play youtube
xnxx
xhamster
xvideos
porn
hentai
porn
xxx
sex việt
henti
free brazzer
youpor
brazzer
xvideos
التشريع ليس من واجب الرسول (ص) وتشريع الفقهاء باطل، وكلنا كمسلمون نعلم أن للرسول (ص) صفتين الأولى عبد الله، والثانية رسول الله، ولا أعتقد أن عبارة (عبده ورسوله ) التي تخصّ الرسول محمد (ص) يختلف عليها اثنان . لقد اصطفى سبحانه وتعالى محمد بن عبد الله القريشي، من عِباده وكلّفه بالرسالة الأخيرة إلى البشرية وحدّد واجباته بخصوص هذه الرسالة بشكل واضح وصريح لا يقبل التأويل حيث خاطبه قائلا (( وماأرسلناك إلا مبشّراً ونذيراً )) الاسراء /105، يبدو واضحاً لكل من يعرف قراءة اللغة العربية أن الله قد أرسل الرسول (( وهنا منحه صفة رسول )) ثم كلفه بالتبشير وبالانذار حصراً ليس إلا ..
وعليه فمن الواضح جداً أن واجبات محمد (ص) كمرسل من عند الله تعالى تنحصر فقط بالتبشير والانذار وليس أي واجب آخر غير هذا، لقد أصبح أمامنا الآن واجبات رسول الله محمد (ص) محدّدة ومستثناة بـ (إلا) كرسول وغير مطلقة .. أما واجباته كواحد من عبيد الله فهي غير محدّدة وشأنه شأن بقية عبيد الله عرضة للمناقشة والمحاسبة وقد سبق أن قرأنا في القران الكريم ان الله يعاتب عبده محمد بن عبد الله القريشي بقوله :- (( يا أيّها النبي لم تحرّم ما أحلّ الله لك، تبتغي مرضاة أزواجك )) آية رقم 1 سورة التحريم، ومن الآية الكريمة أعلاه يتّضح بما لا يقبل الشكّ أن الله يعاتب الرسول على هفوةٍ ارتكبها فهو إذاً أي (( الرسول ))، عندما يتصرّف كواحد من عبيد الله يكون عرضة للخطأ والمعاتبة أو المحاسبة فهو إذاً ليس منزّهاً من الخطأ إلا في حالة إيصاله أوامر من الله تعالى إلى البشر لأنّ فيها كلام الله وواجب الرسول إيصالها فقط .
أما الآية الكريمة القائلة :- (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) الحشر /7 فبملاحظة بسيطة لهذه الآية الكريمة نجد أن الله يأمرنا أن نطيع (( الرسول )) حسب وصفه، أي المرسل من عنده تعالى إلينا بأوامر من عند الله ملزمة لنا أن ننفذها لأنها من عند الله وبواسطة الرسول وليست من أفكار الرسول البشرية.
وبهذا أعتقد أنه أصبح واضحاً لكل عربي أنّ للرسول طاعة مطلقة إذا كان يبلّغنا بكلام الله بصفته رسول من عند الله تعالى .. بينما هو عرضه للخطأ بصفته واحد من عبيد الله وقد بيّنا أعلاه أن سبحانه قد عاتبه لهفوةٍ ارتكبها كبشريٍّ غير معصوم .
وللتوضيح لابدّ من القول أن الرسول محمد (ص) معصوم فقط عندما يبلّغنا بكلام الله تعالى .. وأن واجباته كرسول تنحصر في التبشير والانذار فقط .. أما واجباته كقائد للمسلمين فهو ليس من حقّه التشريع نيابة عن الله سبحانه وأن إجراءاته عرضة للخطأ والمناقشة والاستيضاح .
وأخيرا وكما بيّنا استناداً إلى الآيات القرآنية أعلاه أن الرسول محمد ليس من حقّه التشريع إنما من حقّه إيصال الرسالة مبشّراً ونذيراً فقط ..
وعليه فإنني أعتبر أن جميع الأحاديث النبوية لا تُعتَمد كجزءٍ من الدين الإسلامي ما لم تطابقْ آيةً قرانيةً منزّلةً من عند الله تعالى .. ويأتي هنا دور بطلان تشريع الفقهاء .. فإن جميع تشريعاتهم باطلة ما لم تكن مستندةً إلى آيات قرآنية صريحة، فهم ليسوا أفضل من الرسول (ص) . تحيّتي ومحبّتي واحترامي لكل من يقرأ كتابي هذا مؤيّداً كان أو رافضا.
خاصّ – إلّا –
رأي الكاتب ليس بالضرورة أنه يمثل رأي مجلّة – إلّا – الألكترونية
بحلول رمضان، تجتاح الجموع موجاتٌ محمودةٌ من الايمان و التقوى و الاستغفار، و ذلك لشهر زمانٍ يعود بعدها كلٌّ إلى قاعدته سالماً و غانماً زيادةً في وزنه تقارب العشرة كيلوغرامات مينيمول.. ِنتاج زهده و اِحساسه مع الفقير، و ذلك بالاتيان على كل ما تطاله يداه و رجلاه من مأكولاتٍ و مشروباتٍ و حلوياتٍ خفيفة نظيفة.. منذ لحظة الافطار حتى لحظة الامساك.. عرْضاً متواصلاً لتسع ساعات، على قرقعة المسلسلات الخاوية و قرقرة الأراكيل العامرة.
و يتجلّى الأمر في تحميل المؤمنات “الطارئات” على حساباتهن في شبكات التواصل “اللاجتماعي” آياتٍ قرآنية و أحاديثَ نبويةٍ و أدعيةٍ نورانية..، و هذا حسنٌ لولا أنه لا يكون مقروناً بصورهنّ مكشوفاتِ الكتفين و كاشفاتِ معظم النهدين، و بارماتِ الردفين المزنوقيْنِ، و مُكوّزات الشفتين اِغواءً، و وارباتِ العينين اِغراءً.. مما لا يتناسب البتّة مع مضمون تلك المختارات الدينية..!
و الحقيقة أننا نعشق الأنوثة (الحقّة)، و الجمال (الطبيعي)، و الاغراء (العفْوي)، و الإثارة (الكامنة)، و لا نشبع من تكحيل أعيننا بها كلما وجدنا الى ذلك سبيلا..
لكنّنا نرى أن هذا الأمر في رمضان يذهب بحسنةِ التفكّر والاستشعار، و الإفادة من المقتطفات المذكورة، حيث فيما نكون نحاول التركيز على مضامينها، يصيرُ، و دونما اِرادةٍ منّا طبعاً، أن تَشْكُلَ أعينُنا، و يزوغ نظرُنا، و يشْردُ بصرُنا (و بصيرتُنا)، صوب صُوَر صاحبات المقتطفات من الحسناوات “المشوّبات ” الحاسرات..
لنملأ الفراغاتِ الظاهرة و المُسْتترة بالتخيّلات الرجيمة.. و العياذ بالله.
و الحال.. أيّتها المؤمنات السكسيّات، رفقاً بنا، نحن الذين في حالنا، خلال هذا الشهر الفضيل.. فإمّا أن تضعْن صوراً لكنّ تتناسب مع ما تخترْنه من الاستشهادات البيّنات.. إذ أنه كلّه شهرٌ و من بعده لاحقاتٌ على الإغراء و الإغواء..
و اِماّ انسيْنَ الأمر و واظبنَ، فقط، على صوركن المُثيرة.. و خُذْن راحتكن.. و نحن معكنّ على طول الخط..
والله غفورٌ رحيم..
خاصّ – إلّا –
ليس من السهل الوقوف على كامل تجربة الباحث والكاتب السويدي العراقي الأصل عبد المحسن حمودي، بلقاء واحد مهما تعدّدت فيه الأسئلة ومهما تنوّعت وتوسّعت لنبش حيثيات هذه التجربة التي أرست معالمها ورسّخت لعمارة شاهقة من الثقافة اللافتة العريقة والتي يمتلكها السيد الباحث حمودي بتفرّد وتميّز مشهودين على الساحة الثقافية العربية والغربية على حدٍّ سواء لما يتمتّع به من جَلَدْ وجديّة في البحث والتقصّي، ولما يتميّز به من حسّ عالي بالمسؤولية حين يكتب ويؤلف مستنداً إلى الذاكرة والتاريخ والموروث والمرجعيات الموثّقة..
ويسرّ مجلّة – إلّا – الألكترونية أن تنفرد بنشر هذا الحوار الذي يتناول جوانب مختلفة من حياة السيد الباحث حمودي والتي تعدّدت فيها مصادر المعرفة وتنوّعت بين الشرق العربي والغرب الأوربي وقد جمعهما السيد حمودي بكلّ ما في الكلمة من إخلاص ووفاء لبلده الأمّ العراق، ولوطنه بالتجنيس السويد…..
أجرى الحوار: الصحفية العراقية – شدوان مهدي – بغداد/ ستوكهولم
سؤال: مدى تأثير مدينة النجف على شخصكم، وهل وجدتم في السويد وجه تشابه في موطن معين؟
الإجابة على هذا السؤال يستدعي أن نتوقف بلمحة مكثفة عن تاريخ النجف إذ أنّ نشوء الفكر الإنساني لدى المبدع في مختلف أجناس الإبداع يعود إلى البيئة الثقافية التي لعبت دورا في نمو قابليته وإعداده في المرحلة الزمنية التي نشأ فيها والحيّز المكاني الذي عاش فيه، فأنا ترعرعت في مدينة النجف حيث أسهم أجدادنا القدامى في تشيد الكوفة، وكان لهم حارة فيها، ومسجد باسمهم، وبعد اكتشاف قبر الإمام علي من قبل أبي جعفر المنصور ساهموا بحراسة القبر خشية من أن يعبث به الخوارج، ثم ما لبثوا أن شيدوا بيوتهم حول المرقد لحمايته، ولاستقبال الزوار من مختلف العالم الإسلامي، ودفن موتاهم قرب مرقد الإمام في وادي السلام حبّاً بالإمام وتبرّكاً بالأرض التي دفن فيها. هذا، وتعتبر الآن مقبرة وادي السلام أكبر مقبرة في العالم.
