Home لـوثـة إلّاأدب لبنان كما عرفته ( ٤ )

لبنان كما عرفته ( ٤ )

by رئيس التحرير

شوقي بغدادي / شاعر وكاتب وناقد سوري – دمشق

في هذه المرة لم أستطع أن اهرب من لبنان في الوقت المناسب كما في المرة السابقة . هذه المرة كانت المناسبة أمسية شعريّة على روح الشاعر اللبناني المعروف: نقولا فيّاض ..في بيروت وفي صالة فسيحة للسينما كما أذكر .. كان زمان الأمسية هو الزمن الذي كانت سوريا فيه منذ أشهر قد تحرّرت من الحكم الناصري الذي قاده في سوريا ضابط سوري ذو ميول ديكتاتورية مثل معلمه الذي أحببناه كثيراً قبل الوحدة مع مصر، ولكنّ أسلوب الحكم تحوّل إلى نظام ديكتاتوري ظالم وقاسي ولهذا تغيّرت عواطفي نحو القائد الذي نَظَمْتُ فيه ثلاث قصائد فرحاً بالوحدة وبالزعيم الذي أوحى لي فيما مضى الكثير من الآمال عن الحرية والتقدم والديمقراطية ثم لم أجد في الوحدة مع نظامه سوى السجن والتعذيب مع أنني كنت من مناصريه …

المهم في موضوعنا عن لبنان أن قصيدتي في رثاء نقولا فياض، لم تخلُ من بعض الأبيات التي وصفت فيها حالة بلدي عندما شرعت في نظم القصيدة وأشرتُ إلى الحكم الذي تحرّرنا منه، وخاصّة أنني كنت أعرف جيداً أنّ الشاعر اللبناني نقولا فياض، إنسان متحرّر وذو ثقافة عربية عالية، وثقافة مماثلة في اللغة الفرنسية وآدابها وتاريخها، ولم يخطر لي في بال، قبل إلقاء القصيدة أنّ الأمن العام اللبناني، سيغضب من هذه الأبيات لدرجة التعرّض للشاعر واعتقاله بعد انتهاء الإحتفال وهذا ما حدث فعلا أمام البناء الذي كنا فيه، إذْ كنتُ محاطاً بعددٍ كبيرٍ ممّن كانوا في الحفلة وتأثروا بما سمعوه مني يعبّرون لي عن مشاعرهم عن القصيدة، وعما أعرفه عن المرحوم نقولا فياض ..

هكذا كنا غارقين في الحوار عندما اقتربَ من حلقتنا ثلاثة رجال بثيابهم المدنيّة العاديّة وقال أحدهم وهو يبرز بطاقته كرجل أمن أنه مكلّف مع رفيقيه باحتجاز الشاعر السوري للتحقيق معه حول قصيدته.

هكذا تعرّفت على السجن الواقع قرب مشفى “أوتيل ديو ” حيث أخذوني، وهناك تحمّس رئيس هذه المفرزة بعد كتابته وصفاً للأمسية الشعرية، وإلى ماقلته فيها وطلب مني أن أوقّع في أسفلها فاستمهلته حتى أقرأ ما كتب وحين وجدت في الوصف مبالغات عن الحادث في قوله مثلاً أنّ قصيدتي غير متّفقة مع الواقع وأنني أسأت إلى الحكم اللبناني أكثر من إساءتي للنظام المصري، وعندئذ أعلنت رفضي لهذا الكلام وأنه لا يعبّر عن حقيقة الشعر، بل ينحاز إلى مساندة الناصريين في لبنان.

تأكدت وقتها من ذلك حين عرفتُ فيما بعد أنّ رجال الأمن هؤلاء كانوا من الناصريين اللبنانيين، الذين شكّلوا ما يشبه وقتئذ حزبا لبنانيا جديداً لأنصار نظام الحكم في مصر آنذاك..

المهم يا سادتي الكرام أنني نمتُ ليلة في ذلك السجن في غرفة واسعة مملوءة بالمعتقلين المثقفين العرب والمتهمين بإساءة العلاقات مع السلطة اللبنانية وقد رحّبوا بي كثيراً وتبرع أحدهم بفراشه لي.. وفي صباح اليوم التالي وضعوني مع ستة من السوريين المطرودين وفتاة سوريّة صبيّة في الثامنة عشرة من عمرها متّهمة بممارسة الدعارة السريّة، في سيارة شحن كبرى عسكرية إلى الحدود السورية حيثُ أفرجوا عنا هناك وسلمونا للأمن السوري الذي أفرج عنا بدوره..

رحلة جديرة أن أعود إلى روايتها لا كأحداث بل كأفكار حول الوضع اللبناني عامّة مع الأقطار العربية، في تلك العهود وهل ما يزال لبنان على حاله كما كان وقتئذ …؟!

رحلة قصيدة قد أعود إلى تحليلها ورواية الأبيات التي تخصّ سوريا، ولبنان كشقيقتين متجاورتين ..

 

خاصّ – إلّا –

You may also like