Home أقلام إلّا نحن واحتمالات المشهد الامريكي

نحن واحتمالات المشهد الامريكي

by رئيس التحرير
حسن الألفي 5

محمد حسن الألفي – كاتب وباحث وروائي مصري – القاهرة

صعود التطرف هناك وخسوف التطرف هنا ! تابع المصريون ، بصفة خاصة، والعالم بصفة عامة، فصول عملية التصويت على اختيار الرئيس الأمريكي الجديد، بالترقيم ٤٥!

نمنا وفينا شبه يقين ، وقرف مؤكد ، بأن أوباما سيواصل حكم الولايات المتحدة في صورة امرأة ، هي العقل المؤثر في كل خطط زعزعة الاستقرار ، وبث الفتن في الشرق الأوسط . صحونا لنرى صاحب الشعر البرتقالي واللسان الفالت ، المرشح الجمهورى دونالد ترامب ، يتصدر المشهد ، تتصل به المرشحة الخاسرة هيلاري كلينتون ، وتعترف بالهزيمة ، وتهنئه علي فوزه بالبيت الأبيض . رد عليها التحية في كلمة المنتصر التى خرج بها علي شعبه وعلي العالم ، ووصفها بالوزيرة التى قادت حملة دؤوبة قوية . أنفق المرشحان علي حملتيهما ٢ مليار و١٠٠ مليون دولار . حقق المرشح الجمهوري دونالد ترامب الفوز كاسحا صادما ، وحقق حتى كتاة هذه السطور ٢٧٦ من أصوات المجمع الانتخابي . ويلفت النظر في الفوز الداهم المباغت للمرشح الجمهوري البلدوزر ما يلي : ١- أن الشعب الأمريكي لا يريد أن يواصل الديمقراطيون حكم البلاد لثمانية سنوات أخرى ، من الضعف والتهافت الدولي والاقتصادي ،لان سنوات أوباما هي عقود موثقة على تراجع المكانة الدولية لواشنطن اقتصاديا وعسكريا ، في مواجهة روسيا والصين ، وقوي بازغة أخرة كالهند والبرازيل ، تتقدم حثيثا وبثبات . ٢- أن المجتمع الأمريكي الذي تسامح قبل ٨ سنوات واختار مواطنا له اب مسلم من جذور سوداء ، فتنهم ببلاغته الخطابية ، ليس مستعدا بالقدرالكافي ولا راغبا بالظرف الملتف حوله ، في اختيار أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة رئيسة في البيت الأبيض ٣- أن دونالد ترامب الذي لم يكن واثقا حتى في نجاحه ، وكان يتلفت نحو معاونيه في الحملة يسألهم إن كان يبلي بلاء حسنا وسيفوز ، انتصر علي جيش من اجهزة الاعلام ، كان ٩٥ في المائة منه يعمل ضده سافرا ،مؤيدا للديمقراطيين ، بل ان أجهزة في الدولة الفيدرالية مثل ال FBI انحازت قبيل دوران عجلة التصويت بساعت ليعلن رئيسها أن مراجعة الايميل الخاص بالمرشحة هيلاري ليس فيه جديد جنائي يستوجب مساءلتها . وستدهشون حين تعرفون ان الرسائل المطلوب مراجعتها أمنيا عددها ٦٠٠ الف رسالة ، راجعتها المباحث الفيدرالية في ست ساعات ؟! ٤- لم ينتصر ترامب فقط علي أجهزة الدولة وعلي انحياز اوباما ، العلنى وعلي وسائل الاعلام ، بل هزم حزبه الجمهوري ذاته الذي عامله بازدراء ، وتخلى عنه ، وخجل من تصريحاته العنصرية ! ٥- في سياق كل ما سبق لابد من السؤال : فكيف فاز الرجل إذن؟! من المفيد لتفسير ذلك أن نعلم قاعدة أساسية في السلوك الانتخابي للناس في أوقات الريبة ، والمفاضلة بين شيطان صغير وشيطان كبير . إذ يعمد كثير من الناس ، وبخاصة المذبذبين ، الي كتمان آرائهم الحقيقية ، ولا يبوحون بها الإ للورقة الانتخابية. كانوا خجولين وخائفين من اتهامهم بالتصويت لصالح رجل عنصري طائفي جامح جانح ، غنى ، ذئب نساء، وبالتالي فانهم سيكونون مثله ويتبنون سياساته في طرد المهاجرين غير الشرعيين وعددهم ٨ ملايين ! هذا من ناحية ، فماذا عن خطاب المنتصر الذي ألقاه؟ يمكن رصد الملاحظات التالية : ١- استخدم دونالد ترامب كلمة استثنائية مرات ومرات ، حتى بدت انها تعكس شعوره الاستثنائي بأنه في لحظة من التاريخ خارج سياق توقعاته . ٢- صنف حملته الانتخابية بأنها حركة ، قوية وممتدة ، وكرر لفظة حركة عدة مرات ، فيما يبدو أنه يشعر بقوة مؤسسية نابعة من نجاح هذه الحركة ذات المهارات الاستثنائية في الوصول به الي أعلي جبل التمنيات ، وهو بتكريس نجاح هذه القوة المؤسسية ينذر مؤسسات الدولة بأنه مستند الي ظهير سياسي شعبوي حركي خارج اطار الحزب الجمهوري الذي رشحه علي مضض ثم تبرأ منه ،ففاجأه بعودة مظفرة ! ٢- بدا دونالد ترامب غير دونالد ترامب . بدا هادئا ، واثقا ، متزنا ، مخارج الألفاظ غير متدافعة ، مرتاح البشرة رغم السهر والقلق . اللون البرتقالي لشعره أقل نحاسية ، جاء بأسرته كاملة ، وزوجته ارتدت فستانا ابيض عاري الكتف كأميرات الامبراطورية الرومانية ،واصطفوا علي يساره جميعا، يذكرهم ويشكرهم، ويذكر ويشكر نجوم حركته وحملته ، والحق أن الذكر والشكر كان حميميا وحماسيا وفيه قوة الفرحة التى عمل علي كبح مظاهرها . احساس من بلغ لتوه سدة السلطة . ٣- الاتزان والهدوء لم يعصفا بمحتوى كلمته الاستهلالية في حكم العالم، ابرز ما فيها بالنسبة للعالم انه جاء ليصنع السلام لا ليصنع الأزمات ، في اشارة الى ارث أسود لأوباما في زعزعة استقرار العالم ، وبخاصة الشرق الأوسط ، كانت هيلاري ستواصله. وأرسل اشارات مطمئنة لأوربا التى يعتريها القلق . من ناحية ثالثة ، ما تأثير فوز دونالد ترامب علي الدنيا ، وعلينا ، وهو الأهم ؟ ترامب لا يمثل اليمين الصهيوني المحافظ الانجيلي الذي جسده الارهابي جورج بوش ورامسفيلد بغزوالعراق وتدميره . ترامب يمثل أيقونة كل اليمين الشعبوي القومي ،العنصري المتطرف في اوروبا وامريكا ذاتها ، وهو رغم تأكيده أنه بحاجة لعون الأعداد القليلة التى لم تمنحه صوتها ، الإ أنه مؤمن بمبدأ أمريكا البيضاء للبيض ! وقد نقول بغير تحسب أن فوز ترامب راية كاشفة سيمضي وراءها الناخبون في اوروبا وبخاصة اليمين المتطرف في فرنسا وغيرها . البريطانيون خرجوا من الاتحاد الاوربي مكتفين ببريطانيا ،وترامب يريد الاكتفاء بأمريكا ، قوية ، ومن أراد حماية منها وبها وجب عليه سداد الفواتير والتكاليف . بالنسبة للمنطقة الصاخبة فينا وحولنا ، فإن فوز ترامب هو خسارة محققة فادحة لإيران ، ولدول الخليج الشقيقة ولجماعة الاخوان الارهابية ، بينما هو فوز ساحق لاسرائيل ، ولبوتين . نحن في مصر كنا نميل الي الأحمق ، نراه خيرا من اللئيمة ، عدوة مصر . ها قد جاءكم الأحمق ، فهل مجيئه هو بداية النهاية للمشروع الاخواني الارهابي في المنطقة ؟ هل سيفي ترامب بوعوده بمناصرة مصر في حربها علي الارهاب ؟ هل سيعمل علي استقرار الشرق الأوسط ؟ هل سيلزم من يطلب حماية الجيش الأمريكي بدفع الأموال لاستمرار مظلة الحماية ، في اوروبا وفي الخليج ؟ هل سيلغي الاتفاق النووي مع ايران ، ويمد يد التعاون مع روسيا ، وما موقفه من بشار الأسد؟ ! المشهد علي مصراعيه ، وكل السحب بكل الألوان تتراكض نحو أفق من اربع سنوات علي الأقل ، الشئ الوحيد المؤكد فيها ، أن المشروع الاخواني تلقى ضربة قاصمة ، قد لا تقتله ، وربما تؤجله ، أو ترغمه علي بيات جليدي لسنين عدة . في كل الأحوال . تبقى المفاجآت واردة ومتلازمة كمفاجأة فوز رجل فاجأه الفوز !

خاص – إلّا – بالتزامن مع – صوت الأمّة وحديث السبت

You may also like