أخذت النجف زهوها وازدهارها العلمي والمعرفي عندما انتقل إليها السيد الطوسي، واستقرت حوزته الدينية فيها. حينئذ فتحت مدارس دينية فيها، وانتشرت المكتبات، وأخذ الجدال الشمولي حول المواضيع الغيبية والدنيوية ينتشر ويتوسع الذي راح يطلق عليه الاجتهاد، وفي نفس الوقت أزدهر الشعر وكان للشاعر مكانة خاصة في المجتمع النجفي، وكذلك توسعت الحوارات المعرفية الهادئة سواء كان ذلك في السراديب أم في المجالس، ولا أبالغ إن قلت: كان في كل بيت نجفي مكتبة. وإذا صدر كتاب فلسفة في أوربا يبدأ الحديث عنه في النجف، ولذلك كانت النجف الحاضرة العلمية والثقافية والتجدد في رؤية العالم في مجال الأدب والمنطق واللغة ومراجعة التاريخ برؤية نقدية متسامحة هادفة، وما يؤكد حديثي هذا هو الكم الهائل من “فطاحل ” الشعر العربي الذين برزوا من النجف، والقائمة معروفة، أما النثر فقد برز في وقت متأخر خاصّة القصة القصيرة التي يعتبر مؤسسها جعفر الخليلي في كتابه المعروف (هكذا عرفتهم).
هكذا نشأت في هذه الحاضرة النجفية التي لا يوجد فيها وسائل لهو للصبي، وإنما يوجد فيها الكتاب والحوار وإبراز القدرة في تناول مواضيع الأدب سواء كان ذلك شعراً أم نثراً أم التباري في النحو بإعراب الجمل المفيدة، وإن ارتباطنا تتلّمذ على بديع وفصاحة الكلام والبلاغة والبيان بحلاوة لغتنا العربية، وهي لغة القرآن الكريم التي وحّدت العرب، وأنشأت حضارة إسلامية موشّحة بنغمة الحكمة.
وهذه الأصالة المعرفية والبحث والتراث مفاهيم ترسخت في شخصيتي وتكويني، وقد حملتُ تراثها الغني الصادق الذي تبلور في مدينتي النجف حيث الصدق في التآلف مع الوجود الإنساني من منبع روافده أن تكافح الظلم، وأن تعيش حرا، وقد انعكس هذا في مجمل النصوص الأدبية التي كتبتها سواء في المضمون أو اللغة لأن جوهر تكوين شخصيتي هي عراقية كما كان يقول الجاحظ عن أهل العراق: ( أن أهل العراق أهل نظر وذوو فطن ثاقبة، ومع الفطن والنظر يكون التنقيب والبحث)، ولا يسعني هنا إلا أن أتغنى مثلما تغنى حنين:
أنا حنين ومنزلي النجف……وما نديمي إلا الفتى القصف
أما ما يخص إقامتي في السويد العادل المتضامن مع الشعوب الفقيرة، المتسامح، والعاشق للسلام الذي أعطاني الحرية في التعبير، وحيث وجدت فيه طمأنينة الذات خاصة في مدينتي الجميلة بحيرة البلوط Eksjö، الصغيرة الهادئة، المحاطة بالبحيرات والغابات الخضراء التي حين وصلتها لم يكن يتجاوز عدد سكانها عشرة ألاف نسمة أما اليوم فوصل عدد سكانها ستة عشرة ألف نسمة، أجل أعادت لي هذه المدينة تلك السمة في التأمل التي تميزت بها في مدينتي النجف حين كنت أغرق في تأمل القمر، ونجمة الصباح وأنا أنتشي من أنسام الصحراء، وهذا ما أشار إليه العلامة الشبيبي في بحث قصير، إذ يوضح فيه أن كثرة الشعراء في النجف يعود إلى طبيعة موقعها وكثرة المدارس العلمية فيها. نعم، اعتدتُ في هذه المدينة السويدية أن أغوص في التأمل الواقعي وليس الوهمي كما يقول عنه الباحثون.
فأنا أنشّط ذهني للاستغراق في التفكير سواء كنت جوالا في غابة أم متطلّعا قرب بحيرة، لأكتشف أشياء في عالمنا المعاصر، لأدرك حسيّاً الوضوح في الصراع داخل المجتمع أو ما يجري من تدمير للطبيعة، ثم ما علاقة البشر بكل ما يجري، وما هو مستقبل كوكبنا الأرضي الذي هو بيتنا نحن البشر ثم أخرج باستنتاج أنا الفرد الذات، الموجود الحاضر، الواعي لوجودي، إذ أننا نحن البشر ندمر بيتنا الكوني بوعي أو دون وعي. هذا ما وجدته في تأمل كوني أينما كنت، لأسخره كمنتج إبداعي في الكتابة. هنا في السويد أنت تصنع نفسك كما في كل مكان، بوسعك أن تجتهد لتكون عالما أو كاتبا أو باحثا في التاريخ أو أن تنحدر إلى ملذات الدنيا وشهواتها، وحدكَ أنتَ تختار طريقك، وأسلوب حياتك، وإذا كانت لكَ رسالة إنسانية أفصِحْ عنها دون تردّد، فأنتَ المسؤول عن نفسكِ، كأن تحلّق بها إلى العلى أو تنزل بها إلى وهدة الجحيم. كل شيء متعلق بالذات المدركة لألفة التعايش في صنع الذات. إذن هذا موطن التشابه والاختلاف في أي بلد تكون.
سؤال: ما علاقة دراستك الدينية في تخصصك العلمي؟
هنا لابد من الإشارة إلى الامتداد التاريخي لمفهوم الدراسة الدينية سيما ونحن نعرف أن عددا غير قليل من فلاسفةِ وشعراء القرن السابع والثامن بل ويمتد إلى قبل ذلك في أوربا كانوا قد درسوا في المدارس اللاهوتية خاصّة في ألمانيا ثم تركوها لأنها لم تستوعب طموحاتهم الشخصية في التأمّل الحياتي، وهذا ما دعاهم إلى اختيار الفلسفة أو الشعر، بل ومنهم من اختار الموسيقى، فتركوا مدارسهم، وأصبحوا شخصيات لها تأثير في الحضارة البشرية. هذا من جهة ومن جهة أخرى أن عوامل عديدة أخرى لعبت دورا كي يحظَ بعضهم باهتمام بالغ بفكره في العصر الذي عاش فيه، بل اكتشفت كفاءته الفكرية وإبداعه بعد سنوات طويلة من موته، وصار أسمه لامعا في التاريخ أما ما يخصّ دراستي في كلية الفقه، فكانت تلك رغبتي لأنني كنت من عشاق اللغة ومغرما في النحو، فلم تفارقني ألفية بن مالك، ولم تفارقني كتب البلاغة والمنطق، ولا كتب التفسير والإعجاز، وقد تآلفتُ روحيّاً مع النَصّ التخاطبي لذلك كنت وما أزال أترنّم بجمالية اللغة التي أنسج بها النص، ولهذا حَدَثٌ أتذكّره الآن إذ بعد إصداري رواية “حكاية من النجف ” تلقيتُ العديد من الرسائل تدعوني إلى التبسيط في اللغة، وفي ذات السياق التقيت بزميل روائي، وقد أشار لي بأنه لاقى صعوبة في فهمها بينما آخر كان يقول لي: أنه كان يحس كما لو يقرأ ( …. ). هذا حدث بفعل تأثير دراستي في كلية الفقه لكن للأسف لم تحظَ هذه الرواية بدراسةٍ نقديّة حصيفة من قبل أساتذة اللغة، ولربما لم يسمعوا بها في حين خُصّص لها في السويد دكتورة عربية في الأدب أجرت دراسة عنها، ونشرت مقتطفات عنها في المجلّة الدورية للمكتبة الملكيّة السويدية.
لا شكّ أن كلية الفقه قد فتحت أمامي أبوابا جديدة ليس فقط في إمكانية التأمل لما وراء الطبيعة الذي نقول عنه الغيبي، بل أتاحت بتعمّق الخيال والجدال حول الموروث الديني وفهم القدسية والمقدس روحياً ـ جمالياً لأن هذا يعزّز الإيمان بالقول ـ أن الله جميل ويحبّ الجمال ـ لذلك لا تخلو علاقة الروحاني بتأمّل الطبيعة، فالجيولوجيا التي درستها قد أصّلت بي الترابط ما بين تجلّي الجميل روحانيا وماديا، وللأسف لم ينتبه البعض إلى أن الروحاني هو بحدّ ذاته تجادلي مع الكينونة البشرية التي تبتغي التآلف في الحياة المعاشة، وهنا أسرد قصة طريفة واقعية، إذ كنا في القرم نرسم خريطة جيولوجيّة وأماكن تواجد الحديد، وقد استغرق ذلك منا عدة أشهر، وعندما أكملنا الرسم قمنا بجولة في الجبل، وإذا بنا نرى زهور برية حمراء منتشرة على الأرض تشبه الخريطة التي رسمناها، فوقفنا مبهورين ننظر إليها باندهاش شديد، فابتسم أستاذنا وقال: “هذه الزهور لها علاقة بالحديد “، وحتى الآن لم أحصل على تفسير علمي لهذه الظاهرة، فالطبيعة تحوي على أشياء مذهلة تغوص في الجمال لكن الإنسان يعمل على تدميرها بدخان المصانع وبأسلحة فتاكة وبالحروب، وهو يلوّث البيئة ويدمّر الغابات، وغابات الأمازون شاهد كبير على ذلك، وكذلك تغير المناخ. كل ذلك حدث بفعل جشع الإنسان من أجل الركض وراء الأرباح المادية.
سؤال: ما علاقة الثقافة بالمزاج الإبداعي الفردي؟
أنا شخصيا لم أملك ثقافة عراقية لا غير، بل كان لي الحظّ بالعرف على عدّة ثقافات إنسانية، فقد عشتُ في روسيا وأوكرانيا، والناس فيها يملكون الثقافة السلافية، فهم ليسوا أوربيين، وليسوا شرقيين، هم لهم ثقافة خاصة تختلف كليّاً عن أوربا الغربية خاصّة وإن الروس هم أصحاب مجدٍ عظيم رواده في الأدب مثل تولستوي، وتورغينيف، ودستوفسكي ،وبوشكين، وليرمانتوف…إلخ، فهؤلاء هم من أرسى الأدب الكلاسيكي خاصة في الرواية التي درستها بعمق، وتقريبا قرأتُ أغلب كتبهم، وفي نفس الوقت امتزجت ثقافتي بالثقافة السويدية بحكم الفترة الطويلة التي عشتها في السويد، وتأثّرتُ بثقافتها التي تدعو إلى التسامح والسلام والتضامن والتواضع وبساطة العيش، والتي تنادي بالتآخي بين الشعوب المظلومة. وهذا أصبح إرثاً ثقافيّاً متداولاً ومتوارثاً بين الأجيال بالرغم من حداثة الحضارة السويدية. وأنا اعتبرها حضارة إنسانية لما تتمتّع به من علاقات وطيدة بحقوق إنسان الدون تميز، فالقانون يسري على الملك، ويسري أيضا على رئيس الوزراء، وعلى كل مواطن دون تميز، إذ قبل شهرين “قُدّمَتْ رئيسة الوزراء السابقة مونا سلين ” إلى محكمة علنية أمام الشعب لأنها خصّصت راتبا شهرياَ لأحد مرافقيها بطريقة غير قانونية، فأقرّتْ أنها مذنبة، واعتذرت، وتحمّلت عقوبة الغرامة، أليست هذه ثقافة عالية وراقية وأخلاقية ونزيهة جداً، وفي نفس الوقت تدخل ضمن مفهوم الحضارة.
نعم، عشت بين ثقافات متعددة، وكان لي فيها محطات حياتية متنوّعة، وفي نهاية المطاف وجدتُ أن الغرب والشرق يلتقيان في أمور عديدة ألا وهو الأدب، فأنا مع مفهوم تلاقي الثقافات، وضدّ مفهوم تصادم الحضارات الذي يُراد منه تحقيق مشاريع سياسية ضد الشعوب، فلذلك كتبت بالعربية والسويدية ووظفت الأسطورة سواء كانت تخصّ بلاد الرافدين أم البلاد الاسكندينافية لأن المبدع يكتب بغضّ النظر عن الثقافة التي يحملها، وبغضّ النظر عن المكان المتواجد فيه سواء كان غريبا عن ثقافة البلد الذي هو فيه أو تلتقي ثقافته مع ثقافة ذاك البلد، فالإبداع هو نتاج عقلي سواء كان واقعيّاً أو متخيّلاً يملك فيه المبدع حرّيته في التعبير عن فكره، وقد يتصارع نتاجه مع أفكار الآخرين. المهم، لا تقيده أغلال، ولا أحد يتحكّم بمصيره، فهو يفكّر، ويتأمّل، وينتج، منطلقاً من طاقة عقله المفكرة مهما كان انتمائه، ومهما كان تعبيره، ومهما كانت ميوله، فهو وحده الفرد، الذات، صاحب الخيال الهائل، له القدرة والكفاءة أن يقدّم للقارئ نتاجاً جديداً قد يكون ذلك مألوفا أو غير مألوف، وقد يكون خياليّاً أو انعكاسا للواقع، فهو المنتج الذي يرى أشياء لا يراها غيره متجاوزاً كل العقبات بممارسةِ صَبُورَةٍ متأنيّة في تفعيل النشاط العقلي المتميّز.
نعم، الإبداع هو تراكم كمّي ونوعي في الثقافة والمعرفة الأدبية، وهو نتاج ذاتي من خلال ممارسة وتجربة سواء كانت قصيرة أو طويلة الأمد.
سؤال: ما موقفك من نقد الحداثة وما بعد الحداثة؟
بودي أن أتحدث بإسهاب عن هذه السؤال خاصة وإن بعض المثقفين العرب من شمال أفريقيا يطرحون أسئلة مهمة، منها مثلا لماذا تخلف العرب المسلمون نسبة إلى التقدم الأوربي ثم يجيبون عليها بطريقة جلد الذات الماسوشية وهم يصفون العرب بأوصاف غير لائقة حتى وصل بهم التجاوز أنهم يرددون في محافلهم السرية: (أن النفط وجد خطئا في أرض العرب) متناسين أن العرب هم بدءوا حضارتهم في اليمن، وأنهم من كان يرسل التوابل والبخور والعطور إلى بابل ومصر القديمة عن طريق البر الذي كان يسمى طريق البخور مثلما كان يسمى طريق الحرير بين الصين والشرق، وهم أصحاب القرآن الكريم الاعجازي في لغته وبيانه، وهم من شيد حضارة إسلامية امتدت رقعتها إلى بلاد الهند وحدود الصين، ومنهم خرج علماء الاجتماع والفلسفة واللغة والطب والفلك والهندسة المعمارية، وكانت بغداد تأوي خيرة العلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وكانت فيها أرقى مكتبة عالمية مثلما كانت في مصر مكتبة القصر في عهد الفاطميين. هذا وقد توسع الاندماج بين شعوب العالم الإسلامي، وكانت بغداد آنذاك بهجة الدنيا في علومها كما ينظر اليوم البعض إلى أمريكا، وقد وصلت إلى أوج حضارتها في زمن المأمون خاصة بعد أن تبنى فكر المعتزلة الذين توجوا بلقب أهل العدل والصلاح، أصحاب الخيال الذي لا ينضب، والتجدد مع الزمن. هذا الفكر الذي أراد أن يوضع حدا للتمرد والثورات والاحتراب الداخلي، ويستوعب التطور في مرحلة جديدة فرضت عليه ظروف مستجدة، تستجيب إلى متطلبات العصر في عبور القيم التقليدية إلي أصابها التآكل والاضمحلال في واقع جديد. هذا الفكر صار منهج دولة الخلافة، وكان لو استمر لكان العالم الإسلامي في تطور هائل لم تشهده الحضارة البشرية مثيلا له لكن تصدى له السلفيون المتمسكين بالقديم من أمثال ابن تيمية. هؤلاء المتحجرون الجامدون عقائديا الذي ابتلى بهم الدين الإسلامي، فبعد موت المأمون عاد نفوذهم من جديد وسيطروا على الخلافة في زمن الجاهل المتوكل الذي كانت له دوافع شخصية في ذلك، فاضطهد العلماء والمجتهدين ناعتا إياهم بالزندقة، فكانت دولة الاستبداد والقمع، وسادت الخرافة مثلما ساد الجهل وتفشى النزوع للانغماس في الملذات وشهوات الدنيا تاركين العلم والمعرفة كما حدث للمستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين الذي كان يلاعب جاريته بينما كان المغول يطوقون بغداد.جاريته التي أسقطها سهم مغولي في حضنه ميتة، فطلب من خدمته أن يسدوا أبواب شبابيك قصره.
أريد من كل ما تقدم أن أشير إلى أن المأمون هم أول من تبنى منهج التجديد الذي أراد به التحديث،والتغير نحو الأفضل لكن حدثت الردة في زمن المتوكل التي سادت إلى يومنا هذا، وفرخت لنا دكتاتوريات استبدادية ومنظمات إرهابية كالقاعدة وداعش وجبهة النصرة.
فهذا هو الأصل الذي نشا فيه التحديث من خلال مبررات تاريخية ليتحول إلى نزعة منهجية في الدولة والمجتمع تصحبه تغيرات جوهرية في الحياة الدنيوية تنقله من القديم الجامد المتحجر إلى الجديد المتنور النهضوي الذي يعتمد العلم، والتعايش المتآلف، وحرية الفكر دون اضطهاد، فمفهوم الحداثة هو عام شمولي يخص مجمل الفكر الإنساني وليس الأدب والفنون وحدهما، فأوربا التي كانت غارقة في حروب الثلاثين سنة بين فرنسا وانكلترا، وحروب العشرة سنوات بين عائلتين حول العرش واللذين أطلق عليهما شكسبير أصحاب الوردة الحمراء والبيضاء، وكذلك كانت الكاتدرائية غارقة في بطش صاحبة السلطة المطلقة في اضطهادها الناس بتهمة الهرطقة خاصة النساء اللواتي اتهمن بالساحرات، فقد احرقن على أعواد الخشب وهن أحياء بعد أن لاقين أشد أنواع التعذيب البشع. تلك كانت مرحلة تاريخية كابوسية مرعبة امتدت قرون طويلة حدثت فيها ثورات كاللوثرية والفرنسية والثورة الصناعية التي أدخلت أوربا إلى مرحلة جديدة حيث تم اكتشاف الآلة، لذلك تعتبر الحداثة في الغرب التي توجت في القرن التاسع عشر هي امتداد لنضال عبر قرون طويلة ابتدأت من القرن الخامس عشر حيث استطاعت أخيرا أن تشمل الحياة الإنسانية في كل الجوانب المادية والفكرية، فقد فصلت الدين عن الدولة، وتبنت التطور العلمي بدلا من الخرافة، وسادت حرية الرأي، وكان المواطن مسئول عن سلوكه أمام القانون، فهي ثورة على كل شيء متخلف قديم بالي، وشمل هذا التغير أيضا الشعر والنثر والفنون التشكيلية، ومن الرواد في هذا المجال بودلير، إدغار الن بو، مالارمية، وغيرهم.
بالمناسبة الشيء بالشيء يذكر أن غورباجوف حاول تحديث الاتحاد السوفيتي فانهار الاتحاد السوفيتي بينما استطاع الصينيون أن ينجحوا في الحداثة في كل المجالات وقد أعادوا الاعتبار للفلسفة الكونفوشية الأخلاقية واتجهوا نحو القومية الصينية كما فعل بوتين لاحقا باختياره طريق الوطنية الروسية للتحديث.
أما بالنسبة إلى مفهوم ما بعد الحداثة، فهو مفهوم هلامي غير محدد جاء كرد فعل لما أنتجته الحروب من مآسي وويلات وشعور الإنسان الغربي بأنه أشبه بآلة تدار من قبل رأسمال، إذ ما زال الجدل يدور حوله فتارة يحتدم وتارة أخرى يضعف، إذ ما قدمته الحداثة للغرب في كل المجالات أصيبت بنكسة في أثناء وما بعد الحرب العالمية الأولى، فالعلم برغم إنسانيته، وخدمته التي يقدمها للبشرية هو أيضا يدمر ويخرب لأنه بنفس الوقت اكتشف العلماء أساليب جديدة متطورة باستخدام آلة الحرب للقتل وبسرعة وقد لا يستغرق الموت ثوان كما حدث في الحرب العالمية الأولى باستخدام الغاز الكيماوي بين الأطراف المتحاربة، فأنا لا أميل إلى أن مفهوم ما بعد الحداثة بدأ تناوله بعد الحرب العالمية الثانية لأن الدادائية التي نشأت عام 1916 خاضت مظاهرات ضد الحرب، واتهمت البرجوازية بويلات الحرب، فهي حركة انبثقت كظاهرة لأزمة اجتماعية استخدمت الفن والأدب في التعبير عن ذاتها الاحتجاجية لكنها لم تمتلك رؤية دقيقة للعالم، فاتخذت من نهجها معاداة كل ما هو قديم في الفن السائد واعتبرت أن كل القيم البرجوازية بالية تسهم في التدمير والخراب، ورفعت شعارات عبثية فوضوية ذات طابع هدم: ( لا للفن التقليدي، لا للفن الجمالي، سنبدأ من جديد بعد أن ندمر كل شيء ) فلذلك توسعت ثم اضمحل تأثيرها، وقد تركها الكثير من الأدباء وأهل الفن بعد أن شعروا بعدم جدواها ثم فيما بعد انبثقت أو كما يشير البعض انشقت منها الحركة السريالية التي لو قرأنا بيانها الأول لرأينا هذا التعبير حين يشير مؤسسيها أن العالم بأيدي قذرة.
