×

سوريا ما بعد الأسد.. تحدّيات الاقتصاد والسياسة في مرحلة انتقاليّة مُظلِمة.

سوريا ما بعد الأسد.. تحدّيات الاقتصاد والسياسة في مرحلة انتقاليّة مُظلِمة.

FB_IMG_1739828970738 سوريا ما بعد الأسد.. تحدّيات الاقتصاد والسياسة في مرحلة انتقاليّة مُظلِمة.
محمد الشمّاع/ كاتب سوري ومؤسس حركة الوعي – الزبداني

تقف سوريا اليوم عند مفترق طرق حاسم بعد سقوط نظام بشار الأسد. سنين طويلة من الصراع أنهكت البلاد، وألقت بظلالها على كل جانب من الحياة اليومية للسوريين، من الاقتصاد الذي يعاني الانهيار، إلى العلاقات السياسية المتوترة داخليًا وخارجيًا، والتحديات الكبيرة التي تواجه مستقبل البلاد.

من الناحية الاقتصادية، تبدو سوريا في حالة انهيار شبه كامل. العملة المحلية فقدت قيمتها بشكل كارثي، مما أدى إلى تضخم مستمر يلتهم القوة الشرائية للمواطنين. القطاعات الإنتاجية الرئيسية مثل الزراعة والصناعة تم تدميرها بشكل كبير بفعل الحرب، في حين أن البنية التحتية المدمرة تحتاج إلى عقود من العمل ومئات المليارات من الدولارات لإعادة بنائها. هذا الواقع يؤكده تقارير دولية وتصريحات خبراء اقتصاديين، حيث تشير الأرقام إلى تدهور مستمر في المؤشرات الاقتصادية. ومع ذلك، تُعد العقوبات الاقتصادية المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عائقًا كبيرًا أمام التعافي، مما يترك البلاد في دائرة من الاعتماد على المساعدات الإنسانية أو الدعم المشروط سياسيًا من قوى خارجية، غالبًا ما تكون أهدافها بعيدة كل البعد عن مصالح الشعب السوري.

أما سياسيًا، فلا تزال سوريا في دوامة من الانقسامات الداخلية. الأطراف المحلية، من بقايا النظام القديم إلى الفصائل المسلحة والكيانات السياسية الجديدة، تسعى إلى فرض رؤاها وأجنداتها. هذا الانقسام الداخلي يعكس صراعًا على السلطة والنفوذ، لكنه في نفس الوقت يعوق أي إمكانية حقيقية لتحقيق التوافق الوطني. على الساحة الدولية، تستمر التدخلات من قوى كبرى مثل روسيا والولايات المتحدة وقوى إقليمية مثل تركيا وإيران، وكل طرف منهم يسعى لتحقيق أهدافه الخاصة على حساب سيادة سوريا ووحدة أراضيها. الوضع في الجنوب، وخاصة درعا، يقدم مثالًا على هذا التعقيد. فبينما تشهد المنطقة تصعيدًا عسكريًا وقصفًا إسرائيليًا أدى إلى سقوط مدنيين، هناك أيضًا توسع ميداني غير مسبوق لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يبدو أنه يستغل حالة الفوضى لفرض نفوذه. هذه الأحداث الأخيرة لا تمثل فقط تحديًا مباشرًا للسيادة السورية، لكنها تعكس أيضًا مدى الضعف الذي تعانيه البلاد في هذه المرحلة الانتقالية.

المستقبل القريب لسوريا يبدو مظلمًا إذا نظرنا بواقعية إلى التعقيدات الراهنة. التحديات تتجاوز مجرد إعادة الإعمار أو تحقيق توافق سياسي، حيث يبدو أن هناك غيابًا واضحًا لرؤية شاملة أو قيادة قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية بفعالية. كذلك، التدخلات الخارجية لا تزال تفرض شروطها، مما يعوق أي محاولة لتحقيق سيادة وطنية حقيقية. وبالرغم من الدعوات الدولية لدعم مرحلة انتقالية سلمية، إلا أن هذه الدعوات غالبًا ما تكون محكومة بمصالح سياسية وإستراتيجية لا تنحاز بالضرورة لمصلحة الشعب السوري.

في النهاية، سوريا بعد سقوط النظام ليست بالضرورة في وضع أفضل مما كانت عليه. فالطريق نحو التعافي والاستقرار طويل ومعقد، ويحتاج إلى قرارات شجاعة من الداخل وموقف دولي مسؤول يدعم إعادة البناء دون فرض أجندات مهيمنة. ومع ذلك، يبدو أن الحقيقة الأكثر وضوحًا هي أن الشعب السوري هو الذي سيدفع ثمن هذه التحولات، سواء على مستوى الحياة اليومية أو عبر التضحيات المطلوبة لتحقيق سيادة واستقرار مستقبليين.

خاص – إلا

Share this content:

مجلّة - إلّا - الألكترونية/ مجلة هادفة ذات مستوى ومحتوى سواء بما يساهم به أقلام الكتاب العرب المعروفه والمنتشرة بأهم المنابر العربية، أو بما يتمّ اختياره أحياناً من الصحف الزميلة بتدقيق وعناية فائقة، وحرصاً من مجلّة - إلّا - بإسهام المزيد من الأقلام الواعدة يُرجى مراسلتها على البريد الألكتروني / ghada2samman@gmail.com

إرسال التعليق

You May Have Missed