Home إلّا بعد الإفلاس النهائي للمعارضة السورية

بعد الإفلاس النهائي للمعارضة السورية

by رئيس التحرير

جهاد الزين / كاتب ومحلل سياسي لبناني – جريدة النهار – بيروت

الرأي العام العالمي والعربي بات مهيَّأً لاستقبال حركة دعوة سورية تكون في عدادها شخصيات ذات وزن في الخارج والداخل على مستويات متعددة: الدعوة لوقف الحرب بأي ثمن. من اللافت أن المقالات والتصريحات التي تدين الحالة الالتحاقية الكاملة لفصائل المعارضة السورية وتصفها بألفاظ شتى كالعمالة والارتزاق، من جهة، والمقالات والتصريحات التي تعتبرها فاقدة الفعالية بل غير موجودة من جهة ثانية، من اللافت أن هذه المواقف قد تكاثرت في السنتين الأخيرتين ونادى بها مثقفون وصحافيون وناشطون عرب وسوريون وغربيون لا يرقى الشك إلى تأييدهم للثورة السورية منذ البداية. كان بعضهم السوري منخرطا فيها ميدانياً في حقبة أشهرها الأولى التي كانت أنشطتها مدنية ضد العنف البوليسي للنظام قبل أن يُتخَذ القرار الدولي الإقليمي في أواخر العام 2011 بعسكرة الاعتراض السوري ومحاولة إسقاط النظام بالقوة العسكرية عبر فتح الحدود الشمالية والجنوبية لكل أنواع القوى المستعارة. إنها “الاستعارة” التي كانت كلما تزايدت تناقص بالمقابل المكوِّن السوري على مستوييْن: الأول كثافة المشاركة غير السورية في الميدان الثاني تزايد سيطرة التيارات الأصولية الإسلامية ميدانيا إلى حد تلاشي أي وجود مدني “علماني” حتى أصبح هذا التلاشي ظاهرة ثابتة ولا شك تحتاج إلى دراسة لاحقاً بحيث انحصر حضور المدنيين في إطار الدياسبورا فقط بينما كان الدينيون هم القوى المنتشرة. كما هو معروف وواضح فقد تحوّلت الحرب السورية الآن إلى حرب دول فقط إقليمية ودولية وبينها لا شك الدولة السورية أو ما تبقى منها، وهي على أهميتها القتالية ليست اللاعب الأول على جبهة تحالفاتها، إلا أنها نجحت عبر النظام الحاكم المسيطر عليها في أن تتمتع بهذا الحضور القتالي بينما لم تستطع المعارضة أو المكون السوري في المعارضة ذلك. وهذا معطى يجب الاعتراف به دون مواربة في اوساط المعارضة نفسها خصوصا المدنية. فمن المسؤول عن ظهور النظام باعتباره المكوّن السوري القتالي الأبرز في هذا الصراع رغم استعانته الكثيفة بقوى خارجية على رأسها روسيا وإيران ومعهما الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية وغيرها ورغم الطابع الواسع جدا المديني والطائفي الاعتراضي ضده في الأساس؟ ليس هنا مجال الدخول المستفيض في من هي الجهة الرئيسية التي جعلت الكفة راجحة للنظام ولكن بالامكان القول، من وجهة نظري، أن الطرف الحاسم الرئيسي لصمود النظام هو روسيا وليس إيران بالمعنيين السياسي والعسكري. وهذه وجهة نظر ليس صعبا إثباتها مهما كانت أهمية المساهمات الإيرانية والقوى التابعة لها، هذا ناهيك عن قوة الجيش نفسها والميليشيات السورية المؤيدة له. طبعا لا يستقيم هذا التقييم دون وضعه في الإطار الأوسع للثمن الرهيب الذي دفعه ويدفعه الشعب السوري ولاسيما المدنيين العزل الذي فرّوا بالملايين من مَدافع المتقاتلين في ما سيصبح أخطر عملية نزوح في تاريخ المنطقة، تتجاوز قطعا النزوح الفلسطيني وتغيّر في المعادلات الديموغرافية بل تطرح أزمة هوية في الاتحاد الأوروبي بسبب كثافة هذا النزوح التي جعلت أسماك البحر الأبيض المتوسط ولا تزال أسماكا متوحشة بسبب ما اقتاتته من أجساد الهاربين السوريين وغيرهم. لقد فجرت أحداث عفرين الاستياء على المعارضة بما رافقها ويرافقها من التحاق فضائحي ل “الجيش السوري الحر” بتركيا عسكريا ضد الأكراد الذين هم سوريون وأحدثت موجة جديدة مريرة من إدانة هذا الدور السوري باسم المعارضة بمعزل عن حسابات الدولة التركية الخاضعة لاعتبارات تخص تركيا ولا علاقة لها بالحسابات الوطنية السورية. لكن ما العمل لكي لا تبقى موجة الاستنكار لهذا الالتحاق (والتي يشارك فيها أشخاص لا جدل في معارضتهم للنظام) تراوح مكانها كي يتقدّم السجال بمعناه المسؤول؟ ألمْ ينضج الظرف لمبادرة غير مسبوقة وشجاعة يقوم بها عدد بارز من المثقفين السوريين من اتجاهات مختلفة بل متباعدة لتوقيع بيان يطالب بالوقف الفوري للحرب السورية التي أصبحت عبثية؟ مطالبة من شأنها أن تحدث صدمة معنوية تناسب المستوى الكارثي المتفاقم والمقفل سوريّاً للحرب؟ الأسماء الثقافية السورية البارزة معروفة وهي بالعشرات في الخارج أساساً والداخل واجتماعها معاً مطلوب رغم ما فعله “الدهر” و”العطار”معا؟ مع ما يُحتمَل أن يطلق هذا التوقيع بداية موجة أوسع للخروج من الاستقطاب الراهن الذي يجعل أجهزة الاستخبارات الخارجية هي التي تدير العمل المسمى زورا “سياسي” بينما بات الرأي العام العالمي والعربي مهيَّأً لاستقبال حركة دعوة سورية لوقف فوري للحرب تكون في عدادها شخصيات ذات وزن على مستويات متعددة. الدعوة لوقف الحرب بأي ثمن. أيُّ وضْعٍ لاحق لوقفها لن يكون أسوأ من استمرارها. بل حتما أفضل ناهيك طبعا أن “التدويل” في حالة السلم يصبح مفتوحا على آفاق عقلانية تسووية بل ديموقراطية لسوريا ليس مفتوحا عليها الآن ولا يمكن أن يكون كما نرى من شرشحة المؤتمرات واحدا بعد الآخر. شخصيات ثقافية تمثيلُها لنفسها في هذه الحالة هو مصدر القوة المعنوية الاستقلالية بدل معارضة تدّعي تمثيل غيرها، وهذا الغير المعارض واسع ولكنها قطعا لا تمثله. *راجع مقال جهاد الزين “السقوط المعنوي العفريني للمعارضة السورية”.
المصدر : جريدة النهار اللبنانية– الخميس 1-2-2018- 

You may also like