هل هواء “صندوق النقد” آتٍ ومؤاتٍ؟
7 حزيران 2023
02 : 00
كثيرون يضعون أيديهم على قلوبهم، فالأمل كبير، كذلك امكانية خيبة الأمل، وهناك فئة غير قليلة لم يعد يعنيها الأمر، ولا يزعجها الفراغ، لأنّ التأقلم أصبح في لبنان سيد الموقف، وباتت الخسارة الأكبر في سجل المواطن وحياته هي التأقلم مع الانحدار المعيشي وترتيب أموره بالتي هي أحسن.
يُقال، كما في كل العهود، أنّ الرئيس العتيد، أياً يكن، متحمس لما يسمى «الثورة العصرية» التي ستبني الجمهورية الجديدة في لبنان، كما بنت هذه الثورة صورة الجمهورية الجديدة في فرنسا، وستصبح رؤوس الادارة غير مرتبطة بالزعامات الحزبية وغير الحزبية، وينتهي الحلف التاريخي الثلاثي «النائب – الوزير – المدير» خصوصاً النائب القريب والوزير الأقرب والمدير المقرّب! ولكن، هل سيكون للبنان رئيس في هذا الموعد أو ذاك كما هو معلن؟ وهل ستتحقق الثورة العصرية في حال شعشع قصر بعبدا بأضواء الرئيس المنتظر والناس المحيطة به من كل صوب؟
أولاً، بعض المعطيات يفيد بأن لا رئيس في الأفق، لأنّ أحداً من اللاعبين الاقليميين لن يسهم في تسهيل الاستحقاق اللبناني قبل معرفة المسار الذي ستسلكه التطورات الدولية.
ثانياً، إنّ اتمام الانتخابات الرئاسية من دون تفاهمات مسبقة أمر غير واقعي على الاطلاق بالنسبة إلى قوى داخلية عدة، لأن المسألة ليست مجرد توزيع للمناصب الأولى في الدولة، وانما عبارة عن وضع أسس للحكم على مدى ست سنوات وربما أكثر. وفي حال تمّت التفاهمات، كون كلمة صفقات غير مستحبة لدى فاعلي خير التفاهمات، ما هي الضمانات للرئيس الجديد؟ وماذا يستطيع أن يفعل رئيس جديد قوي أو غير قوي بضمانات وبغير ضمانات؟
هل يعرف الرئيس العتيد في حال وصل إلى جنة الحكم أنّ دولة الموظفين تستطيع بدهريتها أن تشغله أسابيع وأشهراً في موضوع اسمه مدير هذه الادارة أو تلك؟
هل يعرف الرئيس العتيد في حال وصل إلى «قصر الشعب» أنّ الخطيئة الكبرى التي يمكن أن يقترفها أي رئيس، أن يصبح رئيس دولة الموظفين، لا رئيس لبنان أو رئيس اللبنانيين؟ وهل يعرف أنّ التاريخ لا يرحم، وعليه أن يقرر بينه وبين نفسه، ومنذ الآن، وقبل أن يستلم، من سيكون المهم في عهده، وما الذي سيكون الأهم في عهده؟
ولنسرد للرئيس المنتظر هذه الواقعة التي جاءت خلال احتفال كبير في الولايات المتحدة، قبل عقد من الزمن على لسان خطيب صديق لوكيل وزارة الدفاع أحيل على التقاعد. يقول: «هذه قصتي المفضلة. تذكر من أنت».
كان وكيل الدفاع يلقي خطاباً مكتوباً أمام آلاف من الحاضرين في مؤتمر، وراح يرتشف القهوة من كوب كرتوني، تأمل في الكوب ثم نظر إلى الأسفل وابتسم! ثم خرج عن النص ليقول: «هل تعلمون أنّه في العام الماضي كنت وكيل وزارة الدفاع، وأتحدث في المكان عينه والمناسبة عينها، لكن في العام الماضي حجزت لي درجة رجال الأعمال، ووضعت سيارة خاصة بتصرفي من المطار إلى الفندق وكذلك موظف ليكون دليلي ويتمم كل الاجراءات. وفي الصباح كان في استقبالي شخص آخر ليرافقني إلى هذه القاعة، ويوصلني إلى المدخل الخلفي فغرفة التحضير، ثم ناولني القهوة في فنجان خزفي جميل. لكني الآن لم أعد وكيل وزارة، لقد أتيت في الدرجة الاقتصادية واستقليت سيارة أجرة على حسابي، وقمت باجراء كل ما يلزم بمفردي. مشيت إلى المدخل الامامي وعثرت على طريق من وراء الكواليس من دون مساعدة أحد، وعندما سألت أحد الاشخاص هل لديكم قهوة؟ أشار إلى ماكينة القهوة في زاوية الصالة. أعددت القهوة بنفسي وسكبتها في هذا الكوب الورقي. العبرة أضاف، هي أنّ كوب القهوة الخزفي لم يكن لي بل للمنصب الذي كنت أشغله، أنا استحق كوباً ورقياً، كلنا نستحق كوباً ورقياً. وكلما كنت شخصاً ناجحاً، سوف تمنح العديد من الامتيازات. الناس ستناديك سيدي، وتفتح لك الأبواب وتحضر لك كوباً من الشاي من دون انتظار طلب منك. لكنك لست المستهدف بل منصبك، وعندما تستمر الحياة سوف يمنحون كل هذه الامتيازات للشخص الذي سيستبدلونه بك. أخيراً لست مضطراً أيها الرئيس العتيد لتقول بعد ست سنوات لو أعادوني لفعلت كذا وكذا.
الحاجة باتت ماسة لهواء نقي. الحاجة باتت ماسة لحكم ديموقراطي سليم وفاعل، سريع سرعة العصر في الاختيار والقرار والتخطيط والتنفيذ والمثابرة والتحسب والتوقع والبت والحسم.
فهل هواء صندوق الدولي آت بجهاد ازعور ومؤات لما هو آت؟ للحديث صلة…
المصدر : نداء الوطن
Share this content: