جنان مرهج.. محطات وإنجازات وأضواء بلا حدود.. لبنان وطني- الإمارات عشقي- وألمانيا مستقبل عائلتي الآمن..
جنان مرهج اللبنانيّة المولد، الإماراتيّة الهوى، الألمانيّة الوِجهَه.. امرأة بأشرعةٍ من حريرٍ شفافٍ مرهفٍ ليّنٍ ومتين، طموحها لايعرف الإستسلام، وقناعاتها هادئة لأنها عميقة وأصيلة ومتجذّرة في شرايينها وروحها ونبضها الرصين، بيئتها المتوازنة التي نشأت فيها، أعطتها الكثير من الحبّ والتوازن والثقة والإرادة والقرار والحرية والكبرياء، متواضعة تعشق البساطة، وتحرص كل الحرص على عفويتها، ولا تعير انتباهاً لأيّ ادّعاء لأنها امتهنت قبل أيّ مكتسب آخر “الصدق “، لهذا تجدها الأقرب إلى قلب كل من عرفها عن قرب.. يمكن أن يقال عن جنان الكثير، لكن لا أريد الوقوع في مطبّ السرد والإسترسال، بل أريد أن أستمتع بحوارها الشيّق مع كل القراء الأحبّة في هذا اللقاء الممتع عبر صفحات مجلّة -إلا
أجرى الحوار : جوني يوسف عوض – بيروت
1-ما سبب اختيارك للإعلام كمهنة واين كانت بداياتك الاعلامية؟
بداياتي الإعلاميّة عفوية بمنتهى الطرافة، فمنذ الطفولة كان لي شغف حمل الميكروفون. فكل أداة بيدي الصغيرة خلال طفولتي كانت مشروع ميكرفون، وما إن تفتّحت لديّ بعض مسام المدارك حتى طوّرت شغفي واستثمرته في مفارق الشغب، إذ كنتُ أستخدم -مسجلتين- في البيت من النوع القديم الذي يشغّل الكاسيت لتسجيل برامج من ابتكاري واحده للتسجيل وأخرى للاستماع ولا أترك لأحد في البيت التدخّل بهاتين الآلتين فهما خاصتي لأنني الوحيدة التي تسعى لتزويدهما المتواصل بما يلزم من أفكار وتسجيلات وسرد وإلقاء، كنت أجمع أطفال العائلة ونحن من رعيل واحد واوزّع عليهم المهام، وأجعلهم شركاءَ لي في ورشتي اليوميّة، كنّا ننهمك بجديّة هائلة، فمرّة نكتب محتوى مجلة ثم ننسخها بخطنا ثم نرسم غلافها. وما إن ننفضّ من إصدار مجلتنا ونوزعها بين الاهل وبين المعارف والجيران وحتى الجدران، لنحصد أكبر قدر من كلمات الاطراء والاستحسان والإعجاب، حتى يكبر فينا الزهو، فنسارع إلى متابعة فقراتنا الإذاعية، فأسجل كل اللقاءات العفوية والاسترسالات الخطابيّة، وأبرز الاحداث الاعلاميّة ولا أنسى أن أسمعها قبل النوم من جديد، وأترك عقلي الباطن يتابع تحضيرات اليوم التالي وهكذا، وبذلك كلّي يقين اليوم أنني ساهمت في جذب مسيرتي الاعلاميّة باكرا.
2- لماذا تمّ التعاقد مع جنان مرهج بالتحديد لتكون من فريق عمل إذاعة أم القيوين عند إنطلاقتها ؟
طبعاً بداياتي كانت في لبنان وفي محطّة ال NBN رست أشرعتي بعد قليل تجوال عبر الأثير اللبناني، وفي تلك المحطّة تكرّس اسم جنان وتجسّدت الكثير من طموحاتي، وذلك بفضل إيمان مديري “جوني صدّيق ” الذي أدين له باحترامي وتقديري وانتمائي لتلك المهنة ولا أنسى أبداً تشجيعه المتواصل وتأييده لأسلوبي وتسجيل إعجاباته المتكررة عقب الكثير من الحوارات واللقاءات مع شخصيات كبيرة من لبنان وغيره.. في ذلك الحين زار استديوهات ال NBN فريق التأسيس لإذاعة “أم القيوين ” FM وكان هدف الزيارة للبنان هو اختيار بعض الإعلاميين والإعلاميات لتشكيل الباقة الإذاعية، وبعد لقائهم بمديري جوني صدّيق في ال NBN وقتها لم يتردد للحظة في تزكيتي وترشيحي المباشر للعمل هناك، وفعلاً تمّ التعاقد معي وكانت سنواتي الأولى معهم من اجمل ايام عملي الاذاعي بعيداً عن أثير لبنان الذي يسكنني حتى اليوم.
