Home أقلام إلّا فلسفة العقلانية و المسؤولية الأخلاقية

فلسفة العقلانية و المسؤولية الأخلاقية

by رئيس التحرير

 

???

حسن عجمي كاتب وباحث لبناني

 

تخدعنا اللغة حين تدفعنا إلى الاعتقاد بأن كل مفهوم لغوي يدل على شيء معين في الواقع. مثل ذلك أن مفهوم العقلانية يؤسس للاعتقاد بأن العقلانية تشير إلى حالة مُحدَّدة في واقعنا. لكن من الممكن الخلاص من خداع لغتنا و اعتبار العقلانية غير مُحدَّدة. فالعقلانية ليست سوى مشروع إنساني.

تتنوع نظريات العقلانية و تختلف. إحدى النظريات تؤكد على أن العقلانية كامنة في انسجام أفكار و معتقدات الفرد. بالنسبة إلى هذه النظرية الفلسفية , فقط  حين تكون معتقدات الفرد منسجمة فيما بينها يكون الفرد عقلانياً. هذا لأنه إذا كانت معتقدات الفرد تناقض بعضها البعض حينها الفرد لا يراعي مبادىء التفكير المنطقي و بذلك من الخطأ اعتباره عقلانياً. أما نظرية فلسفية ثانية فتعتبر أن العقلاني هو الذي يحقق منافع ذاته أو منافع ذاته و الآخرين معاً. من منظور هذه النظرية , فقط  حين ينجح الفرد في تحقيق مصالحه أو مصالحه و مصالح الآخرين في الوقت نفسه يصبح الفرد عقلانياً. هذا لأنه إذا لم يحقق الفرد مصالحه أو مصالحه و مصالح الآخرين حينها يضر الفرد نفسه أو يضر نفسه و الآخرين و بذلك يخسر صفة أنه عقلاني. و ثمة نظرية فلسفية ثالثة تقول إنه يجب تعريف العقلانية من خلال المسؤولية الأخلاقية. تصر هذه النظرية على أن أي فرد عقلاني فقط  حين يكون مسؤولاً عما يفعل. و بذلك يغدو الفرد عقلانياً فقط  حين يستحق أن يُعاقَب أو يُكافَأ على ما يفعل. هنا العقلانية ليست سوى مسؤولية الفرد عما يعمل و ما يترتب عن ذلك من مكافأته أو معاقبته. فلو لم يكن الفرد عقلانياً , إذن من الخطأ اعتباره مسؤولاً عما يعمل و بذلك من الخطأ أن يتلقى العقاب أو المكافأة على ما يفعل. لذا العقلانية مختزلة إلى مسؤولية الفرد و ما تستدعي تلك المسؤولية من عقاب أو مكافأة.

من الممكن أيضاً اعتبار العقلانية كامنة في قبول هذه العقيدة العلمية أو الدينية أو تلك. لكن كل هذا يُحدِّد العقلانية فيحدِّدنا و يقتل إنسانيتنا. لذا من الأفضل طرح نظرية جديدة مفادها أن العقلانية غير مُحدَّدة. لهذه النظرية فضائل معرفية عدة. فبما أن العقلانية غير مُحدَّدة ما هي , إذن من المتوقع أن تتجسد في عقلانيات عديدة و مختلفة كأن تكون متمثلة في الانسجام الفكري و مراعاة مبادىء المنطق و أن تكون متجسدة في تحقيق المنافع للذات و للآخرين و متجلية أيضاً في المسؤولية الأخلاقية. هكذا لا محددية العقلانية تنجح في التعبير عن تعدد العقلانية و تنوعها و بذلك تكتسب فضيلة معرفية قيمة. و لا محددية العقلانية تحررنا من سجون عقلانية مُحدَّدة سلفاً. لو كانت العقلانية محدَّدة في تعريف معين أو بمبادىء معينة لسجنتنا في هذا التعريف للعقلانية أو في تلك المبادىء. لذا لا محددية العقلانية ضمانة تحررنا من مسلّماتنا المُسبَقة. من هنا , لا محددية العقلانية تضمن حرية الإنسان. بكلام آخر , بما أن العقلانية غير محدَّدة , إذن تحديدها يعتمد علينا فنصبح نحن أسياد العقلانية بدلا ً من عبيد لها. هكذا تحررنا لا محددية العقلانية.

لا محددية العقلانية تنجح أيضاً في ضمان استمرارية البحث المعرفي. فبما أن العقلانية غير محدَّدة ما هي , إذن لا بد من البحث المستمر عن صفات العقلانية ما يضمن استمرارية البحث العلمي. و في هذا فضيلة أخرى للا محددية العقلانية لأن استمرارية البحث المعرفي فضيلة في حد ذاتها. كما أن لا محددية العقلانية تقضي على التعصب , و في هذا فضيلة عظمى. فبما أن العقلانية غير محدَّدة ما هي , إذن من الخطأ اعتبار هذا الفرد أو ذاك الشعب غير عقلاني علماً بأنه لا يوجد تعريف للعقلانية أصدق من التعاريف الأخرى بسبب لا محددية العقلانية. من هنا , يزول التعصب ضد الآخرين فنضمن لأنفسنا إنسانية أكبر. فعندما نعتبر أن العقلانية قائمة في صفات معينة دون سواها نتعصب حينها لتلك العقلانية المُحدَّدة ما يؤدي لا محالة إلى رفض الآخرين المختلفين عنا في عقلانياتهم و أفكارهم و سلوكياتهم. و هذا هو المصدر الأساس لنزاعات الأفراد و حروب الشعوب. من هنا , لا محددية العقلانية سبيلنا نحو قبول الآخرين و إنشاء مجتمعات إنسانية مسالمة.

العقلانية قرار مستقبلي لا بد من اتخاذه باستمرار و لذا العقلانية غير مُحدَّدة. العقلانية مشروع إنساني لأن العقلانية تعتمد على صياغتنا لها. و بذلك تختلف العقلانية باختلافنا. مَن يتعصب لعقلانية مُحدَّدة يتعصب لإنسان مُحدَّد ضد آخر.  لذلك لا محددية العقلانية طريقنا الوحيد لقبول الآخرين.

 

خاصّ  – إلّا

*حسن عجمي كاتب وباحث لبناني / الولايات المتّحدة

You may also like