Home إلّا خُطَيْطَةُ تاريخ من متراكم ماضي “غسان تويني ” لمستقبل لبنان

خُطَيْطَةُ تاريخ من متراكم ماضي “غسان تويني ” لمستقبل لبنان

by رئيس التحرير

نسيب شمس / كاتب وباحث لبناني ومؤرّخ ببلوغرافيا – بيروت

عدت في لحظات يعيش فيها لبنان عرس “الانتصار الثاني” الى أوراق قديمة صفراء تحمل معالم خارطة طريق الى ما نعيش اليوم، وما ينفع لمستقبل أفضل، عدت الى ما كتبه غسان تويني الذي كتب في مقاله الافتتاحي في النهار بتاريخ 10 شباط 1975 تحت عنوان “…والآن هيا إلى الدفاع“؛ ” عندما يقول البطريرك الماروني الجديد (مار أنطونيوس بطرس خريش) في خطبة تنصيبه أنه “يحمل جراح الجنوب في جسده”،يكون لبنان قد بدأ بالفعل يعي قضية الدفاع عن الأرض والوطن…“.

نتيجة بحث الصور عن جريدة النهار أرشيف

يقول الكتاب المقدس “الانجيل” أن ” الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. أما الاجير الذي ليس براعٍ وليست الخراف له فيرى الذئب مقبلاً فيترك الخراف ويهرب فيخطف الذئب الخراف ويبددها”.

إن قضية الدفاع عن لبنان إنما هي هذه: أن ندرك أننا إذا نحن تركنا خراف لبنان، فليس من يدافع عنها بأجر، ولا من مجد يُعطي لبنان وللبنان بعد ذلك.

نتيجة بحث الصور عن الانجيل

الإنجيل الكتاب المقدس

في مقالته المذكورة يطالب الأستاذ تويني رحمه الله.. “بالانطلاق إلى تشكيل هيئات دفاع سريعة التحرّك،، عسكرية وشعبية، تخوض الحرب المقدسة فوراً، فور وقوع أي عدوان، أياً كان حجمه…“،

كما يدعو الاستاذ تويني الى ” خطّة الدفاع الطويلة الأجَل، الخطة التي نرجو أن يكون المسؤولون قد اقتنعوا بأنها لا يمكن أن تتم إلا بتحويل لبنان، بهيكليته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلى دولة تحترم نفسها وتقدر – نعم تقدر – بوسائلها على فرض احترامها واحترام حقوقها وكرامتها واستقلالها، من غير ما حاجة إلى تسوّل سياسي أو مالي أو عسكري كلما تعرَّضت حقوقها وكرامتها وحريتها لخطر!

ويختم بالقول: ” حقّ الحصول على السلم، كالحرية وكالكرامة وكالحقوق كلها بما فيها استقلالية الأرض واستقلال الوطن…والحقّ في السلم ثمنه الشهادة في الحرب (…) فهيا بنا إذاً إلى الشهادة“.

نتيجة بحث الصور عن غسان تويني

الصحافي الكبير الراحل غسان تويني

وكان الأستاذ تويني قد ناشد اللبنانيون في صحيفة النهار بتاريخ 16 آب 1967 مخاطباً: ” أيّها اللبنانيون، أنتم مسيحيون وأنتم مسلمون، لكنكم، أما أن تكونوا كلكم لبنانيين أو لا يكون لبنان. في إطار الشرعة الاجتماعية، ميثاق لبنان الجديد، تكمن لبنانيتكم، لبنانية المسيحيين ولبنانية المسلمين، ولا تنازل.

ويتابع: “ذلك أن المصارحة تزيد المسيحي مسيحيةً، وتزيده لبنانيةً… ثم تزيد المسلم إسلاماً، وتزيده لبنانيةً، كذلك المحبة، كذلك الثقة. كذلك الشركة في الحياة، شركة العمل والثروة، الشركة الحرة في الحكم الحرّ “.

فيما كتب في مقالة أخرى عنونها بعنوان: “السيادة وحديث الضمانات[1]

جاء فيها: ” لو حاربنا إسرائيل، أو بنينا الطاقة على محاربتها بجيش قوي عدّة وعدداً، منيعٍ وحديث، لكانت لنا نحن، دون سوانا، الكلمة الفصل في كيفية خوض الحرب – ولو فدائيّة – من أرضنا وعليها وفي سبيلها… تلك كانت تكون ضمانة سيادتنا عسكرياً. ولن تكون لنا غداً سيادة، ولا ضمانة للسيادة كائنة ما تكون الضمانات “الكلامية” أو الخطّية، إذا لم نبّنِ جيشاً في حجم سيادتنا ومسؤولياتنا، فنتحرر من مركّبات النقص، ومن بقية وجوه النقص العسكري التي فضحتها – وفضحتنا معها – الاحداث الأخيرة“.

نتيجة بحث الصور عن غسان تويني

كلام الأستاذ غسان تويني وكأنه يخطّه في هذه الأيام التي نعيش، وللأسف لم يتحققْ شيئاً من السيادة حتى اليوم.

وفي مقال تحت عنوان ” المحاربون بين الحاضر…والمستقبل[2]

تساءل تويني: ” أيّ أمن نريد؟ أنريد أمناً، بالقوة فحسب، قد يكون إذ ذاك احتلالاً واستعماراً، داخلياً أو خارجياً لا فرق؟… أم نريد أمناً ينبع من واقعنا الوطني الجديد، وغيره من الواقع الاجتماعي والاقتصادي، قبل السياسي؟… إذا كان ما نريد هو ذلك، أي المستقبل، فلنتحول قليلاً عن أسواق الجيوش في الخارج لنبني قواعد الأمن في الداخل… فلنبنِ الحكم القوي الذي يكون الجيش، أي جيش، أداة في يده…

وكان الأستاذ غسان تويني قد كتب في إفتتاحيته في صحيفة النهار بتاريخ 15 تموز 1958…” فإذا كنا نريد الحفاظ على لبنان، ونريد الحؤول دون تكريس انقسامه بإعادة نظر في خريطته، فعلينا جميعاً أن نتمنى – أياً كانت النتائج الدستورية والملابسات الشرعية – أن يقوم فينا من يعيد المخاطبة بين جزأي لبنان، عبر حكم جديد يمثل الشعب اللبناني تمثيلاً حقيقياً… حكم جديد يمكن الشعب اللبناني، من النظر في مستقبله ومصيره بتبصر، والبحث عن أسس جديدة يبني عليها نظامه وحياته”.

وفي مقالةأخرى للأستاذ تويني في الصحيفة بتاريخ 27 تموز 1958 كتب فيها: ” أن مسؤولية رئيس الجمهورية العتيد ستكون عظيمة…(…) حسبه أن عليه أن يكون الرجل الذي يجتمع عنده كل اللبنانيين ليجدوا، في ظله وبمعاونته، القواعد التي تصلح أساساً لحياة مشتركة جديدة… حياة جديدة لا تبقى بعدها، ضرورة لثورة … أو ثورة مضادة!“.

نتيجة بحث الصور عن غسان تويني

طابِع مالي جديد الذي يحمل صورة الراحل غسان تويني

وفي مقالة أخرى تحت عنوان: ” حكم في حجم الثورة[3] ورد فيها ما يلي: “…ثورة إذاً هو ما ننتظر من العهد الجديد؟ نعم ثورة، أو حكم في حجم ثورة”(…) فالمطلوب، عملياً، (…)

  • دستورياً: شرائع جديدة تنبثق من تطلعات لبنان الجديد ومن الواقع العضوي الجديد، في كل حقل وعلى كل صعيد.
  • عسكرياً: مؤسسات جديدة، من جيش وقوى أمن وحرس شعبي تقدر على ضمان سلامة لبنان، خارجياً وداخلياً وعلى تأمين سيادة مواطنيه وحقوقهم”(…)” الجيش يجب أن يكون جيش “كل مواطن جندي” يؤمن انضباطاً وطنياً من جهة ومن الجهة الأخرى يساهم في العمل الاجتماعي وإعادة التعمير، على نمط جيوش الدول الصغيرة والنامية المماثلة أوضاعها وأحجامها لما عندنا، فضلا عن رسالة الدفاع عن الوطن حدوداً وشعباً وكرامةً واستقلالا “ً.

