Home إلّا هذيان الدراما العربيّة

هذيان الدراما العربيّة

by رئيس التحرير

زينه منصور / كاتبة وإعلامية لبنانية – بيروت

تعاني الدراما المعاصرة من عوارض الفصام الهذياني بين مضمونها وصورتها. إذ أن ثقافة مسلسلاتنا العربية مازالت تعيش موروثات أربعينات وخمسينات القرن الماضي وفي بعضها الآخر موروثات القرون الوسطى أو القرن السابع عشر. من هنا، فإنّ المرئيات الدرامية تشبه الزمن المعاصر بينما الذهنية الدرامية نصّاً وفكراً من زمان بائد.

إنّ سرعة تطور الصورة الدرامية يترافق مع بطءٍ شديدٍ وثقيل الوطأة على نفوس مشاهديها، في عدم تطور نصوصها ومخرجاتها الفكرية والثقافية والاجتماعية، وكأنه من المتعمّد إغراق المجتمع في فِصام وهذيان ثقافة زمانٍ بائد تجاوزتها المجتمعات.

نتيجة بحث الصور عن دراما لبنانية حقب الأربعينيات والخمسينيات

إن ذهنية الدراما العربية التي تدور أحداثها في أحدث البيوت والمكاتب والمطاعم لم تنتقل بعد من القرن السابع عشر إلى القرن الحادي والعشرين لا لغةً ولا مضموناً ولا صياغةً للعلاقات الفردية أو الجماعية داخلها، فما زلنا لغاية اليوم نتابع سيناريوهات بمضامين متخلّفة لم تنتقل إلى لغة عصر “ما بعد الحداثة” إلا شكلاً وصورة .

نتيجة بحث الصور عن أدهم بيك

يوسف الخال في “أدهم بيك ” رمضان 2017

إن مصالحة الدراما العربية مع مرحلة ما بعد الحداثة الفنيّة لا يكون عبر المُخرجات الاستاتيكية حصراً كالصورة والديكور والبيوت الجميلة إنما مع النص والفكر والذهنية “ما بعد حداثوية”، ان الخروج من حالة الفِصام بين النص والصورة والهذيان المستمر منذ سنوات على الشاشات اللبنانية والسورية والخليجية والمصرية له مفتاح واحد هو المضمون والامثولة لزرع نماذج جديدة فنية وأخلاقية واجتماعية متطورة غير التي اشمأزّ منها المشاهد.

نتيجة بحث الصور عن باب الحارة 9

كنده حنّا في باب الحارة مكياج وشعر لشخصية معاصرة بزي ومنطق القرن الماضي 

إذ لم تتطور ذهنية الدراما العربية بشكل يواكب تطور شكل نجومها. تعيش الدراما بفروعها اللبنانية والسورية والخليجية والمصرية أزمة تطوير مضامينها ونصوصها ومخرجاتها الفكرية والاجتماعية والعاطفية، وهي أزمة باتت تشكّل خطراً على المجتمعات العربية في حال عدم تقويمها فنيا وانتاجيا، فتجد نجماً أو نجمة أجرى أحدث عمليات التجميل والعناية بشكله ويتكلّم لغة مجتمع متخلّف اجتماعياً وفكرياً من بقايا ثقافة القرن الرابع عشر بأسنان بيضاء وأنف روماني، وحواجب مهذبّة وملابس إيطالية بعد سلسلة من عمليات التجميل، وذقن مخططة أو مصبوغة أو يغزوها الشيب تعكس أنه في مرحلة نضج مختلفة في شخصيته الواقعية.

نتيجة بحث الصور عن باب الحارة 9

خروج التفاصيل عن الذاكرة بازدواجية تقديم ملامح معاصرة لشخصيات من القرن الماضي

المساحة الدرامية العربية خسرت الكثير بعدم مواكبة فكر ومجتمعات “ما بعد الحداثة”, وكأن هناك قرار بإغراق المجتمعات العربية في تخلّفها وعدم السماح بمشاهدة العرب إلا التخلّف والعنف والرجعية على الشاشات العربية. كما خسرت الدراما العربية وتقهقرت بالتنميط الدرامي والإقفال عليها، وعلى ممثليها وكتّابها في ذهنية متخلفة وصندوق شاشات العرض، وشركات الانتاج حتى نفر المشاهد من نزعتها الرجعية ومعالجاتها غير المتزنة للقضايا الشائكة، وغرقها في مرحلة “ما قبل الحداثة” فكريا واجتماعيا وعاطفيا.

نشهد الكثير من المعالجات الدرامية السطحية أو المنحرفة دون محاولة خلق مساحة تفكير مختلفة في سيكولوجيا كل مشاهد، هي دراما تنقل الواقع بسوئه، ولا تحاول صناعة تيارات فكرية درامية “ما بعد حداثوية” جديدة، توقف قطار انحدارها في قاذورات الواقع السياسي-الاجتماعي الغارق في الرجعية والتطرّف والعنف والتخلف.

إنها شيزوفرانيا دراميّة متنافرة بين النصّ والصورة يجب أن نتنهي لإنهاء مرحلة الهذيان الاجتماعي، والثقافي العربي، ليكون ثمّة بداية مرحلة درامية جديدة بفكر جديد.

 

خاصّ – إلّا –

You may also like

1 comment

مروان نجّار 21/06/2017 - 9:16 صباحًا

رؤية رصينة بندر أن نقرأ مثلها في هذا المجال

Comments are closed.