إذن بدأت ظواهر جديدة اجتماعية احتجاجية تبرز للعيان تتحدث عن قساوة العالم الجديد وأول من أشار إليه في الأدب هو كافكا في روايته الصغيرة المسخ التي أصدرها عام 1915، فهو ينتقد الخضوع للدولة الرأسمالية اللاأخلاقيية التي تجبره في كل شيء، فهي تسلب حريته دون إرادته من خلال يوم العمل، وتجبره على الطاعة عبر قوانين مفروضة عليه، ومسخرة لأن يخدمها، وخروجه عن هذه الدائرة يعني الجوع والفناء، فتلك كانت أول نص أدبي يعبر عن اغتراب الإنسان في مجتمعه وعمله بل تشمل مجمل حياته. وهنا نشأت نظرية نقدية للواقع المعاش، ونشأ مفهوم الاغتراب في المجتمع الذي أخذ حيزا كبيرا في الفلسفة والأدب والفن وعلم الاجتماع.
هذا، وقد اصدر توماس اليوت قصيدته الشهيرة (أرض اليباب) عام 1922 التي بها ينتقد عالم ما بعد الحرب، إذ تجلى عنها الدمار والخراب والموت، ليكون الإنسان مثقلا بنتائجها الكارثية التي جعلت الذعر والخوف والفزع ينتابه في أرض تنتظر الخلاص من موتها.
في هذه المرحلة تبلورت نظرية النقد لما أنتجته الحداثة ثم تعمقت بعد ويلات الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها حوالي خمسين مليون قتيل وجريح، واستخدمت أمريكا القنبلة الذرية ضد هيروشيما وكنازاكي عام 1945 وتعزز دور معسكران متصارعان هما المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الذي نتج عن هذا الصراع الحرب الباردة، وانتاب البشرية رعب من تداعيات هذه الحرب التي لا يعرف عن نتائجها أي شيء فيما إذا أصبحت ساخنة خاصة في مناطق بؤر التوتر. هذا ما جعل السريالية تتوسع فكريا كنزعة نقدية متمردة مشاكسة ضد المعسكرين التي كانت ندا للواقعية الاشتراكية، فباعتقادي أن السريالية هو التيار الواضح المجسد لما بعد الحداثة لأن مهما بحثنا في التيارات الفلسفية أو المدارس النظرية فسوف لن نجد وضوحا عن تجسيد معرفي لما بعد الحداثة باستثناء السريالية.
إذن نلاحظ من خلال مراجعتنا للمفهومين أن الحداثة كانت تقدمية في عصرها، وأسهمت في نقل الغرب إلى مرحلة جديدة من التطور لكنها أنتجت لنا أيضا الحرب العالمية الأولى والثانية والباردة، واتخذ مسار الغرب منهج الرأسمالية الاستغلالية الجشعة الراكضة وراء الأرباح مما جعل الإنسان في الغرب يعاني من قساوة هذا النهج التعسفي، فشعر بإحساس الاغتراب في وطنه، فلذلك بدأ التفكير في مفهوم ما بعد الحداثة، وهنا تحدث المفارقة التاريخية هي أن الحداثة استطاعت أن تجد حلولا لعصرها وأن تحقق جزءا من أهدافها بينما ظلت ما بعد الحداثة تراوح في مكانها عاجزة أن تخرج من دائرة الفكر، وعاجزة أيضا أن تصلح وتغير خاصة في أوج جدلها بعد ثورة الطلاب عام 1968 في باريس بالرغم من أنها تعتبر الإنسان هو أثمن رأسمال لذلك نعتها المناوئون له بأنها مجرد هراء، وأنها مجرد كلمة رنانة طنانة دون مضمون محدد، وأنها تارة تموت وتارة تصحو من كبوتها، وتعيش فقط على الإحباط.
سؤال: ماذا يشكل النقد الأدبي في تجربتك الفنية؟
غالبا ما كان العرب القدامى يتناولون النقد للقصيدة الشعرية التي تقال من خلال اكتشاف العيوب فيها، فكانوا يقولون فيها عيب، ومن يكتشف هذا العيب يقولون عنه عالما بأشعار العرب وآثارها بالرغم من أن النقد كان متحيزا عند العرب حيث كان ينتمي إلى العصبية والنسب وترتيبه على أساس طبقات الشعراء، فكانوا يقولون: فلان أشعر من فلان، وبالتأكيد كان الذوق الفطري والانفعالي هو السائد في نقد الشعر حتى بدأ بمرور المراحل التاريخية يأخذ التمعن والتدقيق بإبراز منه الجيد والردئ أو القوي والضعيف، فظهرت عدة مدارس لم تخرج من دائرة المعاني والجودة، فكان ابن الأعرابي ـ هو أبو عبد الله محمد بن زياد الكوفي / يعتبر من أكابر أئمة اللغة، وكان عالما ثقة راوية لأشعار القبائل، وناقش العلماء واستدرك عليهم وخطأ كثيرا من نقلة اللغة وكان له مجلس يحضره زهاء مائة إنسان وكان يسأل ويقرأ عليه فيجيب من غير كتاب وقد أمل على الناس ما يحمل على أجمال ولم ير أحد أغزر منه في علم الشعر / هكذا ورد عنه في كتاب فقه اللغة وسر العربية ثم لنأخذ شخصية أخرى ورد عنها في نفس الكتاب ثعلب / هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سبار الشيباني، وقد وصفه أبو بكر التاريخي بأنه أصدق أهل العربية لسانا وأعظمهم شأنا وأبعدهم ذكرا وأرفعهم قدرا وأوضحهم علما وأرفعهم معلما وأثبتهم حفظا وأوفرهم حظا في الدين والدنيا. وقد توفى ودفن في بغداد. وسبب موته ان فرسا صدمته في الطريق وفي يده كتاب ينظر فيه فالقته في هوة فمات بعد قليل /.
لقد بقى النقد يتراوح بين مدرستين هما مدرسة الكوفة والبصرة، وكل مدرسة كانت تقدم شعرائها المفضلين حتى استقر على منهج محدد على يد الجاحظ كما هو واضح في كتابيه (البيان والتبين) و (الحيوان) الذي أخرج النقد من إطاره اللغوي المحظ، إذ اعتمد على قواعد وأحكام محددة جوهرها الموازنة بين الفكرة والدلالة الجمالية سواء كان ذلك قديما أو حديثا، فالشاعر الأجدر أو المتفوق هو من يحسن أن يجسد الفكرة في إطار فني جمالي بصور وألفاظ لطيفة عذبة سهلة. حينئذ صار النقد كحكم، ومن يمارسه عليه أن تصف ببراعة وثقافة شمولية ودراية تامة بملكة الشعر، ويتماشى مع أعراف ومعايير جديدة التي لم يعد فيه مكانا للتحيز والعصبية. هذا شمل أيضا كثير من العلوم الإنسانية آنذاك في فترة نهضة تنويرية حدثت في زمن الخليفة المأمون التي ازدهرت فيها الترجمة حيث كان المأمون يوزن الكتاب المترجم بالذهب، ويسلمه هذا الذهب للمترجم.
بالنسبة لي لا أخرج من منهج الجاحظ في مفهوم النقد لأن هذا المفهوم فيه قيمة أدبية يتجاوز المزاج والانتماء والموقف السياسي وضجيج الإعلام والأدلجة والاستهلاك التقليدي، فالناقد يدرس النص بدقة، وينقب فيه، ويكتشف أشياء جديدة، ويتحرى ويستنبط ليس كعالم فقط يجتهد في تنشيط عقله الفعال بل كحاكم يحسن اتخاذ القرار العادل دون تحيز أو ميول تجاه النص لأن النص محكوم بقرار الناقد العادل بالرغم من أن الجمهور القارئ له ذوقه الخاص، فالنص هو الأنا الكامن في داخل المبدع، وهو المحور الوجودي للانعكاس الفردي والاجتماعي في نفس الوقت، فالنص يجب أن يفسر، ويفهم، والخوض في أسرار خياله، وأوهامه، وواقعيته كأثر من آثار الإبداع.
توجد مدارس عديدة للنقد اليوم منها ما تعتمد التحليل النفسي، ومنها ما تعتمد البنيوية، ومنها ما تعتمد الواقعية، ومنها ما راح يطلق عليها الشكلانية، وأخرى التعبيرية….وهلم جرا لكن النقد يلعب دورا مهما في جذوة الأدب كتجربة وممارسة ليس فقط كحكم حول الإبداع الفردي بل وكذلك يخص المجتمع في ذات الظرف التاريخي الذي نسج المبدع فيه نصه الذي جسد فيه الانعكاس للواقع المعاش برؤيته الخاصة للوجود والعالم المحيط به.
هذا، وبالرغم من أن النقد بتنوع مناهجه ومذاهبه في العصر الحديث قد أخذ طابعا ايدولوجيا ومذهبيا متحيزا إلا أنه في نهاية المطاف يبقى النقد الجاد المتأن الشامل الذي يمتلك آلية تحليلية ـ تقيميه حافزا في إثارة الجدل والحوار والاكتشاف، ولابد هنا من الإشارة إلى الناقد الروسي الكبير بيلينسكي الذي كانت كلمته التقيمية حاسمة في جدارة وجودة المبدع في الأدب الروسي الكلاسيكي، فهو الذي اكتشف دوستوفسكي حين قرأ روايته القصيرة (أناس بؤساء)، وقد قرأت كتابا يتحدث عن دوستوفسكي فيه، ويشير عن هذه اللحظة حين التقى بيلينسكي دوستوفسكي، وقد وصف الحالة النفسية من الارتباك لدوستوفسكي في هذه اللحظة الخالدة وهو يقابل ناقد روسيا العظيم، ويستمع بقلق إلى كلمة بيلينسكي الشهيرة: ( ترى هل تدرك أنت نفسك ما أبدعت هنا)، وحين خرج دوستوفسكي من اللقاء، نزل مترنحا على دراج العمارة، ثم فيما بعد أصبح دوستوفسكي من عباقرة العصر في الرواية، وهو لم ينس طوال حياته هذه اللحظة.