وأخيرا طالب الأستاذ غسان تويني في مقالة تحت عنوان ” دولة في الشمال …وفي الجنوب[4]

متوجّهاً بطلبه للدولة اللبنانية بالقول: “يجب  أن تضع حداً لفوضى حمل السلاح، بل الميليشيات، فتقوم بالعمل الكبير الذي يحتاج الى رؤية كبيرة ومسؤولية أكبر… ألا وهو، ومن جد، ان نُشعر كل مواطن يحمل سلاحاً بقدسية هذا السلاح وبما يرتبه عليه هذا السلاح من واجب تجاه الوطن وسلامته! نعم، نعم نريد الميليشيات للجنوب. نريد جيشاً شعبياً، أو حرساً وطنياً، سمّه ما شئت، لا يترك الجنوب أرضاً سائبة ويشعر أهل القرى الأمامية بأنهم لبنانيون يعيشون في لبنان، لبنان الوطن والدولة، ليسوا قطعاناً تائهة متروكة فريسة لقانون الرعب والذل الذي ينشره العدو الإسرائيلي على أرضنا”. (…) ” ثم نريد الجيش اللبناني الذي أثبت قبل اليوم مراراً (…) أنه مغوار بالفعل ساعة يطلب منه أن يكون كذلك…نريد الجيش اللبناني أن يكون حاضراً حيث يحضر العدو، فيدافع عن المواطنين العزّل، يدافع جنباً الى جنب معهم، ومن أجلهم ومن أجل الأرض التي هي أرضهم، وأمانة في عنق الجيش. كيف يدافع الجيش عن الجنوب؟

نتيجة بحث الصور عن غسان تويني

كبير الصحافيين غسان تويني وابنه شهيد الصحافه والمواقف جبران تويني بحوار مشترك رحمهما الله

ويتابع: “إذ ما يمنع، مثلا، الجيش من تأليف فرقة كومندوس من المغاوير، فرقة فدائيين من أجل لبنان، تكون جاهزة باستمرار للانتقال فوراً بل في لحظات الى حيث “يغطُّ” الكومندوس الإسرائيلي ليمعن في انتهاك حرماتنا ودوس مقدساتنا وتخريب بيوتنا وخطف مواطنينا وقتلهم“.

وأخيراً، لا بدّ من الإشادة والتذكير بهذه الحروف التي خطّها صحافي وسياسي وشريك لسيد المقاومة الامام موسى الصدر، حروف مضيئة كتبتْ ماضياً لتشكّل خرطة طريق إلى وطن قوى…فهل وصلنا أخيراً لنكرس خطيطة مصغّرة لخطّة كبيرة ننتظرها أن تنضج منذ ذلك الحين حتى اليوم ليصير في لبنان المعادلة المحققة ” دولة وجيش ومقاومة شعب”، ليبقى لنا وطن ولتبقى الخطيطة ضمانة سيادتنا الوطنية وعنوان كرامتنا، ونبقى أحراراً في وطننا لبنان ونضمن إعادة التعمير، على نمط جيوش الدول الصغيرة والنامية المماثلة أوضاعها وأحجامها لما عندنا، فضلا عن رسالة الدفاع عن الوطن حدوداً وشعباً وكرامةً واستقلالا.

[1] النهار 4 كانون الثاني 1976.

[2] النهار 7 حزيران 1976

[3] صحيفة النهار 28 آب 1976.

[4] صحيفة النهار 6 كانون الثاني 1975

 

خاصّ – إلا –

You may also like