3- تقولين ان الاعلامي جوني صديق كان داعما ومؤيدا ومعجبا كذلك في اختيار ضيوفك واسلوبك الخاص والمميز في الحوار، هل تذكري بعض الاسماء البارزة التي كان لها حظوة اللقاء معك في الNBN وفي إم القوين، وهل من نادرة طريفة تذكرينها لنا؟!
طبعاً بالنسبة لي لم أكن أفرّق بين الأثيرين فكما وجدتُ بيتاً وعائلة في إذاعة الNBN ،كذلك وجدتُ في إذاعة “إم القوين ” فلذلك لم أتغيّر، ولم أميّز بين الأثيرين اللَذَيْن اعتبرتهما واحداً كما أنا بقيت نفسي كما عهدني المستمع والذي لطالما شجّعني بفائق الإتصالات والمطالبة باستمرار بإعادة الحلقات ففي حينه لم تكن وسائل التواصل شائعة لأنشرها عبر اليوتيوب، أو اقتطعها لل “تيك توك ” كما يحصل اليوم من زحمة في الترويج، لهذا لا أستطيع الآن فرز اللقاءات حسب الإذاعة بل سأذكر الأسماء حسبما تسعفني الذاكرة المشتركة، وسأبدأ بما انهيت سؤالك حيث أذكر جيداً الراحل الرائع “ملحم بركات ” الذي استرسل في اللقاء يومها وكان بمنتهى الارتياح والعفوية والبوح والتدفق والانتقاد، وعندما شارف البرنامج المحدّد بساعة اسبوعية رفض ملحم رحمه الله أن أختم البرنامج وطالب بتمديد اللقاء لنصف ساعة أخرى وفعلاً نزولا عند رغبته لم يخجلني مدير الإذاعة “جوني صديق ” وسمح بالاستثناء والتمديد، ولا أخفي أنني أعتبر هذا التمديد من فنان عبقري مثل ملح بركات كان بمثابة وسام أحمله في ذاكرتي حتى اليوم..
ومن الأسماء التي تحضرني الآن كبير الفنانين واستاذ الطرب الراحل وديع الصافي رحمه الله، والفنان الكبير الوسيم عمر دياب أطال الله في عمره، والفنانة المغربية المتألّقة سميرة سعيد، والفنانة المبدعة جوليا بطرس، والفنان الرائع ومعشوق الجمهور راغب علامة، والفنان المجتهد والمحبوب ماجد المهندس، ومطربة الخليج “الملكة ” أحلام، و”الشاب مامي ” أبرز مطربي فن الراي في العالم العربي والغربي على حدّ سواء، والملحّن والمطرب الموهوب فايز السعيد، والمطرب الأنيق الراقي صاحب الصوت الذي يشبه قمم لبنان وائل كفوري، والنجم العربي الرائع وليد توفيق، والمطرب المميّز بصوته الدافئ النجم محمد فؤاد، والبوب ستار السوبر رامي عيّاش، وصخرة الفن اللبناني التي لا تزيح ولا تزول الراسخة كمعلم من معالم الفن اللبناني كما صخرة الروشة الحبيبة نجوى كرم رغم بعض تحفظاتي على أعمالها الأخيرة التي انحازت للاستعراض وحادت عن انصاف صوتها الرائع الأصيل.. ولا أنسى لقائي مع الدكتور نداء أبو مراد الذي فتح لي مسارب كثيرة للثقافة الموسيقيّة والتي يملك خزاناً منها يجب أن يكون بمتناول كل العاملين في مجال الفن.. ناهيك عن لقاءاتي المميّزة مع الرحابنة الأستاذ الأستاذ منصور الرحباني رحمه الله، والأستاذ الأستاذ أسامة الرحباني حفظه الله، والسيدة المطربة “هدى ” توأم المجد الفيروزي الذي لا يُضاهى ولايُنافس على مرّ التاريخ..
