×

الصحافة اللبنانية خارج الوصاية وخارج النقابة ربّما

الصحافة اللبنانية خارج الوصاية وخارج النقابة ربّما

ghada-191x300 الصحافة اللبنانية خارج الوصاية وخارج النقابة ربّما    ثلاثة عقود وأكثر، مرّت على تاريخ نقابة الصحافة اللبنانية في عهدة المؤتمن عليها ” محمد البعلبكي ” الذي اجتهد في إرضاء جميع الأطراف بلباقة متواصلة ودماثة مشهودة وكان لي شرف “التحاضر ” معه في أكثر من مناسبة، والصحافة اللبنانية يعترف الجميع أنّها لطالما كانت خارج الوصاية وخارج النقابة ربّما.. فللصحافة اللبنانية حضورها وتميزها ومواقفها ورجالاتها وأخاديدها التي حفرت عميقاً في صميم المجتمع اللبناني والعربي ولا أغالي، حتى استحّقت بجدارة لقب السلطة الرابعة بل استطاعت أن تكون في الاعتبار الأقرب لدفّة القرار فهي القادرة على إجماع للرأي العام أحياناً، تماماً كما هي تمتلك زمام..تفريقه معظم الأحايين.

    والصحافة اللبنانية جَلَسَتْ مؤخراً على متن مأدبتها العامرة بالتغيير في صالون النقابة وقادت الحملة بكثير من الهدوء والاحترام والديموقراطية أو هكذا رسموا المشهد الذي وصل إلينا بإتقان وتدبير، وجاء على خلاف أفكار التغيير التي عَصَفَتْ بكامل أوصالنا ومفاصل أوطاننا وأتَتْ على أرجاء البيت العربي وضعضعتْ أركانه لدرجةِ الانهيار، إذ حقّقتْ التركيبة المُستجدّة لِلُبنان ظاهريّاً فيما أخفق بميادين موازية أخرى إن كان على صعيد انتخاب رئيس الجمهورية، أو على صعيد تجديد مجلس النوّاب، أو على صعيد البتْ في توثيق قرارات مُستحقّة ومُستعجلة كقانون الإيجارالذي يظلم المالك وينصف المُستأجر القديم، وإقرار حقّ المرأة بمنح التجنيس للزوج والأولاد، أو تشريع الزواج المدني أو إقرار سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين أو حتى تثبيت العاملين في شركة الكهرباء وغيرها الكثير الكثير من الأمور العالقة في حلق الحكومة ومؤسساتها، وبذلك كانت نقابة الصحافة استثناء لهذا الركود العام،     واستطاعت أن تحقق معادلتها الصعبة في زمن قياسي دون تردد أو بلبلة تذكر..

    وتوافد الكثير الكثير ممّن قدّم التهاني، وفي المقابل كان هناك الكثير ممّن قدّم علامات الاستفهام بصيغة الاعتراض المبطّنة بالسخط، وقلّة ممن وقفوا على الحياد وأنا منهم، فعلى الرغم من أرشيفي الحافل في الصحافة اللبنانية التي كرّست اسمي وبصمتي ومواقفي المخضّبة بالهمّ والأوجاع اللبنانية المزمنة ولابدّ من الإشارة هنا أنني أدين لكلّ المنابر التي كبرتُ فيها وكبرتُ معها كالنهار، والديار، واللواء، والسفير، والكفاح العربي، وغيرها الكثير من المجلات والمواقع.. لكنّ ذلك كلّه لا يشفع لي الانحياز لأيّ طرف.. فأنا خارج السرب بهويّة مختلفة لدرجة الخلاف عليها والتصدّي لها، وبِقَدْرِ ما يؤلمني القرار بحقّها، بِقَدْرِ ما أتفّهّم مبرّراتها الضاريّة في الأوساط اللبنانية المتذمّرة، ومع ذلك انتهزها فرصة لأطالب اللواء “ابراهيم عبّاس ” وبكل ما أوتيتُ من حبر يشهد على تاريخي اللبناني الطويل رغم “سوريّته ” التي آثرتُها إرضاءً لمبدأ، كنتُ أراه حين كان التجنيس متاحاً، أنّ من حقّ البلد المانح أن يحظ بخدمة المُجَنّس فيه بجدّية وجدوى لخمس سنوات على الأقل، كما هو الحال في معظم الدول والبلدان، ورفضتُ وقتها فكرة التجنيس لمجرد التجنيس رغم مرور سنتين في حينه على إقامتي خلاف كل المتجنسين العابرين للحدود فقط، وتشبّثتُ بقناعتي ودأبتُ على النزف المتواصل لأي همّ لبناني أو أيّة مواجع، وكانت النتيجة فوات الأوان، وضياع الفرصة حتى يومنا الراهن وقد مضى 23 سنة على استمراريتي إمعاناً في السراب، وهنا أطالب بما يُسمّى”الاستثناء” فهل يُعقل أن يستوي النازح واللاجىء.. والمُقيم، أمام القرار الأخير..!