سؤال: هل ما زالت الوجودية والواقعية تلعب دور البؤر الحاكمة في الخطاب القصصي الحديث؟
سأجيب على هذا السؤال بالنفي: لا.
سؤال: هل يؤثر الجانب الأيديولوجي على طريقة وأسلوب الكاتب الإبداعي؟
أحيانا نعم، وأحيانا لا …هذا يتوقف على طبيعة المبدع، والظروف المحيطة به، فعلى سبيل المثال هل يستطيع المبدع في زمن الاتحاد السوفيتي أن يكتب رواية ينتقد بها الاشتراكية السوفيتية أو ستالين؟ بالطبع لا… فسوف يعتبر خائن ويرسل سجينا إلى سيبيريا لكن مع ذلك كتب أتماتوف (وداعا يا غوليساري) ينتقد بها البيروقراطية السوفيتية ثم في أمريكا يستطيع المبدع أن يكتب رواية ينتقد به الرأسمالية، ويفضح الرئيس الأمريكي أما دولنا العربية فأنت أعرف بذلك، والقارئ الكريم أيضا أعرف بذلك.
سؤال: حدثنا عن تجربتك مع الأدب السويدي، ومن من الكتاب السويديين يعجبك، وكيف يتذوق المتلقي السويدي الأدب العراقي؟ وهل من السهل يبرز الأديب العراقي بينهم؟
لقد وصلت إلى السويد قبل أكثر من عشرين عاما، وانجذبت إلى اللغة السويدية بعشق، فرحت أدرسها، وأدخل دورات عديدة بغية إتقان ما يمكن إتقانه، إذ كنت أدرسها حوالي عشرة ساعات باليوم، فنشرت قصة قصيرة في جريدة جنوب السويد Syd svenska بعد مرور أربعة سنوات على وجودي في السويد وحصلت مكافأة قدرها ألف كرونة أي ما يعادل مائة وخمسين دولار آنذاك، ورحت انشر قصص قصيرة وقصائد شعر في جريدة سمولاند Smålands tidning وقد أجريت معي حوارات عديدة حول القصص، وحين اشتغلت في شركة لسنوات طويلة لم انقطع بدراستي للغة حيث كنت أتواصل في دراسة الأدب السويدي القديم خاصة النقد، وكلما كنت أتواصل بدراستي للأدب السويدي كنت أزداد حبا للغة السويدية.
كنت أحب أن اقتني الكتاب ليكون في مكتبتي، وشراء الكتاب من محلات بيع الكتب تكلف كثيرا، إذ يصل سعر الكتاب إلى خمسين دولار، فكنت أحاول أن أجد وسيلة جديدة لشراء الكتاب الذي أرغب أن يكون في مكتبتي الخاصة، فكنت أذهب إلى المحلات التي تبيع الكتب القديمة، وهذا يتطلب وقتا للبحث بين الرفوف. ذات يوم احتجت إلى كتاب، فذهبت إلى المكتبة المركزية في المدينة وحجزته، فأخبرتني الموظفة إنه محجوز، وقد يتطلب وصوله شهرا، فذهبت إلى محل بيع الكتب، فوجدت سعره حوالي ستين دولار، فخرجت وذهبت إلى محل بيع الكتب القديمة التابع إلى الصليب الأحمر kursgården فاشتريته بأربع كرونات أي ما يعادل نصف دولار.
أقول بصراحة أن القارئ السويدي لا يعرف عن الأدب العراقي سوى ألف ليلة وليلة، وهذا يعود إلى ضعف الترجمة عن العربية إلى السويدية، ثم الآن هناك توجه عند القارئ الأوربي عموما لقراءة أدب الجريمة الذي يطلق عليه الأدب البوليسي على غرار ما كتبته أجاثا كريستي ولا أحد يستطيع أن يعطي تحليلا علميا لهذه النقلة في مزاج القارئ الأوربي، ثم أخذت رواية العنف تغزو الغرب وكذلك أدب حل الألغاز كروايات دان بروان، فجيلنا يبذل جهده كي يصل إلى القارئ السويدي، وهذه عملية ليست سهلة، ولا يمكن أن تتحقق بسرعة لأنها دينامكية تحتاج إلى مرونة وصبر ووقت ثم لابد أن يقدم الكاتب إبداعا متميزا كي يكوى معروفا أو مشهورا، ثم لابد أن يجتاز عقبات كثيرة تضعها السياسة أمامه خاصة وإن الأعمال الإرهابية التي حدثت في أوربا تأثرا سلبا على العرب والمسلمين وتساعد على حصول اليمين المتطرف أصوات كثيرة أثناء الانتخابات، فعلى سبيل المثال شاركت في مهرجان في إلقاء الشعر باللغة السويدية في محفل سويدي، وعندما انتهيت من القراءة تحدث مدير المهرجان مخاطبا إياي أمام الجمهور، وهو أستاذ دكتور في الأدب، قائلا:
-أنتَ كتبت 11 كتابا بالعربية، ألا يكفي هذا وتكتب فقط بالسويدية؟
أدهشني هذا وأنا أتطلع إليه منبهرا، ثم التفت إلى الجمهور، وقد ساد صمت لا مثيل له، ثم بعد برهة أجبت:
ـ سأكتب أيضا بالسويدية.
ساد تصفيق في القاعة استمر لحظات والاندهاش لم يفارقني وأنا أنزل من المنصة.
أعتقد أن كارين بوي أعطت تنوعا في الشعر ونقلة نحو الحداثة واتسم شعرها بالعاطفة الجياشة والنقد، ونجد في شعرها تأثر واضح بشعر بودلير خاصة أزهار الشر، ثم هناك إحساس بالكآبة والسوداوية كان ينتابها عندما يقرأ المرء شعرها، وكانت سيرة حياته الشخصية ربما أدخلتها في متاهات مؤلمة كما لو أنها كانت تتحدي الأعراف السائدة فدخلت في نوع من العبثية وتناولت المخدرات، فماتت منتحرة أما في مجال الرواية فأن هينين مانكيل امتاز بتجربة غنية في الرواية، وأدخل تطورا ملحوظا في الرواية الحديثة المعاصرة خاصة تلك الروايات التي كتبها في موزنبيق وهو يتحدث فيها عن التراث والفلكلور الأفريقي فقد امتازت بنفس أنساني متعمق بطبيعة الأحداث وسيكولوجية المجتمع الأفريقي، إذ استطاع أن يربط بين جمالية المكان وواقعية الحياة اليومية سيما وهو كان يمارس الفن المسرحي، وكتب روايات عن الجريمة.
سؤال: هل مزجت في الكتابة بين الأسلوب العربي والأسلوب السويدي في تناول الموضوع؟
استخدمت أسلوبا جديدا في الكتابة باللغة السويدية لم يكن أحد قبلي قد خاضه ألا وهو توظيف الأساطير السومرية والبابلية في القصص التي لاقت نجاحا باهرا، وقد جعلت ذلك يترادف مع أسلوب ألف ليلة وليلة حيث كنت أمزج النثر بالشعر، فيكون أشبه بقطعة موسيقية ذات أنغام عذبة، واتبعت نفس الأسلوب حين كتبت ملحمة Gasill التي هي بمائتين وثمانين صفحة حيث الملحمة تتحدث عن تاريخ الإغريق القديم وهو ما بعد تدمير طروادة، فجعلت الشعر يندمج مع القصيدة النثرية الشائعة في الوقت الحاضر لكنني حافظت على الوزن والقافية والضربة الإيقاعية سيما وتواصلت في توظيف الأساطير الإغريقية القديمة أما أسلوب الكتابة في العربية قد يكون هناك اختلاف نسبي خاصة في رواية المزمار التي تتحدث عن عانة، ورواية الدفان والغجرية التي تدور أحداثها في النجف، أما القصص القصيرة، فهي تغوص في عالم أساطير العراق القديم كما في ملحمة تموز، وبالنسبة للشعر فهو أشبه بصرخات كامنة في داخلي تتفجر في الإحساس الجياش.
هذا، وأنا اعتقد أن كل كاتب له تقنيته الخاصة في الكتابة، وذات يوم طلب مني أحد الأصدقاء أن أكتب مقدمة لكتابه، وأراد مني أن أدون اسمي، فلم أرغب في ذلك، ومرت عدة أشهر، وإذا بزميل يتصل بي تليفونيا ويسألني إن كنت أنا قد كتبت المقدمة، فسألته كيف عرفت، فأجابني: أعرف أسلوبك في الكتابة.
وأتذكر أن أول قصيدة كتبتها عندما كنت في المدرسة المتوسطة، فقدمتها إلى أستاذ اللغة العربية من آل طبيخ الذي تعتمر رأسه عمامة سوداء، مسد لحيته البيضاء المهيبة، وقال:
ـ أنت متأثر بشعر المتنبي. يجب أن تكون قصيدتك أنت من وحي ملكتك أنت، هكذا يمكن أن تصبح شاعرا.
إذن كل كاتب يجب أن يكون له أسلوبه الخاص الذي يميزه عن الآخرين، وهذا يأتي من التجربة والممارسة، فعلى صعيد الرواية التي تعتبر جنس سردي نثري يسخر لها الخيال خطاب جمالي وتوظف لها أدوات تقنية في اللغة لتظهر مدلولها وشكلها عن العلاقات الاجتماعية والنفسية والأخلاقية في مكان محدد وزمان معين تلعب شخصياتها الدور الأساسي في حدث أو أحداث لها بداية ونهاية مهما كان نموذجها تاريخية أم واقعية أو رومانسية أم خيالية خاصة …الخ، فهي لها تآلف معاش لوجود إنساني تندرج في الفهم والتفسير في ضوء سياق روح العصر الذي تتناوله، إذن هي تتحدث عن العصر الانعكاسي في محتواها، وهي مهما استخدمت فيها الرمزية لأسباب دينية أو اجتماعية أو أخلاقية لم تتجاوز نفسها بكونها تعبر عن ذلك العصر، فعندما كتبت رواية (الدفان والغجرية) التي أحداثها تدور في النجف لم أستطع عبور تلك المرحلة لأحداث الرواية، ونفس الشيء بالنسبة إلى رواية المزمار، وهي أول رواية تكتب عن منطقة الفرات الأعلى أي مدينة عانة بالرغم من أنني استخدمت الرمزية فيها لكنها لم تتجاوز روح عصرها، فالموت في كلي الروايتين كان يجسد المطهر بنظرة لإعادة الفهم بأسلوب مراجعة متفتحة ذهنيا لمجمل مفهوم الموت.
