لماذا _ إلّا – ؟!

    ليس لديّ الكثير لأقول، ففي الوقت العصيب نلتزم الفعل لنصمت، أو نلتزم الصمت لنفعل، وأنا بين الصمت والصمت صرتُ أتعلّم وأتعلّم وأجتهد  كي أصمتَ أكثر، بعدما فقدت إيماني بالمثقّف، المثقف الذي جنح لثرثرة الرصاص وثقافة الحقد والكره والبغض والقتل والدمّ، المثقّف الذي باع الوطن، باع المواطن، باع الشرف، باع المبدأ، باع القِيَم، والإيمان، ليقبض الثمن الرخيص لشراء بعض الرفاهية والأوهام، ربّما كان محقّاً هذا المثقّف فالمحبرة جفّت بعد طول انتظار ويأس وتسويف، وبئر النفط الذي كان في “بلدي ” لا يحقّ لأقلامنا أن تغمّس ريشتها فيه، فآبار النفط التي تنعم بها “لِحَى غزاة ” القرن الواحد والعشرين اليوم، كانت حكراً على الدولة وتطلعات الطائعين التابعين المحظيين فيها لأربعة عقود وصفقات ونفقات مستورة لن يكشف عورتها إلا المنقلبين، لهذا المثقّف وجد البئر البديل ليغمّس ريشة طموحاته ويغترف من نير التضليل الذي وقع فيه المواطن وحده فريسة الحِراك وكبش الرهان وضحية الاحتمالات الفاشلة بجميع الأبعاد والمقاييس.

    من رحم هذه المرحلة المُلتبسة، المكتظّة بالألم، المتراكمة بالتشوّهات، المغلقة بالدمع الأحمر، الصدئة، المهترئة، المهيضة، المريضة، النازفة، المُدمَّرَة..

وُلِدَتْ “” إلّا “” لتنتشل الكلمة من زحمة النباح، لتستخلص الضوء من صميم العتمة، لتستعيد النزاهة من وحل الجشع، لتنقّب عن الإنسانية في مضارب التصحّر الآدميّ، لتفعل ربّما.. أو على الأقلّ.. لتحاول، بعدما عزّت المنابر واستفحلت سلطة “الخفافيش ” وأحيل قلمي إلى التصفية بقرار تضامنيّ من جميع الجهات.. فكانت-إلّا– بحجم نملة صغيرة بوسعها أن تحفر أخدودها العميق إلى وجداناتكم المتراخية، وضمائركم المتغافلة حاملة قلمي على عاتقها ليصلَ الهدف وإن بعد حين.

غادا فؤاد السمان