Home أقلام إلّا كلام متسرّع

بلال شرارة / شاعر وكاتب لبناني – مستشار رئيس مجلس النواب – بيروت

في المقهى ماذا كان الانتحاري سيقتل ؟..

هو يعرف أو لا يعرف أننا نحن رواد المقاهي لا نُشارك في إنتاج حيلة الدولة والمجتمع ٠٠

لا نشارك في إنتاج كل أنواع السلطات العربية و معارضاتها الرسمية التي شرّدتنا، و ربما تركت لنا في بلداننا العربية المقهى لا أكثر..

والمقاهي رئة المثقف اعتباراً من الكوستا في بيروت، إلى الهافانا في دمشق، إلى الفيشاوي في القاهره، إلى الزهاوي في بغداد، إلى مقاهي الفرنكو آرب في الجزائر ٠٠ وكلها مقاهي اللغة الثالثة التي نتشاركها بغبطة أحياناً وبغصّة غالباً لما تؤول إليه أوضاع المدن وأحوال المجتمعات٠٠

نتيجة بحث الصور عن مقهى الكوستا بيروت الحمرا

مقهى الكوستا – بيروت الحمرا – لحظة إلقاء القبض على الانتحاري – مساء / 21/ 1 /2017

وهكذا شاء لنا القتلة أن لا نجتمع إلى المقهى، ليس ذلك مهمّاً ٠٠

ففي أي مكان آخر سوف نقف على أعلى قصيدة عاموديه، أو نتمدّد على أيّة ( صوفه، مد ) لأيّة قصيده أفقيه ٠٠ سوف نحلّ كلمات متقاطعة في مكان آمن ٠٠ نناقش مؤتمر الأستانه على الهاتف على الرغم من أنه لم توجّه لنا الدعوة للمشاركة٠٠

سنجد مكانا آمناً لنوشوّش بعضنا باللغة الفائضة عن الاستعمال ٠٠ الانتحاري كان سيفجر نفسه فينا في الكوستا هذا المساء !

إنه باختصار شديد غبي، و يجب أن يلقى عليه القبض لأننا لسنا هدفاً ( محرز ) ٠٠ لو أنه فكر بالانفجار في وجه ديموقراطيتنا ٠٠ في حديقة حريتنا ٠٠ على منبر قصيدتنا اليابسة ٠٠ لو أنه ٠٠ فكّر في كل شيء كهدف ممكن إلا نحن لأننا هدف مستحيل، لأننا ميّتون أصلاً !

فكيف سيصيب منا مقتلا ً٠٠!

كيف سيشهد على موتِنا بنِثار شظايا جسده ٠٠!

الانتحاري كان ينوي أن ينفجر عند زاوية الكوستا،تلك الزاوية ذاكرتنا، أو لنقل ما تبقّى منها، حيث كان يقوم فيها ( الهورس شو ) تماماً وكان ملتقى لكل مثقف لبناني أو وافد إلى لبنان، كنّا سنسمع دويّ حقده إلى ( اللامب هاوس ) هذا المساء٠٠

لا بأس كان سيطيح بقلقنا على الأقلّ و ينتهي الأمر٠٠

طيب إلى أين ستذهبون الليله..؟ ليلة ما بعد الصدمة..!

الانتحاري لا يعرف أننا نعيش واقع الإفلاس الكامل٠٠ نعيش الإحباط التامّ، وأننا لا نفعل شيئاً سوى أننا نبذر أسئلة خائبة لا غير ٠٠ و أنه لو أنفجر بنا، سينقذنا من يأسنا، لكننا سنشفق على شبابه ٠٠ فقد شبعنا من أعمارنا ٠٠ من فشلنا ٠٠ من رتابة أيامنا، من خواء شعاراتنا، فنحن لم نحقق التحرير و لم نتلمّس طريق العودة ٠٠

وسقطنا تحت أنقاض انهيار الوحدة العربية، وتحت ركام الحرية وغرقنا في أنهار دمها المُراق عند مفارق تطلعاتنا وآمالنا، أمّا الاشتراكية فلم تتحقّق إلّا لمزيد من السطو على أحلامنا وأيامنا وأنفاسنا  وأرواحنا وحتى قصائدنا٠٠

نحن نتعايش ببراءة السذّج، لم نتشبّع أساساً بثقافة التعايش، ولم ندخل المدرسة لنطالع أيّ مقرّر عن الديموقراطية، نحن نكرّر موتنا منذ أن صرنا شهوداً على التفكّك، صار الحب مسوّدة لمخطوطة قديمة.

الانتحاري الفاشل لم يصل إلى لحظتنا القادمة ٠

أنا لم أكن في المكان أو الزمان، كنت سأكتب عن الضحايا ٠٠ فأنا أحترف الكتابة عن الموتى ٠٠ عن القتلى ٠٠ عن الشهداء ٠٠

ولكن لا أعرف كيف أكتب عنكم أيّها القتلة، فهل أنتم مجرّد ضحايا أحياء، أم أموات منبوذين من الموت، خرجتم بحثاً عن صحبةٍ تروق لكم، تُعزّون بها موتكم، وتواسيكم؟..

خاصّ – إلّا –

You may also like