هذا، وكان لي في كل النصوص سواء كانت بالعربية أم السويدية تدور حول مركز واحد أشبه بدوران الدولاب حول بؤرة مركزية بلغة سحرية يغلب عليها الجمال والبيان لأنني تتلمذت على كتب البلاغة والمنطق وتفاسير الكلام والإعجاز في الكلام، فالنص الأدبي في رأي يجب أن تكون له لغة تعبيرية دلالية تتخاطب مع القارئ بقيمة ومتعة وحسية ذوق ذات نكهة جمالية، وليس سرد صحفي كما يحصل اليوم مع الرواية العربية بكون الرواية أو القصة هي مجرد سرد، فالخبرة الإبداعية والوعي الفردي تخلق نصا متوحدا بين المضمون والشكل في بنية حسية جمالية تتجلى في الذوق السليم.
لقد كتبت رواية قصيرة باللغة العربية اسمها بحيرة البلوط Eksjö nymfen وترجمت إلى السويدية، فجعلتها تنفرد بنظرتها الموحدة لكلا الثقافتين العربية والاسكندينافية حيث كتب في غلافها الخارجي دكتور فلسفة أصول الأديان الدكتور تربيون لينيورن قائلا: ( أن حورية بحيرة البلوط ذات بناء جميل جدا لقصة شعرية، مختومة بأحاسيس كبيرة، وقدرة على عيش الأحداث، وذات خيال معبر غير عادي، هي تجسيد بارع لشيء منجز) وكتبت مقدمتها الكاتبة والمخرجة المسرحية كريستينا نيرو قائلة: ( أن المثل القائل ـ الشرق والغرب لا يلتقيان ـ لا ينطبق على رواية الكاتب حمودي عبد محسن حورية بحيرة البلوط، فإنها تنفرد بنظرتها الموحدة لكلا الثقافتين العربية والاسكندينافية حيث بيوت سمولاند الخشبية أحيطت بطبيعة جنائن الشرق بنخيلها الباسق وأشجار زيتونها العبق، محلقة فيها طيور البجع، والبلابل. إنني ألمح مجون ألف ليلة وليلة في الجنوح المعروف عند ( كارين بوي) الناضج بمشاعر الندم عند مقربة الهاوية ( من الصعب أن تكون غي متأكد، خائف، ومشتت، من الصعب أن تعرف العمق أو البرودة).
ثم استطعت في ملحمة تموز بالعربية أن أجعل التاريخ الأسطوري لسومر وبابل حاضر في الملحمة خاصة بعد أن تعرض العراق إلى ويلات ومآسي أثناء الاحتلال ليكون الواقع والخيال ببعده الأسطوري لوادي الرافدين متجانسا مع الروح العراقية المحبة لوطنها، وقد نسجتها إطار يتحدث عن حقيقة الاحتلال والموت والخلود الكلكامشي والحب أصوات متعددة متهكمة لما يحدث في وطننا الحبيب من خراب.
لنعود إلى القصة القصيرة المثيرة ذات الإحساس المتوتر التي كنت أتنقل بصياغتها من اللازمني القديم إلى الواقع تارة ثم من الواقع إلى اللاواقعية السحرية لتكون خارج المألوف وملتزمة في نفس الوقت بأصالتها ضمن سياقها الأدبي سواء أثناء الطوفان الشهير أو مغامرات عشتار مبتغيا من ذلك أن تكون متفردة بارعة وكحركة دوران الدولاب في أسلوبها.
سؤال: كيف تنظر للواقع الثقافي للعراق؟
حدث تغير في الثقافة الوطنية العراقية بعد الاحتلال خاصة وإن الثقافة العراقية كانت شاملة ومتنوعة لمجموعة ثقافات قومية وأقليات يجمعها حب الوطن وتلاؤم العيش المتآلف في حيز الوطن الواحد، وكان هذا أساس الثقافة العراقية التي وحدت الجميع رغم الاختلافات والتعدد، وكما هو معروف أن الثقافة هي نشوء، وهي تراكم تراث فكري وعادات وتقاليد التي تنسج السلوك البشري كثمرة تلاقي منتجة نحو الأفضل، والسعادة الفردية لكن الاحتلال نشر ثقافة العنف، وهنا تحولت الثقافة من مقبولة إلى مرفوضة، وفتحت أبواب التفرقة، وهذا يذكرني برسالة قرأتها في كتاب تاريخي كتبها الاسكندر المقدوني إلى معلمه أرسطو حين دخل بابل يتحدث بها عن أوضاع المنطقة بعد هزيمة داريوش الثالث، فكتب له أرسطو رسالة كان يشير بها إلى تقسيم المنطقة إلى مقاطعات، ويجعل على كل مقاطعة أمير، وهذا سيسهل له السيطرة عليهم جميعا، وإذا تحاربوا، فليكن هذا بينهم، المهم أنهم جميعا يقدمون لك الولاء.
وهذا ما حدث في الواقع العراقي الذي جسدت عدة فصول من رواية ( امرأة الحلم ) حول ثقافة العنف والتقسيم وطبيعة الصراع الدموي الذي طحن بالعراقيين ثم أغوص إلى تاريخ اليمن القديم لأعرج على ما ورد في القرآن الكريم ـ تفرقت سبأ ـ وسد مأرب، والصراعات الداخلية التي قضت على الحضارة اليمنية، ثم أتناول أيضا الحضارة العراقية القديمة التي كانت تخبو ثم تنهض، وحين أتمعن بدروسها أجد أن أغلب انهيارات مدنها الحضارية وخاصة بابل كان بفعل احتلال أجنبي، وهو نفس الشئ حدث لبغداد على يد المغول.
أذن يعيش العراق حالة تشتت تعصف به عدة ثقافات، وهو في مخاض جدي لا نعرف كيف سينتهي به المطاف. ونحن كلنا أمل أن ينهض من كبوته بثقافة جامعة تعيد للعراق أرثه التاريخي ومجده.
سؤال: ما هو نتاجك الجديد المرتقب؟
ستصدر لي رواية جديدة عن دار بيت الكتاب السومري في بغداد موسومة بعنوان ( حب في ظلال طاووس ملك)، وهي تتحدث عن قصة حب بين هنار وميرزا تدور أحداثها في بحزاني ولالش، إذ اعتمدت فيها أسلوب النظرية النقدية، ومراجعة التاريخ برؤية جديدة سيما وأن الأيزيديين تعرضوا إلى اضطهاد عبر قرون طويلة دون أن يفهم معتقدهم، ومرت عليهم 73 مذبحة تسمى فرمانات، فقد ارتبطت بعلاقة بهم تجاوزت الثلاثين عاما، وزرت معبدهم الأساسي لالش، وكذلك زرت بحزاني، وأنا أعرفهم جيدا، وأعرف معتقدهم جيدا الذي تشوه على مر التاريخ خاصة من المتشددين الإسلاميين، ولم يفهم معتقدهم حتى المستكشفين الأوربيين، وقد أساءوا إليهم سواء كان ذلك بوعي أو دون وعي وحينما درست الأدب السومري والبابلي وجدت أن معتقدهم له جذور من هناك، فبابل كان فيها معبد مردوخ، ويقابله في الضفة الثانية معبد ابنه أزد، الذي في أعياد رأس السنة التي تستمر 12 يوما ينقل تمثاله إلى بابل، وكان نبوخذ نصر يستقبله، ويدخل به من خلال بوابة عشتار، ويوضع قرب تمثال أبيه، وعندما تنتهي الأعياد يعاد تمثال أزد بأهازيج إلى مكانه، وهكذا استمد الأيزيديون هذه العادة التي تسمى الطوافات. لذلك لا يوجد أدنى شك أن امتداد المعتقد الأيزيدي هو عراقي أصيل. ثم حدثت تغيرات فيه خاصة بعد وصول الشيخ آدي المتصوف إلى الأيزيديين، ثم درست القرية التي نشأ فيها الشيخ آدي في لبنان، إذ كان والده أيضا من المتصوفة، ومذهب المتصوفة عموما نموذجه في الدنيا هو الأمام علي لزهده وتقواه وابتعاده عن ملذات الدنيا.
فالأيزيدي توحيدي يؤمن بالخالق الأعظم الذي يسمى بالكردي خدى، وهو بذاته رب العالمين، وكل ما يقال عنهم غير ذلك هراء، وزيف بغية الاستيلاء على أراضيهم، والاستحواذ على ممتلكاتهم وانتهاك أعراضهم لأنهم شعب يحب الحياة والسلام، وهو منتج في العمل، وعندهم مقولة تقول: امشي على الطريق المستقيم!
لذلك أتوقع أن تأخذ الرواية حيزا من النقاش والجدل باجتهادات مختلفة، وهي في قيد الطباعة، وبمجرد أن أعلنا عن صدورها قريبا، تم حجز أكثر من ستمائة نسخة منها، والطلبات في تزايد، لذلك نتوقع نفاذ الطبعة الأولى خلال شهرين، وهذا غير متوقع بالنسبة للكتاب العربي الذي يشهد تراجعا واضحا، وهذا له ارتباط بالمأساة التي تمر بها الأمة العربية، والأزمة الخانقة التي تعصف بوجوده وكيانه.
سؤال: ماذا تكتب الآن؟
بدأت برواية جديدة باللغة السويدية تتحدث عن العالم السومري القديم. لا أريد أتحدث عن هذا الموضوع بتشعب.
خاصّ – إلّا –
الانسان هذا المخلوق الذي خلقه الله في أجمل تقويم، ومنحه العقل. لطالما اهتم الانسان بالمعرفة إذ أنه أدرك أهميتها لاستمراره بالحياة، لكن من المؤكد أن المعرفة لم تكن ففي بدايات نشوئها على صورتها الحالية لا من حيث التنوع ولا من حيث المستوى.
إن طبيعة المعرفة هي طبيعة تراكمية، وقد تطورت على مرّ العصور، تطورت مع تطور مدارك الإنسان وتعاظم مستويات تعلمه، وتطور حاجاته التي أدت إلى إدراكه أهمية المعرفة في تسهيل إشباع حاجاته وتحقيق رغباته.
لطالما اعتاد الإنسان في البداية على الأسطورة في تفسير الظواهر التي تظهر له إذ أنه لم يكن يمتلك في البدايات أدوات كافية لبرهنة وفهم الأمور بشكل منطقي، فكان اعتماده على تخيلاته وتصوراته للحكم والتحقق لما يظهر أمامه، لذلك كانت هذه المعرفة معرفة بدائية خيالية تفسر الأمور من خلال أسطورة ما بعيدة، وقد تكون بعيدة عن المنطق.