أما في المجال الأدبي فقد كان لي شرف اللقاء مع الأديبة الكويتيّة الكبيرة ليلى العثمان، والأديبة الجزائرية المعروفة أحلام مستغانمي، والشاعرة الأديبة المشاكسة جداً غادا فؤاد السمّان، وأيضاً مع الشاعر نزار فرنسيس، والشاعر رودي رحمه، والشاعرة سهام الشعشاع، والشاعر كريم العراقي رحمه الله، والإعلاميتين المشاغبة الأبديّة فيهما العزيزة نضال الأحمديّة وسيدة مؤلفات الأبراج السنوية ماغي فرح.. وعيرهم الكثير الكثير الكثير من الأسماء التي لا تحضرني ولو أردت أن أستحضرها جميعها لما انتهيت.
4- تمّ تكريمك مرات عدّة، في كلّ من لبنان وكذلك في الشارقة، واليوم تُكرّم جنان مرهج لأكثر من مرة في ألمانيا من قِبَل رئيس بلدية المنطقة التي تقيمين بها في ألمانيا موطنك الأخير، فهل بتقديرك التكريم هو الهدف، أم هو الدافع لتحقيق المزيد من النجاحات؟
التكريم بالتأكيد حالة استثنائية تمنح الكثير من الزهو أمام الذات، والكثير من العطر أمام الروح، والكثير من الثقة أمام المحيط، والكثير من الألق أمام المحبين، والكثير من الجمال أمام المرايا، لكنه أبداً لم يكن هو الهدف، بل دائماً هو الدافع للمضيّ قُدّماً نحو الهدف .. الهدف الأساس كان تقديم الأفضل من البرامج، وكان الهاجس البحث عن الإبتكار في الإعلام، والبحث عن وسائل جذب المستمع، وكل ذلك لإرضاء طموحي وبالتأكيد لاحترام المستمع. لكن عندما يأتي التكريم من دولة اولى في كل شيء في العالم ك دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الحريصة باستمرار على رفع المستوى وتكريس المضمون الجيد بل الممتاز إن لم أقل الأميز في العالم، فهذا قطعاً أمر أعتز به، وأعتدّ وأفخر، وأعتبر تكريم الإمارات الغالية على قلبي وعلى تاريخي وعلى ذاكرتي من أبرز المحطات المضيئة في مسيرتي الإعلامية، ولا أنكر أن تكريمي في ألمانيا بذات الأهمية لكنه لا يزيد عليها لأنّ في الإمارات كان هناك جمهور عريض، ومعارف تشهد بحقي في كل مناسبة تجمعني بهم وكان ثمة علاقات متينة تربطني بسيدي الحاكم الذي لا أنسى وقفاته النبيلة معي ومع ابنتي والتي أدين له بما أنا وعائلتي عليه الآن في ألمانيا، باختصار الإمارات لم تكن مربض أحلامي فقط بل مصنع نجاحاتي المستمرّة حتى اليوم..
5- أفهم من حديثك وانحيازك للحديث عن الإمارات وكأنك بشغف للعودة إليها؟!!
بالطبع و بالتطبّع أيضاً أحبّ الإمارات وأعشقها ولا تزال عاطفيّا تشدّ روحي كما عهدتها وأكثر، ولكن يتدخّل العقل هنا ويؤكّد أنّ الإمارات التي أعشق إن لم تحتجني بقدر احتياجي لها فقطعاً، لن أجهد تفكيري على غرار عاطفتي حتماً..
6- اين تجدين نفسك اكثر: في البرامج الإذاعية أم التلفزيونية أم في الكتابة؟
الإذاعة ثمّ الإذاعة ثمّ الإذاعة بالنسبة لي في المقام الأول….
إذ أنه ثمّة سحر في وجودي في الاستديو وهناك نشوة في القوة خلف الميكروفون وإدارة الحوارات وليس مناقشة بل “مناغشة ” المستمعين، والمَخْرَج الأمثل لإصدار فترة مباشرة أو برنامج مسجل. هناك متعة في البحث والإعداد للوصول إلى نتيجة مرضية دائماً. واسمحلي أن أخبرك سراً وهو أنني أحبّ وقع صوتي على المستمع أكثر من وقع صورتي على المُشاهد. فلطالما عرفت الرضى الذاتي بصوتي، ولكن لم أعرفه في صورتي أمام الكاميرا، وهنا المسألة ليست مسألة أجمل أو أقل جمالاً، بل المسألة مسألة العلاقة المحصورة مع تقنيين يقومون بمهامهم بنجاح قد لا يصل إلى أعماق روحي كإنسانه ولا حتى يلامس السطوح منها، بينما المستمع فهو يستجمع كامل روحه وكامل مشاعره وأحاسيسه ليتواصل معي عبر الصوت الذي “يعشق ” قبل العين كما يقول الشاعر..
