×

بانْتظارِ البرابرة

بانْتظارِ البرابرة

شوقي-بغدادي.jpg222-192x300 بانْتظارِ البرابرة

شوقي بغدادي / شاعر وكاتب وناقد سوري متميّز – مؤسس الحركة الشعرية المعاصرة – دمشق

قرأتُ هذا العنوان فيما كُتِبَ عن الروائي الجنوب إفريقي (ج.م.كويتزي) الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2003, فقد أصدر هذا الكاتب عام 1980 رواية بهذا الإسم (بإنتظار البرابرة) ثم قرأت هذا العنوان ثانية في المجموعة الشعرية المسماة (ساعة الحياة) للشاعر الأميريكي (ويليس بارنستون) المترجمة إلى العربية للقصيدة الأولى في هذه المجموعة.

 

int_barnstone_web بانْتظارِ البرابرة

الشاعر الأميركي ويليس بارنستون Willis Barnstone

اللافت للنظر هنا هو عودة كثير من الكتّاب المحدثين إلى استخدام لفظة (البرابرة) في سياقات لغوية متنوعة، و لكنها تفيد معنىً واحداً مشتركاً لديهم جميعاً، و هو الخوف على البشرية من نظامٍ قاسٍ إلى درجة الوحشيّة يفرض سلطانه على العالم أجمع بالقوة و العنف، بعد أن ظنّ الناس أن عهد البربريّة قد ولّى زمانه.

J.M._Coetzee بانْتظارِ البرابرة

الروائي ج.م. كويتزي  j.m. COETZEE الحاصل على جائزة نوبل 2003

هذا ما يقوله الروائي (كويتزي) حين يؤلّف لهذا الموضوع روايةً فنتازية عن إمبراطورية تقع على تخوم الصحراء يحكمها سلطان عادل سرعان ما يحوّله خوفه من القبائل الهمجيّة المحيطة ببلادِه إلى حاكم مستبدّ، يخسر مع الزمن إمتيازه كإنسان عادل طيب، و يخسر بالتالي بلده الذي ينهار بفعل الفتن الداخليّة، و يجد نفسه أن ليس أمامه سوى انتظار هجوم البرابرة.

12594534 بانْتظارِ البرابرة

أما الشاعر الأميريكي (بارستون) المتميز عموماً بنزعته الوجدانية الشبيهة بالصوفية، فإنه يكتب تحت العنوان نفسه قصيدةً نموذجية في استخدام الفكر السياسي المتداول كخلّفيّة لقصيدة متكاملة فنيّاً، يُدِينُ من خلالها الرئيس الأميريكي بوش الإبن في نزعته البربرية المُحدثة التي يطمح من خلالها إلى إخضاع العالم أجمع إلى إرادته و منها قوله في مطلعها: (ليس للإمبراطور عقل وزراؤه و مستشاروه و أتباعه يعرفون حالة قائدنا و يديرون عقله ببراعة وقحة ولا أحد حتى خصومه المستسلمين يجرؤ على أن يكسر قاعدة النفاق، وهالة الصمت المحيطة بعقل الإمبراطور ترعاها النفعية ما من طفل يصرخ : ليس للإمبراطور عقل..)، ثم يختم قصيدته بهذا المقطع الساخر: (إننا بإنتظار البرابرة إمبراطورنا حفظ خطابه ليس لديه عقل غير أن طفلتنا تعود من المدرسة على البيت و تقول: إمبراطورنا يبدو بكل وقاحة شاطراً و شريراً…).

51D1UNo0X%2BL._SX324_BO1,204,203,200_ بانْتظارِ البرابرة

و(ربما برابرتنا لن ينسفوا العالم أو يرمونا في السجن الحزين وبيننا من يبتسم ولكن ثمّة كآبة مرعبة في أرضنا !..) هذا ما يفعله الأدب شعراً كان أو روايةً أو مسرحيةً أو مقالات في القيام بدوره كمشارك مؤثّر بطرائقه الخاصة به في المعركة الأبدية للبشر بين الخير و الشرّ.

في هذه النماذج الأدبيّة خير جواب على السؤال الذي يُطرح بهدف التشكيك بعلاقة الفن بالسياسية، و ذلك لأن هذه المسألة ليست في نفي هذه العلاقة أو إثباتها، و إنما في كيفيّة صياغتها فنياً، و هي مهمّة ممكنة على أصحاب المواهب العظيمة، أما المواهب الصغيرة فالمسألة لديهم محسومةٌ أصلاً لصالح الإبتذال، و الركاكة حيث لا يجوز طرح أي سؤال حول علاقة الفن بالسياسة، أو حتى بالحياة الجارية عموماً، ذلك لأنّ من تعوزه الموهبة تنقصه في الوقت ذاته، الرؤية السليمة للحياة نفسها، كما حاجته الماسّة لأدوات التعبير عنها، والتي لن يجدها حتماً، وهنا يكمن الفرق بين رهافة التلقّي، وبين توفّر المَلُكة للخوض في لجّة الشعر، أو الإقتراب من شواطئه دون طائل، وخاطىء جداً من يقطع الخيط القائم بين الحدث وإمكانية التفاعل فيه والخروج الآمن منه بمكوّن شعري، بوسعه أن يواجه العالم أجمع.

 

خاصّ – إلّا –

Share this content:

مجلّة - إلّا - الألكترونية/ مجلة هادفة ذات مستوى ومحتوى سواء بما يساهم به أقلام الكتاب العرب المعروفه والمنتشرة بأهم المنابر العربية، أو بما يتمّ اختياره أحياناً من الصحف الزميلة بتدقيق وعناية فائقة، وحرصاً من مجلّة - إلّا - بإسهام المزيد من الأقلام الواعدة يُرجى مراسلتها على البريد الألكتروني / ghada2samman@gmail.com

You May Have Missed