ومع تطور مدارك الإنسان ومعيشته وأدواته، وامتلاك أدوات البرهنة انتقلت معرفته إلى مستويات أكثر دقة وسعة. فأصبح للمعرفة مدارس مختلفة تعكس تميّز مدارك الإنسان وسعة أفقه في عمليات التحقّق والتفكّر في عظمة خالق الكون، أضف إلى ما يحيط هذا الإنسان من الظواهر الطبيعية.
في الماضي، كانت المعرفة عبارة عن خبرات متوارثة ومُقترنة في جانب كبير منها بالإلهام، ولم يصلنا عبر التاريخ شيء عن إخضاع المعرفة للتجربة والبرهان، حيث لم يسجل التاريخ الأول للحضارات القديمة أي محاولات لتأطير المعرفة المتراكمة وأن يكون لديها نظريات علمية، وكان البناء المعرفي أو التراكم المعرفي يعتمد على القصص والأساطير، بما يمكن تسميته بـ “المعرفة الأسطورية”.
ومع البابليين اقترنت هذه المعرفة الأسطورية بالكهانة والسحر والطب والعرافة والفلسفة. فأصبحت على أيدي أهل بابل ما عُرّف بـ “المعرفة الفلسفية”.
بدأ استخدام المعرفة الفلسفية في بعض العمليات أو الاستخدامات العلمية، لكنها لم تحظ بالتحليل العقلي، كما أنها لم تؤطّر بشكل نظري إلا عن الحضارة اليونانية التي صاغت ما عُرف بالمعرفة النظرية التي تميزت بالقدرات التحليلية، كما أن اليونانيين تمكنوا من التدوين كل احتمالات ونظريات المعرفة.
ولعلّ أكثر ما ميّز اليونان أنهم قاموا بتدوين المعرفة بنظريات يمكن خزنها واسترجاعها. وسمى اليونان ما كان يسمّى “فلسفة” في الحضارات القديمة “معرفة ” أو “حباً للحكمة “، وبذلك انتقلت المعرفة لدى أهل اليونان من المعرفة الفلسفية إلى المعرفة النظرية.
أما العرب والمسلمين فقد نجحوا في نقل معرفة الحضارات الأخرى، وقاموا بمحاولات جادّة لإخضاعها للتجربة والبرهان، حيث لم يقتصر عمل العرب المسلمين على الترجمة والنسخ، بل أسهموا مساهمات جادّة في توليد المعرفة الجديدة عندما وصلوا إلى فهم أن العلم هو معرفة نظرية تستهدف أغراضاً علمية تطبيقية.
لذلك كان تأثير العرب المسلمين واضحاً في المعرفة النظرية، كما أن تاريخ الأندلس وبغداد يدل على إسهامات العرب والمسلمين في نقل معارفهم إلى خارج مناطقهم باتّجاه الشعوب المجاورة بكل شفافية وعطاء.
لقد وصلت هذه العلوم والمعارف إلى أوروبا التي كانت قد بدأت الخروج من عصر الظلمات نحو عصر الأنوار وتالياً عصر النهضة، حيث انتقل مركز الريادة في توليد المعرفة إلى هناك، وظهر على يد الأوروبيين فيما بعد ما يُعرف بـ “المعرفة العلمية”.
وبدأت رحلة المعرفة التي جرى تناولها وفقاً لمبادئ مدارس فكرية إدارية وتنظيمية ومن منطلقات نظرية متعدّدة بتعدّد روّاد هذه النظريات.
وإذا نختم، على التأكيد على استمرار تطور المعرفة ومفاهيمها وتطبيقاتها. لذلك لا بد من امتلاك زمام المعرفة لما يشكّله من أداة قوية في التحكم والسيطرة على المنظمات والمؤسسات، وأيضاً الأفراد عشية بزوغ فجر الألفية الثالثة، لأنه ببساطة بل وبكل بساطة ” من “أمتلك المعرفة…إمتلك القوة”.
خاصّ – إلّا –
لقد سال الكثير من الحبر، وحُكيَ الكثير عن أزمة الإعلام في لبنان، تمّ عرض الكثير من المعلومات، كما تمّ تحليل كل الأسباب التي أدّت إلى ما نشهده في هذا القطاع. لكن رغم كل ذلك بقيت الصورة ناقصة ولم تكتمل، كما أنها لم تعط طرف خيط لأيّ حلّ، ولم يجرؤ أيّ كان على الحديث بكل شفافيّة وعلميّة.
قد يكون ما تمّ طرحه أو معالجته صحيح حول الأزمة الإعلامية، لكنه للأسف غير دقيق وغير علمي.
سنحاول الإضاءة على جوانب نعتقد بأهمّيتها، جوانب بقيت بعيدة عن ما تناوله الكثيرون، أو تمّ تناوله ولكن بصورة مغايرة، وبشكل آخر مجافي للواقع. لذلك قد تحمل هذه الإضاءة معطيات قاسية، ولكنها تساعد في تفسير أسباب الأزمة، وقد تعطي سبيلاً من سُبل الحل.
معظم من كتبوا أو تحدّثوا عن الأزمة، قالوا بالمال سبباً، إلى جانب الهجمة الألكترونية بفعل تطوّر تكنولوجيا المعلومات والإتّصال، وأخيراً أزمة القراء.
نبدأ بالموضوع المالي، نعم وبكل وضوح طالما كان هناك طموح شخصي وأستراتيجيات لدول، سيكون هناك تقاطع، ليولد صحيفة بتمويل. وتختلف مدخلات التمويل فتتنوع مخرجاته، وفق ما يقوم به الأفراد الطموحين.
لعل ما ميّز الصحافة اللبنانية بأنها قادرة على إستقطاب أنواع التمويل كافة، من دول عظمى لها استراتيجيات كبرى، وكذلك دول صغرى تتلمس طريقها.
وقفة قصيرة مع موقف رئيس الجمهورية اللبنانية شارل حلو (1964 – 1970) القادم من لدن الصحافة اللبنانية عندما إستقبل وفد نقابة الصحافة اللبنانية بعبارة:” أهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان”.
لا شكّ أن العصر الذهبي للصحافة اللبنانية كان مع بداية الستينيات والسبعينيات، زمن التحولات والإنقلابات والاستقلال والتحرّر، زمن وبلدان ناشئة بحاجة لمنابر إعلامية داعمة لأنظمتها الوليدة، فكانت الصحافة اللبنانية جاهزة وعزّ الطلب، كما أن نكسة العام 1967 أوجدت نقمة كما أوجدت مقاومة، أضف إلى تصاعد حدّة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي. كان هذا الزمن بحاجةٍ لأدواتٍ إعلاميّةٍ تخوض في غمار المعارك على استحواذ العقول، وتوجيهها، وبشكل أدقّ التلاعب بها، أو إيجاد وعي ما، أو بلورة تيارات واتّجاهات تتوافق مع أصحاب القرار بمستوياتهم كافة. لكل ذلك كانت الصحافة اللبنانية جاهزة لتحقيق كل المهام والغايات.
وفي نفس الفترة بدأت الدول العربية المنتجة للنفط بتلمّس طريقها، وهي بحاجة لمنابر إعلاميّة، فبدأ ما يسمى عصر ” البترودولار”.
بدأ إغداق الأموال على صحف موجودة، فيما فضّل آخرون تأسيس صحف ومجلات جديدة، علماً أن قانون المطبوعات اللبناني إغلاق نادي الصحافة بمنع منح المزيد من التراخيص لإصدار مطبوعات سياسية. لكن كان هناك العشرات من التراخيص السياسية المتوقفة أو المتعثّرة، فنشأت سوق ضخمة لهذه التراخيص.
ازدهر هذا السوق لوجود أفراد أو دول بحاجةٍ لترخيصٍ سياسي، فتمّ تأسيس الشركات التي كانت تشكل إطاراً مناسباً لقيام مشروع صحفي. ومع الوقت أصبح من يمتلك ترخيصاً سياسياً لصحيفة كمن يمتلك جوهرة باهظة الثمن سواء لمالكٍ أو وريثٍ.
وبرزت الصحافة اللبنانية، وقادت معارك الكلمات والأفكار ، وتنوّعت الجبهات المتصارعة بتنوّع مصادر التمويل…واشتعل نيران الحريق في لبنان، فأكلت الصحف ذات التمويل الفردي، ورويداً رويداً اختفى الكثير من الصحف والمجلات، وكذلك ظهر الكثير من الصحف والمجلات غير المرخّصة. فيما كان الممولين لبعض الصحف القديمة والجديدة قد تعب من تعدد “دكاكينه” الإعلامية. فكان أن تحدّدت الحصص المالية لعدد من الصحف، فأصبح هناك صحف أساسية، وصحف ثانوية، وصحف بمهام محددة.
وبفعل التحديد والتخصيص، بتنا غير قادرين على تمييز الخط السياسي لهذه الصحيفة أو تلك لكثرة التناقض أو التشابك و”الاصطراع ” على صفحات الصحيفة الواحدة، وأيضاً من كثرة نقل القلم/ البندقية من كتف إلى آخر لناشري هذه الصحف. ومع الوقت لم نعد نستطيع القول “هذه الصحيفة تابعة لهذا النظام أو ذاك”.
الجدير بالذكر، بأنه على الرغم أن المُمّول أقام مؤسسة صحفية لكنها لم ترتقِ إلى مستوى مؤسسة أو منشأة إنتاجية ذات بنية مؤسساتيّة تمتلك هيكلية واضحة وتوصيفات وظيفية وغيرها من الأمور التنظيمة والإدارية.
مع الوقت بدأت حدّة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط تهدأ، وفي نفس الوقت كانت التطوّرات التكنولوجية تسير بشكل سريع.
مع هدوء المنطقة، كان لا بدّ من التهدئة الإعلامية، وكان لا بدّ أن يستتبع ذلك خفض الميزانيات.
ومع التطورات التكنولوجية التي لم تواكبها هذه الصحف، كونها ليست مؤسسات بالمعنى الإداري والمؤسساتي.
أضف، إلى أن بعض الأنظمة المُموّلة كان قد بدأ بإنشاء مؤسساته الصحفية بالتعاون مع بعض الصحافيين اللبنانيين الهاربين من جحيم الحرب اللبنانية.
هذه التطورات، وخفض التمويل، جعلت أصحاب الصحف يلجأون إلى تنويع مصادر التمويل الذي يلوح على صفحات الجرائد، وفق شعار أطلقته فيما بعد قناة “الجزيرة” القطرية “الرأي والرأي الآخر”. وقدمه أصحاب الصحف على أنه حرية رأي وتعبير، بالتأكيد أنه شيء مضحك.