7- في جعبتكِ عدد من الأعمال الدرامية عبر الإذاعة، هل أخذتْ تلك الأعمال حقّها جماهيرياً، ولماذا لا يتمّ إنتاجها في زحمة الأعمال الدرامية لتعرضَ كمثيلاتها في محطات التلفزة ؟!!
بالنسبة إلى الأعمال الدراميّة الإذاعية، سأشي لك بأمر دفين، ففي المقام الأول كان المسرح والتمثيل طموحي الكبير وكانت كلية الفنون رغبتي الجامحة للانتساب، لكن اعتراض الأهل انتهى بي في كلية الإعلام لأسباب خارجة عن إرادتي، كنت أعشق التمثيل وفي أعماقي طاقة لا تنتهي، استطعت أن أستثمرها في الإذاعة، وغالباً كانت النصوص من كتابتي لكن التنوّع في الأفكار كان شأناً مشتركاً، كذلك الاداء والاخراج..
وهنا لا انسى فضل المخرج المبدع “سمير ساعاتي ” في تنفيذ تلك الاعمال والكثير غيرها تماماً كما كانت ترسمه مخيلتي وأجمل.. من سمير ساعاتي تعلّمت الكثير. ولا أنكر أن تلك الأعمال قد أخذت حقها من مستمعي الإذاعة على أكمل وجه، والأهم طبعا تلك الأصداء المُبهرة في الإعلام الإماراتي.
لم أعرضها على ايّ منتجين فيما بعد لتظهر على الشاشة الصغيرة، لأننا لم نكن في تلك الأيام نفكر أبعد من نجاح الدورة البرامجية. كنا فريق عمل ملوّن بالحبّ والحيويّة لا يكلّ ولا يملّ أبداً.
8_هل الشهرة تستهوي جنان مرهج وهل تعتبر الشهرة نعمة لها أم نقمة عليها..؟!!
الشهرة تستهويني جدا. منذ صغري، في فترة قمة شهرتي الإذاعية في الامارات، كانت دوما نعمة. اليوم وبعد كل ما مررت به من تجارب حياتية، لا أرغب سوى بحياة هادئة، ولكن الطاقة بداخلي تدفعني للقيام ببعض النشاطات من حين لآخر في المانيا حيث أعيش حاليا مع أولادي، والجميل في تلك البلاد احترام الإنسان واحترام كل أفكاره ودعمها وجعلها حقيقة واقعة قيد الإنجاز والتنفيذ، وهذا أمر مشجّع ومحفّز من وقت لآخر.
9_ من خلال خبرتك الطويلة، أيّ البرامج برأيك يفضّل الجمهور ” البرامج الإنتقاديّة أم التثقيفيّة أم الترفيهيّة ” ؟
لكل نوع من البرامج محبيه ومتابعيه دون شك. لكن من أشهر برامجي كان “أسمع- أرى- أتكلّم “، وكان برنامجاً للنقد بامتياز، وقد منحني هذا البرنامج شهرةً أكبر وأوسع وقد تمّ آنذاك اختياره كأفضل برنامج منوعات من قبل إحدى المجلات الإماراتية، ومع تواصل نجاح هذا البرنامج وازدياد جمهوره العريض صرتُ أشعر بسلطة الميكرفون، ومسؤولية الكلمة وأهميّة وقعها، ولا أنكر أيضاً تفوّق فريق الإعداد وقوّة العلاقات على مختلف الأصعدة. كما أذكر جيداً أني قدّمت برنامجاً ترفيهيّاً مع زميلي أسامة فودة نجم الإذاعات في “الكويت ” العزيز، ومنذ ذلك الحين لغاية اليوم لا يزال اسمه “فون ديليفيري” كنا نضحك وقتها فوق قدرتنا على الضحك، والمستمعون الاوفياء يذكرونه حتى اليوم ومنهم من سجل كل الحلقات. وقدمت من اعدادي واخراج سمير ساعاتي، “معالم من العالم” حيث أدخلنا ثقافة السياحة على البرامج الإذاعية واصطحبنا المستمع إلى بُعد آخر تماماً وكان الدليل على نجاح البرنامج الاتصالات التي لا تهدأ التي تطالب بالمزيد من المقترحات السياحيّة كما تطالب بالإعادة ومضاعفة مدة بثّ البرنامج، وكل ذلك وفق اتصالات مدفوعة وليست كما اليوم عبر الوسائل والوسائط المجانيّة. الخلاصة لا أستطيع أن أزيح نمط إذاعي لتمييز الآخر كل صيغة من صيغ البرامج لها جمهورها، حتى على الإعلامي المذيع لها أيضاً مزاجيّتها التي تضيف للحرفة متعة كبيرة دون أيّ شكّ..
