”يا غالي، أنا متصل فيك حتى تكتب عني بس استشهد، ومش مطول هون، ما بسامحك إذا ما بتكتب…والله كل الشباب بتابعوا يلي بتكتبه عن الشهداء…ناطر تكتب عني…”…
وسوالف بين صديقين احباب، هو من عمر ابني وأخي الصغير، ولكنه أجمل الأصدقاء، وأوعى الأحباب، وشريك البسمة، والفهم، وأكل البيتزا …
يا تقبرني يا هادي عيسى، ويا ضو العين، ويا جرحاً داخل الروح ويا روح المحبة والطيب…
مستحيل نسيان خدماتك لي في مستشفى الشهيد الشيخ راغب حرب، وكيف لي بنسيان ذاك الشاب صاحب الوجه المشرق بالابتسامة، واهتمامه بوجعي وأوجاع غيري في غرفة الطوارئ، والضحكة لا تفارقه، ونظافة ملابسه، وعطره الفواح، وكلامه العسل؟!
تواعدنا أن نكون أشقاء، وأن يخبرني ما يُفرحه وما يُزعجه…نتواصل دائماً عبر الهاتف، ونحدد لقاءات ولا نلتقي، ونعاود ولا نلتقي إلا عبر الهاتف أو في المستشفى!
طموحاته كثيرة وكبيرة، ولكن أكبر طموحاته استشهاده…وحينما يتحدث عن الشهادة يبتسم…احاول في لحظتها النظر إلى وجهه فأجده يصغر، يُصبح طفلاً، ويغرد بكلمات بمفردات فيها ثقافة لا يعرفها طلاب الدنيا الفارغة!
بشغف يتحدث هادي عن حياته ومستقبله، وبذات الروح والنشاط حينما يتحدث عن استشهاده القريب والذي يتمناه، وفي كل لقاء مكالمة يختم بعبارة:” قريباً سأستشهد، ما بسامحك إذا ما بكتبت عني”!
ها هو خبر استشهادك وصلني من زميلك وصديقك جواد، انفعلت، تضايقت، وسقطت دمعة على القلب، وعاودت مراجعة تسجيلاتك، ومفردات كلماتك المكتوبة والمباحة وأجواء محبة تفرضها علينا كأنك ذاك الساحر المرسل لتعلمنا دروس الحياة رغم صغر العمر، وذهب التجربة، وخميرة التربية الصالحة، وكتبت!
يا هادي يا حبيب القلب، ويا قلب قلبي، لم يعد قلبي يتحمل فراق الأصدقاء القيمة، وطيور الشهداء، وعمق الإنسان، ورحيل شباب الحياة!
يا هادي المبتسم والطموح والعاشق، وحسن المعشر، وصاحب البوح الجميل المسكوب بماء التربية الصالحة، والأنيق شكلاً ومضموناً وتصرفاً هذه الدنيا تليق بك رغم قلة أمثالك، وبالتأكيد الرحمن يأخذ منا الأطهار والاشراف، ومن يُبلسم جرحنا… نعم يا رفيقي كنت تُبلسم جراحنا، وكنتُ دائماً اقول لك ذلك!
كنت تعلمنا نشر الطيب على الجميع، وتمتص غضب الموجوع، ولا تترك من يحتاجك إلى أن يشفى، وكنتُ أُخبرك عن سحر تصرفاتك، وعلاجك للمريض والصديق والقريب والسائل بطريقة مغايرة عن الجميع!
كنتَ تتعمد أن تشاركنا المسؤولية، وتعشق التواصل مع الناس كما تعشق كرة القدم وأكل البيتزا والابتسامة!
أمثالك قلة في حياتنا المعجونة بالغرور والحسد، ولكن أمثالك في محيطك ومن خضت معهم معارك الشرف والكرامة كثر وكثر وكثر…
صدقني يا هادي، لا بل كنتَ ولا زلت تُصدقني، أننا نعلم بقيمتكم، وبجهودكم، وبصبركم، وببصيرتكم، وبنضالكم، وبتحملكم لسكاكين غدر أبناء الوطن، ولكنكم قامات لا يطالها غير النسور…
يا هادي يا شهيداً، يا قمراً، ويا شاباً ربيعياً حالماً بما تتمنى، وياصديقاً مهذباً وكريماً ومندفعاً، ويا وفياً تسبقنا بالتحية والخدمة والعمل، ويا مبتسماً لا تشعرنا بفارق العمر وكأنك أكبر منا…
ويا هادي جراح شهادتك حفرت عزة في تراب الأرض، وهي التي ستشفي جراح الوطن.
استشهادك يا هادي هو الذي سيزرع الشجر، والدماء الطاهرة التي سقطت منك هي التي ستروي المطر، المطر لا يغزونا بغزارة من دون دماء الشهداء، دماء تنعش الماء وكل البشر!
مطرك يا هادي الشهيد هو بركات لعطرك المرسل حتى يتساقط على الأرض في كل الوطن، خاصة في قريتك الجنوبية “طرفيلسي”، قرية أهل الطيب وجبابرة المقاومين وسنابل العطاء…
يا هادي حسن عيسى شكراً لتلك الأيام واللحظات والجلسات والدروس التي اهديتنا، وشكراً لشهادتك الدرس التي ستهدينا كرامة في وطن، وستنير درب الوطن… و ستنير درب أمة تاهت عن دربها … أحبك…
ملاحظة: هذه الصور المنشورة هو الذي ارسلها لي، طالباً نشرها في حال استشهاده.
خاص- إلا
Share this content:
إرسال التعليق