    وربّما تسنى لي مناقشة هذا الأمر في مقام آخر، لكنّي الآن ألْزِمُ قلمي بالعودة إلى سياق المُنْطَلَق لهذه السردية المقتضبة جداً والتي آمل من خلالها إتاحة الفرصة لمجلس نقابة الصحافة أن يحفر بصماته على لائحة الشرف في خضمّ التاريخ المتأصّل لعاصمة الصحافة والثقافة والسياسة والنزاعات، بعيدا عن التهكم الإعلامي، وحسبه بمن فيه من الأسماء التي أتوسم فيها الخير للحرف العربي وأبجدياته المُربكة.. فمن غسان الحجار إلى رفيق خوري إلى بسام عفيفي إلى مالك مروّة إلى جورج صولاج وغيرهم..،

    ولا يمنع أن أسجّل تحفّظي هنا على إثر غياب “شارل أيوب ” عن المجلس وهو فارس من فرسان الصحافة اللبنانية، صاحب الرأي والموقف والحضور، حيث يتفق معه الكثير من متتبعيه، ويختلف الأكثر على ما أعتقد وبموجب هذا التضاد يحضر دائما مهما حاولوا أن يتخطوه، وأيضاً غياب “طلال سلمان ” الذي جعل من “السفير ” ركنا متيناً من أركان الصحافة اللبنانية الذي تستفرد فيه “الأمزجة ” الثقافية وعصابياتها، لكنّ السفير هي السفير بالتأكيد، ولا شكّ أننا أفتقدنا أنا وغيري الصحافي الأكثر تحفظاً وهدوءاً “صلاح سلام “، صاحب جريدة اللواء وهي دعامة من دعامات حاضر الصحافة اللبنانية التي لا يمكن إغفالها أو تجاهلها كما الحال مع الديار والسفير..!
    ناهيك عن التغييب التام للصحف الألكترونية وكأنّها لم تُكَرّسْ بعد علماً أنّها تنافس المطبوع الورقي بشراسة خارقة، تكاد تصيبها بالإحباط التام.
ويبقى الحديث الذي لابدّ منه هو النقيب الحالي “عوني الكعكي” الذي اقترنت مسيرته الصحافية الطويلة مؤخراً على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي بأغلفة نادين “المُحْرِجَة “، واعْتُبِرَت مجالاً حيوياً للتندُّر والإدانة الأخلاقية، بعدما حوّل الصحافة عبر أغلفة مجلته “نادين ” المتراكمة من مهنة المتاعب إلى مرتع المتع البصرية الخليعة، وبعيداً عن أصداء العموم يستوقفني مليّاً تصريحه الأخير الصريح العلني الذي لم يخشَ فيه لومة لائم ولم يتنصّل به من علاقاته الوطيدة السابقة مع سورية بل أكّد بكثير من الثقة والعزم والحزم حبّه الكبير واحترامه الأكبر للراحل “حافظ الأسد “، وهذا التصريح يعتبر بحدّ ذاته جرأة كبيرة وكبيرة جداً في هذه المرحلة بالذات وفي خِضم الدعم “الحريري السعودي ” الباهظ، في الوقت الذي تنكّر فيه الجميع للأسدين ولسوريا ولتاريخها ولآثارها ولحضارتها ولشعبها بالكامل، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على نبل الكعكي ووفائه النادر، فلا شكّ أنّ نادين صورة يُمكن أن تبهت وتهترىء وتمزقها الأيام، بينما الموقف وثيقة تتداولها الدهور ومن يعلم ماذا يخبىء النقيب والنقابة والمُتنقبين الجُدد؟..!.

http://www.alkalimaonline.com/article.php?id=331378

Share this content:

You May Have Missed