Home لـوثـة إلّاأدب لبنان كما عرفته….( ١ )

لبنان كما عرفته….( ١ )

by رئيس التحرير

شوقي بغدادي / شاعر وكاتب سوري – دمشق

 

لا بأس أن أبدأ مذكراتي التي أخصّ مجلّة – إلّا – بنشرها حصرياً، بقرابتي العائلية مع لبنان.. هذه القرابة التي تحوّلت مع الزمن إلى تاريخ شخصي لي، كعلاقةٍ فرضتْ نفسها على مجمل ما اكتسبتْهُ الذاكرة عن علاقتي بلبنان أصلاً ..

أولا أمي من أصل لبناني في طرابلس من عائلة : “محمد ديب عرابي ” الذي له دكان يبيع فيها الفول المدمّس والحمّص والمغربيّة مع شرحات البصل والبوظة في الصيف.. إضافة لذلك كان يعمل كخادم، وإمام لجامع ( غازي ) في حيّ المينا ومؤذّن للصلاة.. إذ كان صوته شجيّاً رخيماً، حتى أنّ المسيحيين الذين كانوا يقطنون قريباً من المسجد كانوا يطربون لصوته، كما قال لي بعضهم وينهضون أحيانا لسماعه، وكان جدّي يأخذني معه أحيانا إلى الجامع وأنا بعد صغير وأصعد معه الدرج الحلزوني إلى قمّة المأذنة حيث كان يؤذّن وأنا أصغي له خاشعاً هناك ..

هذه العلاقة ترسّخت فيما بعد أكثر فأكثر، حين أضّطر والدي إلى وضعي في المدرسة المسمّاة ( كلية التربية الإسلامية )، التابعة لأسرة الزعيم الطرابلسي الشهير “عبد الحميد كرامي “، في صفّ الشهادة الإبتدائيّة، التي نلتها فيما بعد، وما أزال محتفظا بها حتى الآن..

هناك عشتُ عاماً كاملاً وكنتُ أصعدُ مشياً على الأقدام من المينا إلى حيّ المدينة الأكبر المسمّى ( البلد )، مسافة طولها ثلاث كيلومترات تقريباً، بين بساتين البرتقال والليمون الحامض .. ومن هذه الذكرى ما تزال محبّتي قويّة لزهر البرتقال والليمون الذي يُصنع منه مادة (ماء الزهر ) المشهورة طرابلس به حتى اليوم..

ذكريات ما تزال عالقةً بذهني بكامل الحنين، والتي تعرّفت من خلالها على الدين كمسلمٍ، يؤدّي الصلوات الخمس، بتأثير المدرسة التي انتميتُ إليها، كما اقتربتُ كثيراً من المجتمع الطرابلسي، الذي عرفته أكثر فأكثر حين كبرتُ وصرتُ أقضي معظم عطلاتي المدرسيّة في أحضانه وخاصّة حين بدأتُ أفهم، طبيعة الصراع السياسي والإجتماعي الذي كان ينشب أحيانا بين الأسرتين الطرابلستين الكبيرتين أسرة ( كرامي ) وأسرة ( المقدّم ) ويتحول إلى معركة تبادل إطلاق الرصاص، هدفها إحكام السيطرة على المدينة، وهكذا صرت كأنني واحد من أبناء البلد لكثرة إقامتي فيه..

ومنذ ذلك الحين صرتُ أفهم طبيعة المدينة عموما، المؤلّفة من قسمين متباعدين مسافةً الأكبر ( البلد )، والأصغر المتخم لشاطئ الميناء البحري والمسمّى ( المينا )، وعن سيطرة القسم الأكبر على المدينة كلّها، وخاصّة على حيّ الميناء الذي يتميّز بأنه حيّ العائلات العاملة في النشاط البحري…

وكانت مظاهر المستوى الاجتماعي لمعظم سكان المينا متميّزة ببساطتها بالنسبة لسكان البلد الأثرياء من التجّار الكبار، والزعماء السياسيين الذين كان منهم رؤساء وزارة، ومناصب أخرى كبيرة، للطائفة السنّية بشكل خاصّ، ذلك لأن معظم ( الشيعة ) كانوا من أهل الجنوب اللبناني الذين لم أتعرّف عليهم إلا حين صرتُ شابّاً له في بيروت علاقاته أيضا من خلال إقامتي في بيوت أعمامي الكثر هناك ..

وإلى لقاء آخر قريب…عن لبنان كما عرفته..

 

خاصّ – إلّا –

You may also like