Home إلّا ضرورة وحدة الصفّ الفلسطيني نظير “صفقة القرن “

ضرورة وحدة الصفّ الفلسطيني نظير “صفقة القرن “

by رئيس التحرير

 

                   د. محمد الجاغوب / كاتب وأكاديمي فلسطيني – نابلس

رغم مضي سنتين على بداية الترويج للصفقة المذكورة الشائعة باسم “صفقة القرن ” وعلى الرغم من تأخر الإعلان الأمريكي الرسمي عن تفاصيلها، إلا أنّ ملامحها بدأتْ تتكشّف تباعًا، فمن تهويد القدس، إلى نزع صفة الاحتلال عن الجولان العربي السوري، إلى رفع الدعم المالي عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، إلى التخلّي عن حلّ الدولتين، كل هذا يؤكد أن عرّابي الصفقة من اليهود الأمريكيين “كوشنير وجرين بلانت وفريدمان ” لا يضعون نصب أعينهم سوى مصلحة إسرائيل، أما الفلسطينيون والعرب فما عليهم غير إسدال الستار على قضيتهم المركزية والتوقيع على تصفيتها…

الملامح المتسربة للخطّة تتحدّث عن فلسطين الجديدة كإقليم وليس كدولة، وهذا ما كان تحدّث عنه “إسحاق شامير ” في مؤتمر مدريد عام ١٩٩١، كيانٌ فلسطيني يتمتّع بما هو أكثر من حُكم ذاتي وأقلّ من دولة مستقلّة، وقد تمّ تصنيف أراضي الضفّة الغربيّة إلى مناطق (A B C)، وفق اتفاقيّة أوسلو عام ١٩٩٣ التي نصّت على أنّ مدن الضفة الغربية تسمى مناطق A وتخضع للسيطرة الفلسطينية أمنيًا وإداريا، بينما مناطق B تطلق على القرى المحيطة بالمدن وتكون السيطرة الأمنية عليها لإسرائيل والسيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية، ومناطق C تطلق على مناطق غور الأردن الواقعة غربي نهر الأردن وتشكّل مساحتها ما يزيد عن 60% من مساحة الضفة الغربية وتكون السيطرة الأمنية والإدارية عليها بيد إسرائيل بما في ذلك معبَر الملك حسين الذي يربط الضفة الغربية بالأردن، وها هي خطة كوشنير تتحدث عن فلسطين الجديدة كمنطقة مُدارة بحُكمٍ ذاتي مُطوّر لا كدولة مستقلة.

لقد رسمت إسرائيل حدودها يوم أقامت جدار الفصل العنصري العازل داخل أراضي الضفّة المحتلّة، متجاهلةً قرارَيّ مجلس الأمن الدولي ٢٤٢ و ٣٣٨ اللذَين يَعتبِران الضفّة الغربيّة، أرضا محتلة وأنَ على إسرائيل الانسحاب منها إلى خطوط ٤ حزيران ٦٧…

إذن الصفقة تتحدّث عن مدن وقرى فلسطينية ضعيفة التواصل فيما بينها، وتقطّّعُها الطرق الالتفافية الواصلة بين المستوطنات والتجمعات اليهوديّة.. وإن وضعًا كهذا يُعيقُ حلّ الدولتين، ويفرض حالة من التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين داخل المناطق المحتلة، ومع ذلك فهو تعايشٌ هشٌ وضعيف، فما نلمَحُه من معاملات تجارية وسياحيٍّة وأمنيّة واشتباكٍ يومي على الحواجز الداخلية والمعابر الحدودية هو تعاملٌ تإذ مليه الضرورة ومتطلبات الحياة اليومية، إذ هناك عشرات آلاف العمّال الفلسطينيين يتوجّهون كل صباح للعمل داخل المناطق الإسرائيلية بموجب تصاريح عمل يحصلون عليها من مكاتب العمل الإسرائيلية، وهم يعملون هناك في قطاعات الزراعة والصناعة والبناء ويتقاضون أجورا مرتفعة فيما تعمل شريحة كبيرة من الشباب المتعلمين كموظفين لدى مؤسسات السلطة الفلسطينية، وهذا بحدّ ذاته يُحسّن من مستوى المعيشة في الضفة الغربية ويُحقّق للناس شيئاً من الرفاهية، ويُتيحُ لهم فُرَصَ التنقل والسفر بجوازات سفر فلسطينية تصدرها لهم حكومة السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو، ناهيك عن أنّ كثيرا مِن أبناء الضفة الغربية يحملون جوازاتِ سفر أردنية تتيحُ لهم السفر عبر نهر الأردن باعتبارهم كانوا مواطنين أردنيين قبل قرار فك الارتباط عام ١٩٨٨…

على الطريق من نابلس إلى رام الله وسائر طرق الضفة الغربية تسير سيارات الجيش الإسرائيلي وسيارات المستوطنين اليهود وسيارات الشرطة الفلسطينية وسيارات المواطنين الفلسطينيين، يسيرون جميعًا بهدوءٍ وانتظام مع كامل الاحترام لقوانين السير على الطرق، وإذا وقع حادث مروريٌ على إحدى الطرق يتم إسعاف المصابين وإخلاؤهم بطواقم إسرائيلية وفلسطينية أيهما أقرب إلى مكان الحادث، لكن إذا حدث مساس بالأمن الإسرائيلي فإنهم ينقلبون بسرعة فائقة إلى شياطين، يُغلقون الطرق ويُقيمون الحواجز والبوابات الإلكترونية،، يفتشون ويعتقلون وأحيانا يَقتلون، إلى أن تهدأ الأمور ..