المهم أنّه مع التحولات السياسية والاقتصادية تناقص التمويل، ودخلت وسائل أخرى أقل كلفة بكثير، وهي أن يكون هناك كاتب أو عدّة كتاب، معتمدين لدى هذا النظام أو ذاك، أو لهذه الاستراتيجية أو تلك السياسة. فولد ما يُعرف بـ “الكاتب أو الصحفي المأجور”.”، بحيث أصبحنا نقول ” هذا الصحافي تابع لهذا النظام”.
أما السبب الثاني كما حدّده البعض، وهو ولادة الإعلام الإلكتروني بفعل تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال، أضف إلى انتشار وسائل الاعلام المرئي والمسموع التي أخذت حيّزاً كبيراً، هذه الهجمة الإلكترونية كما سماها البعض لم تكن قاتلة وقاضية للصحافة الورقية، حتى في عقر دار أهل هذه التكنولوجيا ويستطيع أيّ باحث محايد وفهيم أن يتأكّد. ولعلّ أبلغ ردّ هو صحيفة “السفير” ففي لحظة إنهاء الاستاذ طلال سلمان نحر وليدته بعد اهتزاز المنطقة ونحر مُزوده، تصاعد الحديث عن تحضّر صحيفة جديدة للإنطلاق.
المفارقة أن الصحيفة المُزمع إطلاقها ورثتْ بعضاً من فريق الصحيفة المنحورة، كما أنها تعاقدت مع المنحُورة على الحصول على بعض الخدمات واستئجار بعض الطوابق كما يُقال في الوسط الإعلامي. إذا لا هجمة إلكترونية ولا هجمة – نانو – …
أما السبب الثالث، وحكي الكثير عنه، وهو أزمة القراء، قد يكون صحيحاً لا وجود قراء، لكن السؤال الذي تكمن في طياته المعضلة: هل المحتوى والمضمون الذي تقدمه الصحف يتلاءم مع حاجات القراء؟
أترك الجواب معلّقاً ومفتوحاً لكل قارئ أو من حاول أن يقرأ…وأيضاً لمن إمتشق قلماً.
في المحصلة، تحوّلنا من الصحافة المأجورة إلى الصحفي المأجور، ودخلت التكنولوجيا التي لم يتنبّه لها أصحاب الصحف لكونهم لا يملكون رؤية استراتيجية وإدارة علمية، في وقت كان القارئ لا يجد محتوى يجيب على تساؤلاته أو يلبي حاجاته المعرفية، أو يتلاءم مع ما يعيشه. صحافة تقدّم أفكار معلّبة، ومعلومات مُوجّهة ومُقنّنة لا فائدة منها سوى أنها تدرّ المال على كاتبها أو لناشرها.
أصبحت معادلة الإعلام:
المُرسل — الوسيلة— المتلقي—مضافاً إليه عنصر الرسالة.
على الشكل التالي:
المُرسل: مأجور أو غير مهني.
الرسالة: غير واضحة ومبهمة وغير مُفيدة.
الوسيلة: تفتقر إلى خطّة استراتيجية وإدارة علمية.
أما المتلقّي ..يبحث ولا يجد ما يريد، وغارق في همومه البعيدة عن التداول..
كلمة أخيرة عندما تعود الصحافة إلى كونها ” مهنة البحث عن المتاعب” لا أن تكون “مهنة الإرتزاق والتربّح وتكوين الثروات”، وعندما نقوم ببناء مؤسسات صحفية تمتلك خطّة استراتيجية واضحة الرؤية والأهداف والسياسات وإدارة علمية تعتمد الأساليب الإدارية والعلمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر “استطلاع الحاجات المعرفية للقراء، مما يقود إلى تقديم محتوى ومضمون بأقلام ذات كفاءة ومهنية وبكل أخلاق إعلامية مهنية، قد نستطيع الوصول إلى صحافة قادرة على جذب اهتمام الناس، فيتكوّن جمهور واسع من القراء دون أدنى شكّ”.
وخلاصة الكلام، الصحافة رسالة وليست مهنة من لا مهنة له …وبكل أسف في لبنان باتت الصحافة مجرد سخافة تعيش وهم حريّة الرأي والتعبير…
خاصّ – إلّا –
بعد قليل من الان، سيكون قد انتصف النهار أو مايزيد، سيكون عندي متّسع من الوقت لكي أحبكِ٠
أما الآن فلا وقت عندي لمثل هذه (السوالف)، و في المساء سيكون انهكني النهار، فأرتمي كجسد ثقيل فوق الأوراق النحيلة، ثم ستلتصق عيني بهذه الصفحة المضاءة على (الآيباد)٠
بعد قليل من الآن، عندما يغادرني هذا البرد سأتجرأ على الخروج من محبسي، سأخاطر بالابتعاد عن المدفأة قليلاً، سيكون لا زال هناك (لَحْسٓةُ) برد، ليس الأمر مهمّاً.. سأتحمّل و أخرج وأتجاوز على المسافة نحو الشمس، لن أجلس تحتها مباشرة، ولن أجعلها تلتمع أمام عيوني على زجاج النوافذ المقابلة، لأنّ الصداع النصفي سوف يتحرك مباشرة، و أشعر أنّ رأسي يكاد ينفجر و أنا لا أحتمل ذلك كلّه٠
بعد قليل من الآن سيكون لي أن أحبّك، سيكون التيار الكهربائي قد عاد إلى طبيعته، وقد انقضت ساعات التقنين الثلاثة.. الأربعة.. العشرة في حيّنا و أستطيع الصعود إلى المنزل بالمصعد، و أنا لا أتصبّب نزقاً على الدرج، سأبدّل ملابسي، وارتدي ثوب النوم، وأرمي بنفسي على السرير ،وأفكّر بك وأنا تحت الغطاء، سوف لا أغفو الآن ولا حتى بعد قليل.. أنا لا أنام أساساً بعد الظهر مثل أبناء العائلات (الذين خبزهم مخبوز وماءهم بالكوز)، ولكني منذ أن أجريت آخر خمس أو ست عمليات جراحية، في معدتي وظهري تناقصت مناعتي تماماً، صرت إذا نظرت من الشباك و رأيت الدنيا ماطرة، أو أن الهواء يعصف بالصفصافة المقابله أشعر بالبرد.. أتهاوى وأسارع الخطى لألتصق تقريباً ب(الصوبة)..
مذّ ذاك صرت أشعر بعلاقة حميمية مع (الصوبة)، و أني بحاجة ماسّة للدفء والراحة، بل بحاجة للنوم مقابل كل ليل سهرته في زماني -كنت أقول – سوف أفكر بك، أحبس صورتك في عيني كي لا تهرب أو تتهرّب و أصير أحدّثك.. سأترك لأهل بيتي أن يعتقدوا أنني لم أعد سويّاً، و أنني أهلوس و أتحدّث إلى نفسي، ثمّ أني سأستثمر على هذا الاعتقاد و أحبك بشغف وحرية وجنون..
رعم اأك تقيمين الآن خلف البحار على مسافة بعيدة.. مسافة عمر مضى نحو خمسين سنة أو أكثر، تحديداً منذ أن غادرْتِني وأنا في عمر الولدنة التي يسمونها المراهقة، و أنا أخرج كلّ قليلٍ إلى تحت التوتة إذ ربّما تعودين.
أنا وإلى الآن أعتقد ورغم كهولتي، لا زلت صغيراً، طائشاً، عاطفيّاً بامتياز، لذلك أربط الدرب لخيالك الذي لا يزال مقيماً في الدار، لهمسك، لأنفاسك، لوجدانك، كيف وأنا منذ كبرت وانتبهت إلى أنني كنت، ولا زلت أحبّك وأنني أعيش دونك غصباً عني، وعلى أمل أننا سنعود، ونجتمع ذات يوم، لا أعلم كيف هو حالي اليوم، وقد عُدّتِ، وتلقيت إشارة صريحة منك على صفحتي في الفايسبوك.. طلب صداقة !
لم أصدّق، رحت أفرك عيني.. أهو وجهك أم وجه القمر ؟!
يا لهذا الطلب العزيز.. وبدون مقدّمات نحن صديقان، (من أيام القيمري)، منذ (سنة آنستُ ربي)، ربما تقصدين اختباري ؟ كيف حدث أنك تتجاوزين الآن مداميك العمر بعد كل ذاك الغياب؟
أتفتحين معي صفحة جديدة!
وهل بقي من العمر ما سيسمح لنا أن نلتقي..؟!
كي أتجاوز خجلي وأغمرك..؟!
ثمّ أن هذا الوقت يركض ركضاً، وأنا لن أجد الوقت الكافي ليتسع لحبي الكثير لك، لأعبّر لك عن هذا الحب الذي يسكنني، ثم أنه ياحبيبتي -و أنت تتابعين على الاخبار ما يحدث عندنا – سوف لا تصدّقين نه لم يزل عندنا بعد في الشرق متّسع للحب، كما أنّ الجميع هنا سيضحكون مني..
سيقلبون على أقفيتهم من الضحك، وهم يشاهدون بأمّ أعينهم حبّي الكثيف لك، فيما هم يقتتلون لسبب أبسط من هذا بكثير، هم هاهنا لم يتركوا شيئاً من شرّهم، أحرقوا منازلهم، محاصيلهم، أحلامهم، مراكبهم، صارت مدنهم مأوى للخراب، صاروا يتفنّنون في وسائل الموت، ربّما أنا وحدي في هذا الظلّ الداكن من لا يزال يحتفظ بالحب في قلبه منذ زمن بعيد.
لذلك، يا حبيبتي و قد وجدتِني فمن الأفضل أن تأخذيني من هنا، لأنّك لن تجدي غيري يقوم على خدمتك، وقد حطّت بك الدنيا، ولا زلتِ و أنت في عمرك هذا، تعملين سحابة يومك ثم تأتين إلى بيتك فتصنعين الأطعمة لعائلات أولادك، وهم قد أصبحوا كبارا -و أنت لم تعودي بنتاً صغيرةً إلا في عيني – ثم إنك ترتمين على السرير من التعب، و تنامين من صميم قلبك، وتحلمين نعم وتحلمين مثلي تماماً، بإننا هناك تحت التوتة تماماً، نلعب بكثير من الحماسة والحيوية (بيت بيوت)..
آه كم كنتُ أحبّك؟!
آه كم لا زلت أحبّك..
خاصّ – إلّا –