10_ ما الذي قدمته لك إذاعة ” أم القيوين أف أم ” وماذا أضافت لمسيرتك الإذاعية والمهنية ؟
إذاعة ام القيوين FM ، أعطتني الحريّة والأمان والثقة، نلت تقدير الراحل الأستاذ علي جاسم بسرعة وكنت عند حسن ظنه. واستطعت أن أمثّل الإذاعة مع زملائي الأعزاء في أبرز الأحداث الفنية في الإمارات، كان من الضروري لنجاح الحدث، أن تضع الإذاعة بصمتها عليه. هذه الإذاعة قدّمت نواة الانتشار السريع، وأرتني محبّة الناس، وأذاقتني طعم الشهرة بسعادة وغبطة وسرور. يا لها من أيام لا أنساها أبداً.
11_ كما نعرف زوجك فلسطيني هل هذا هو سبب عيشكم في الغربة أي كونك لا تسطيعين منح زوجك وأطفالك الجنسية اللبنانية، مما يحرمهم من عدّة أمور كالعمل والطبابة وغيرها ؟
رزقتُ وزوجي بطفلةٍ أصيبتْ بإعاقة الشلل الدماغي منذ الولادة، وكنا في رحلة علاج دائمة منذ كانت في عمر العشرة أشهر، وبفضل حاكم الشارقة أطال الله عمره تسنى لنا السفر إلى المانيا لاستكمال علاجها بشكل محترف وقد تكفّل بكامل المصاريف من ألفها إلى يائها تماماً.. هناك في ألمانيا وقد راقت لي حقوق “المعوقين ” لهذا قررت الانتقال للعيش ودون تردد لأجل ابنتي جنا. ولأجل أن يحصل أبنائي أيضاً على جواز سفر “قوي ” يسهل لهم تنقلاتهم في المستقبل، لذلك أصبح العيش في ألمانيا هدفاً أساسياً أكبر من الشهرة ومن النجاح ومن أحلام الطفولة والشباب، إنها العائلة، ولأولادي الحقّ أن يتمتّعوا جميعاً بعيش كريم وبتنقّل سهل وحرّ، وجميعنا يعلم ما يعانيه “الفلسطيني ” في دخول أي بلد، لهذا كانت طمأنينتي في ألمانيا مزدوجة منجهة اطمأننت على وضع جنا. ومن جهة أخرى أضمن الجنسية الألمانية لأولادي، والنظام الاجتماعي عموماً، والانساني خصوصاً في ألمانيا مغرٍ جدّاً، رغم أنّ الحياة فيها ليست سهلة أبداً لكنّ إرادتي قويّة جداً.
12_ كيف تنظرين للحريات الجديدة التي أقرّتها بعض الدول الغربيّة كالحرية المثليّة، وحرية تحديد الجنس وهل من الممكن أن تكون دافعاً لتتركوا ألمانيا كعائلة شرقية، واختيار بديل للاستقرار في إحدى الدول العربيّة حماية لأطفالك..؟!
في ألمانيا مطمئنّة على أطفالي وكلّي يقين أنهم ليسوا في خطر بسبب قوانين الحريات الشخصيّة. لأنني أملك كلّ الثقة بأنهم قد نالوا تربية جيدة وتعلموا تماماً ما يعنيه اختيارهم سواءاً الصح أو النقيض، طالما أنّ قوانين الطبيعة سليمة، وطالما أنّ أصول التربية صحيحة فلا خوف على الإطلاق، وأنا شخصياً، لم أرفض المثليين في حياتي، هم يولدون هكذا بطبيعة تختلف عن الطبيعة، وحسبهم اضطهاد الكثير من المجتمعات لهم. ليس لديّ عقليّة شرقيّة، ولستُ متزمّتة دينيّاً، أنا أدين بدين الإنسان. الإنسانية أولا، والمحبة واللطف والاحترام ضمانات لاستمراريتها على الدوام.
