Home لـوثـة إلّاأدب بين الحَدْس الأدبيّ وقواعد اللغة -موضوع قابل للنقاش لمن يهوى –

بين الحَدْس الأدبيّ وقواعد اللغة -موضوع قابل للنقاش لمن يهوى –

by رئيس التحرير

د. عبد المجيد زراقط / كاتب وباحث أكاديمي لبناني – الجنوب

يُملي الحدس الأدبي على الأديب التعبير الذي يمثّل الحالة، ويؤدِّي الدلالة، فيأتي اللغوي، ويقول للأديب: هذا خطأ، كان عليك أن تقول ماتمليه القاعدة، فيقول له الأديب: “لكن ماقلته يستقيم وأداء الحالة وقواعد اللغة في اَن، إن تعاملنا مع هذه القواعد بمرونة، فيجيب اللغوي : لا.هذا لايجوز. كتبت، في إحدى قصصي القصيرة، على لسان شخصية غاضبة من جارها الذي أخذ من أرضها عشرين متراً: “-عشرون متراً أخذ”، فصحَّح لي اللغوي: نقول :”عشرين “، لأنها مفعول به مقدَّم لفعل “أخذ ” الذي لم يستوف مفعوله، قلت: هذا صحيح، ولكن التعبير جاء هكذا على لسان الشخصية التي أرادت التركيز على العشرين، وتسويغ الرفع “لغويَّاً ” ممكن.

فالأصل أن يكون الاسم في أول الكلام مرفوعاً، ونصبُه خروج على القاعدة، وقد وجد اللغويون له تخريجا هو اجتهاد يخرج على النص، و”عشرون” خبر لمبتدأ محذوف تقديره :”هي عشرون متراً أخذ “، فسأل: وأين المفعول به؟ قلت : محذوف، وتقديره “ها”، والملاحظ هنا أن الانزياح بالحذف تكرّر، وفي هذا دلالة على شدّة غضب الشخصية وتوتّرها، هكذا أملى الايجاز بالحذف مرتين، وأضفت: جاء في قواعد اللغة : يكثر حذف المبتدأ اذا كان الخبر تابعا له (التوابع: النعت البدل…)، كما في قوله تعالى: بديع السماوات والأرض…، كما جاء حذف المبتدأ والمفعول به، كما في السياق نفسه: وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون. “بديع ” خبر لمبتدأ محذوف تقديره “الله بديع “.

” فيكون”: يكون فعل مضارع تام بمعنى يحدث، والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فهو يكون، أو يحدث، وهذا الفعل لم يستوف مفعوله، فكان مقدّراً. وهنا تم حذف المبتدأ والمفعول به، كما في جملة: ” عشرون متراً أخذ ” . ثم يوجد تسويغ اَخر، وهو أن ” عشرون ” مبتدأ، والجملة التي تلي من الفعل والفاعل والمفعول به المقدَّرين في محل رفع خبر.

الحقيقة أنا لم أفكر في كل هذا التسويغ، عندما “انكتبت” الجملة وحدها، ومن دون تدخل مني، على لسان الشخصية. ولكن بعد أن أثير الأمر ،عدت الى القواعد، فوجدت أنّ الحدس الادبي، والسليقة اللغوية يمليان ماهو صحيح لغويا وجماليا ودلاليا في الوقت نفسه.

 

خاصّ – إلا –

You may also like