إنّ المُتتَبّعَ لأحوال الناس في الضفة الغربية يلحظ حالة من التطوّر الاقتصادي والعمراني والصِحيّ والتعليمي أكثر بكثير مما هو عليه الحال في قطاع غزّة الذي يُفرَض عليه حصار اقتصادي، يَحرم الناس فيه من العمل ويضع المُواطنين هناك، تحت وطأة الحرمان والفقر الذي حوّلَ الكثير منهم إلى مُتسوّلين، باستثناء عناصر حركة حماس وعائلاتهم ومُؤيديهم مِمّن يأتيهم رزقهم رغدًا بمعونات قَطَريّة مُنتظمَة عبر المطارات الإسرائيلية…

قبل انفصال حركة حماس عن السلطة الفلسطينية وانفرادها بحُكم قطاع غزّة كانت الأحوال الاقتصادية والصحيّة والمعيشيّة في القطاع أحسن حالا مِمّا هي عليه الآن.. إنّ حالة المهادنة أو التعايش داخل الأرض المحتلة تُمليها الضرورة والواقع كما أسلفنا، وهي ليست مُبرّرًا للعرب خارج فلسطين ليقوموا ب”التطبيع ” المجاني مع إسرائيل، وإنّ على إسرائيل أن تدفع ثمن كل خطوة يخطوها العرب تجاهها إذا كانت تريد العَيشَ بسلام مع محيطها العربي، وأن تتخلى عن صِفَتها كقوّة احتلال وعن أحلامها في التوسّع من الفرات إلى النيل.

إنّ أيّ حَلٍّ سِلمِيٍّ بين العرب وإسرائيل لن تُكتَبَ له الديمومة إلا إذا كان مبنيّا على قرارات الشرعيّة الدوليّة لا على رَغبات الرئيس Trumb وصهره جاريد كوشنير..

ربما كان تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق A B C وفق اتفاقية أوسلو خطأ فادحاً أتاح لسلطات الاحتلال السيطرة الأمنية والإدارية على المنطقة C، كما أتاح لها سيطرة أمنية على المنطقة B التي تضمّ القرى والأرياف، وقد خلّص إسرائيل من مسؤولياتها الإدارية تجاه سكان الضفة الغربية وحمّلها لحكومة السلطة الفلسطينية، وهذا يتناغم مع ما تطرحة صفقة كوشنير / جرينبلات سواء بِعلمٍ أو من غير عِلم.

ولعلّ حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله أدركتْ مخاطر هذه الصفقة ودَعَتْ إلى مقاطعتها باعتبارها تصفية نهائية للقضية المركزية المزمنة، كما أوقف الرئيس محمود عباس كل اتّصال مع الإدارة الأمريكية بعد أن نقلت أمريكا سفارتها إلى القدس المحتلّة، حركة حماس التي انشقت عن السلطة الفلسطينية وفصلت قطاع غزة عن الضفة الغربية هي الأخرى أعلنت رفضها للصفقة المذكورة.

لاريب أنّ الرفض الفلسطيني من رام الله ومن غزة، رفض منطقي وشرعي لأن مشروع الصفقة يلغي حقّ عودة اللاجئين إلى بيوتهم داخل إسرائيل، ويُخرج القدس الشرقية من دائرة الاحتلال ويضمّها لإسرائيل كعاصمة لها، ويتنكّر لقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ١٩٦٧.

رام الله، وغزة، شعَرتْ كلٌ منهما بخيبة أمل كبيرة تجاه الدول العربية التي ترحّب بصفقة القرن وتؤيدها، وتجعل من تمريرها مدخلا للتطبيع مع العدو الذي يحتل فلسطين بكاملها، الموقف المأمول من القيادات الفلسطينية هو تطوير هذا الموقف الرافض بتجاوز الخلافات فيما بينهم والعمل على ترميم حالة الانقسام، وتوحيد الصف الفلسطيني سُلطةً ومُقاومة، ووقف المناكفات الفصائلية الضيقة بين فتح وحماس، ورفع وتيرة صوت فلسطين الوطن ليعلو على أصوات الفصائل وأناشيدها وراياتها.

والأهم هو بناء جسور الثقة بينها قبل أن تمنّ عليهما صفقة كوشنير ببناء جسر هوائي إسمنتي مُعلّق يربط غزة بما يتبقى من أشلاء الضفة المحتلّة التي يتحوّل اسمها تدريجيا إلى يهودا، والسامرة، أو فلسطين الجديدة.

الرفض الضعيف وحده لا يكفي لمواجهة الإعصار، والصراع في أوطاننا على أشده بين القوى الدولية والإقليمية، ما لم تتوحّد قوى الممانعة والرفض الفلسطينية، والعربية، والإسلامية، مجتمعةً لتشكّل جبهة واحدة وسَدّا منيعًا صلباً في وجه المخطّطات المعادية، فإنّ المخاض العسير سينجمُ عنه، وليدُ شُؤمٍ هجين في ملامح وجهه تختبئ هزيمة وتجزئة وضعف وهوان للأمة بكاملها. 

 

خاصّ – إلا –

You may also like