13_ هل لا يزال الإعلام كما سابقاً، وما تأثير وسائل التواصل الإجتماعي والمنصّات الإعلاميّة، والمواقع الإلكترونيّة على الإعلام، وما هي حسناته وسيئاته برأيك؟!
الإعلام بالتأكيد ليس كما كان سابقاً ابداً. وأظنّني لذلك ابتعدت، لم أعرف ركوب موجة التغيير كغيري. ربما هذا تقصير مني ولكني قانعة بتقصيري أكثر من قناعتي بضرورة التغيير التي لا أراها بعين الإعجاب أو بعين الرضى. الإعلام الاجتماعي بتلك الوسائل المفتوحة والمتاحة للجميع، له الكثير من الحسنات أهمها إيصال الحقيقة المطموسة، وتسليط الضوء على القضايا المهمشة، وفي مناسبات كتيرة أصبح صوتاً لمن لا صوتَ لهم بكل تأكيد. لكن من سيئات تلك الوسائل، إتاحة شهرة واسعة للسفهاء الذين لا يستحقّون هذه المساحة من الفضاء الإعلامي.
14_ ما الفرق بين الحياة في لبنان والإمارات وألمانيا ؟ ماذا أكسبتك تعدد الثقافات والبيئات هل أعطتك تنوّعاً في الشخصيّة أم تسببت لك بنوع من الإرباك؟؟!
في لبنان الحياة لا تعرف الراحة، بلد جميل وشعبه مقاتل في سبيل حبّ الحياة، وغالباً ما يجد حلاً لكل معضلة تواجهه. هنا ولدت وإلى هنا حنيني دائماً وأبداً، وفي قلبي قهر لا حدود له بسبب وضع بلدي منذ ولادتي حتى اليوم. ولا يزال وطني هو خياري الأول في إجازاتي السنوية.
في الامارات تعرفت لأول مرّة ما يعنيه تعدد الثقافات، وأحببتُ النظام في كل مجالاته، لأنه يجعلك تشعر ب”الأمان ” ثمّ الأمان، لقد تمّ التعامل معي بكل احترام ومحبّة ولطالما شعرتُ هناك حقيقةً بالانتماء، إذ في الإمارات نلتُ الشهرة، ومع كل الجمهور العريض الذي أحبّني، أحببت نفسي، ورزقت بأبنائي، كانت الإمارات وطني الثاني، ولم تكن لي أبدا أيّ رغبة بتركه، لكنّ إعاقة ابنتي أوصلتني إلى ألمانيا، حيث النظام والقوانين والوقت محترمة جداً، وكذلك حقوق الانسان والمساواة، اللغة الألمانيّة صعبة، واحتاجت مني الكثير من السنوات لتعلّمها، وهنا خليط الثقافات كبير جداً، وكذلك تبادل الثقافات أصبح مرغوباً به في ألمانيا، بسبب كثرة المهاجرين من جنسيات مختلفة، وكوني متطوّعة لدمج اللاجئين تعلُّمتُ الكثير، وعشتُ مع الآخرين جلّ آلامهم و أفراحهم. أعطاني كل ذلك الكثير من التنوّع في شخصيتي دون شك.
15_ ما هي أحلامك المستقبلية والأهداف والمخطّطات التي تعملين على تحقيقها ؟
أتمنى العودة إلى الميكروفون بأية طريقة. ولكني حاليا راضية عن سير الحياة اليوميّة، ابنتي “جنا ” نالت الجنسية الألمانية وأصبح مستقبلها بأمان. الآن أعمل على أوراق أبنائي، ودراستهم، وينحصر بالإجمال طموحي بهم ولهم، وكوني اعيش في منطقة هادئة، يسعدني الوضع فيها حاليا ريثما يتمّ إنجاز الأهم أعود للمهمّ في حياتي وهو الإعلام ثمّ الإعلام.
خاصّ – إلا
Share this content: