Home إلّا امتلك المعرفة … تمتلك القوة

امتلك المعرفة … تمتلك القوة

by رئيس التحرير

نسيب شمس / باحث وكاتب لبناني – بيروت

 

الانسان هذا المخلوق الذي خلقه الله في أجمل تقويم، ومنحه العقل. لطالما اهتم الانسان بالمعرفة إذ أنه أدرك أهميتها لاستمراره بالحياة، لكن من المؤكد أن المعرفة لم تكن ففي بدايات نشوئها على صورتها الحالية لا من حيث التنوع ولا من حيث المستوى.

إن طبيعة المعرفة هي طبيعة تراكمية، وقد تطورت على مرّ العصور، تطورت مع تطور مدارك الإنسان وتعاظم مستويات تعلمه، وتطور حاجاته التي أدت إلى إدراكه أهمية المعرفة في تسهيل إشباع حاجاته وتحقيق رغباته.

لطالما اعتاد الإنسان في البداية على الأسطورة في تفسير الظواهر التي تظهر له إذ أنه لم يكن يمتلك في البدايات أدوات كافية لبرهنة وفهم الأمور بشكل منطقي، فكان اعتماده على تخيلاته وتصوراته للحكم والتحقق لما يظهر أمامه، لذلك كانت هذه المعرفة معرفة بدائية خيالية تفسر الأمور من خلال أسطورة ما بعيدة، وقد تكون بعيدة عن المنطق.

ومع تطور مدارك الإنسان ومعيشته وأدواته، وامتلاك أدوات البرهنة انتقلت معرفته إلى مستويات أكثر دقة وسعة. فأصبح للمعرفة مدارس مختلفة تعكس تميّز مدارك الإنسان وسعة أفقه في عمليات التحقّق والتفكّر في عظمة خالق الكون، أضف إلى ما يحيط هذا الإنسان من الظواهر الطبيعية.

في الماضي، كانت المعرفة عبارة عن خبرات متوارثة ومُقترنة في جانب كبير منها بالإلهام، ولم يصلنا عبر التاريخ شيء عن إخضاع المعرفة للتجربة والبرهان، حيث لم يسجل التاريخ الأول للحضارات القديمة أي محاولات لتأطير المعرفة المتراكمة وأن يكون لديها نظريات علمية، وكان البناء المعرفي أو التراكم المعرفي يعتمد على القصص والأساطير، بما يمكن تسميته بـ “المعرفة الأسطورية”.

ومع البابليين اقترنت هذه المعرفة الأسطورية بالكهانة والسحر والطب والعرافة والفلسفة. فأصبحت على أيدي أهل بابل ما عُرّف بـ “المعرفة الفلسفية”.

بدأ استخدام المعرفة الفلسفية في بعض العمليات أو الاستخدامات العلمية، لكنها لم تحظ بالتحليل العقلي، كما أنها لم تؤطّر بشكل نظري إلا عن الحضارة اليونانية التي صاغت ما عُرف بالمعرفة النظرية التي تميزت بالقدرات التحليلية، كما أن اليونانيين تمكنوا من التدوين كل احتمالات ونظريات المعرفة.

ولعلّ أكثر ما ميّز اليونان أنهم قاموا بتدوين المعرفة بنظريات يمكن خزنها واسترجاعها. وسمى اليونان ما كان يسمّى “فلسفة” في الحضارات القديمة “معرفة ” أو “حباً للحكمة “، وبذلك انتقلت المعرفة لدى أهل اليونان من المعرفة الفلسفية إلى المعرفة النظرية.

أما العرب والمسلمين فقد نجحوا في نقل معرفة الحضارات الأخرى، وقاموا بمحاولات جادّة لإخضاعها للتجربة والبرهان، حيث لم يقتصر عمل العرب المسلمين على الترجمة والنسخ، بل أسهموا مساهمات جادّة في توليد المعرفة الجديدة عندما وصلوا إلى فهم أن العلم هو معرفة نظرية تستهدف أغراضاً علمية تطبيقية.

لذلك كان تأثير العرب المسلمين واضحاً في المعرفة النظرية، كما أن تاريخ الأندلس وبغداد يدل على إسهامات العرب والمسلمين في نقل معارفهم إلى خارج مناطقهم باتّجاه الشعوب المجاورة بكل شفافية وعطاء.

لقد وصلت هذه العلوم والمعارف إلى أوروبا التي كانت قد بدأت الخروج من عصر الظلمات نحو عصر الأنوار وتالياً عصر النهضة، حيث انتقل مركز الريادة في توليد المعرفة إلى هناك، وظهر على يد الأوروبيين فيما بعد ما يُعرف بـ “المعرفة العلمية”.

وبدأت رحلة المعرفة التي جرى تناولها وفقاً لمبادئ مدارس فكرية إدارية وتنظيمية ومن منطلقات نظرية متعدّدة بتعدّد روّاد هذه النظريات.

وإذا نختم، على التأكيد على استمرار تطور المعرفة ومفاهيمها وتطبيقاتها. لذلك لا بد من امتلاك زمام المعرفة لما يشكّله من أداة قوية في التحكم والسيطرة على المنظمات والمؤسسات، وأيضاً الأفراد عشية بزوغ فجر الألفية الثالثة، لأنه ببساطة بل وبكل بساطة ” من “أمتلك المعرفة…إمتلك القوة”.

 

خاصّ – إلّا –

 

 

You may also like