×

عسى الكبتاغون يكون جوابا…

عسى الكبتاغون يكون جوابا…

 

Huda-Barakat_165 عسى الكبتاغون يكون جوابا...
هدى بركات / روائية لبنانية

هدى بركات

روائية لبنانية
438 عسى الكبتاغون يكون جوابا...
نســــاء داعــــش

“تادزيو” مراهق موت في البندقيّة– قصّة توماس مان الشهيرة وفيلم لوكينو فيسكونتي الأكثر شهرة – حسم النقاش الصعب. سقوط البناء الشاهق للنظريّة القائمة على المبدأ الأخلاقي المثالي المتماسك أمام جسم الواقع ومادّته الفطرية الأولى. فغوستاف الكاتب، والذي جعله فيسكونتي موسيقيّاً وظلاًّ لماهلر، المنادي بقيم الجمال الروحانيّة، الإيجابيّة حكما والمُعلية للأخلاق، لن يلقى في صدمة غرامه بتادزيو سوى الموت…

تلك الأسئلة الكبيرة التي يختبرها الواقع هي محكّ قدرتنا على الفهم، وعلى تفسير حيرتنا عند المنعطفات الكبرى…

وأنا أشاهد كيف نقلت فرنسا جثامين أربعة من مقاوميها إبّان الإحتلال النازي لبلادهم إلى دار الخالدين في الـ بانتيون، كنت أسأل نفسي مجدّدا: في أيّة جهة كنت سأنخرط لو كنت عشت في ذلك المكان في تلك الفترة؟ وهل كانت شجاعتي التي أفترضها فيّ اليوم لتصمد أمام الخوف والتعذيب، وصناعة الجستابو التي افتتحت عهدا جديدا من تقنيات الألم، وهوّة سحيقة في الوعي البشري، ما زال يدور حولها بأسئلة حارقة لا تلقى جواباً.. شافياً. لا أستطيع ولن أستطيع إذن معرفة ما إذا كنت سأنخرط في الجهة التي- وأنا على كنبتي مستلقية هكذا- أتوهّم بقدرات لي تؤهّلني للإلتحاق بها.

في الأسئلة المعلّقة، وفي تمارين ذهنيّة عبثيّة، أتساءل أيضا – أحيانا –إن كنت في ظروف “ما”، بناء لتربية ما، في مجتمع مأزوم ما، أو بسبب فشل غرام ما، كنت لألتحق بداعش؟ كمثل هؤلاء النسوة القادمات من أوروبا وأستراليا وغيرها، من مئة بلد ويزيد، لدعم الدولة الإسلامية في سوريا، مثلا؟ أو إن كنت، لو أنّي رجل من رجال داعش، قادرا بهذا القدر أو ذاك،على القيام بما يشبه ما يقوم به هؤلاء، من حرق وسحل وتدمير إلخ… ممّا نراه أو نقرأ عنه. ذلك أن سؤالي المشروع هذا يذكّرني بأنّ البشر متشابهون كثيرا، وأنّ المنزلقات إلى هوّة الشرّ أكثر سهولة ويسرا ممّا يعتقد أي إنسان واثق من نفسه على كنبته. وإلاّ كيف أفهم/ نفهم هذه الأعداد الكبيرة الهائلة من البشر، التي ذهبت أمس وتذهب اليوم إلى صناعة الجحيم وفظاعاته؟ لم أجد رغم بحثي المستمرّ، والمضني أحيانا، أيّ جواب مقنع…

إلاّ… إلاّ اللهم ما تناقلته مؤخّرا بعض الصحف هنا وهناك عن جرائد بلغاريّة جادّة.

ويقول الخبر الموسّع، المدعّم بالوثائق والتحقيقات، إنّ “شجاعة” رجال داعش، وقدرتهم الفائقة على الإيذاء والقسوة والقتل والقتال ذي السلوك الهمجي إنما هو نتيجة تعاطيهم المنظّم لمخدّر الـ”كبتاغون”. وهذا المخدّر، الممنوع عالميّا طبعا، يتمّ إنتاجه بكميّات هائلة في أحد مختبرات الحلف الأطلسي في بلغاريا منذ 2011. وعلى سبيل المثال تؤكّد وكالة فيا نوفوستي الروسيّة الخبر، وكذلك موقع تونيزيا نوميريك التونسي، وبرنسا لاتينا الكوبي… وبالطبع كذّبت وزارة الدفاع البلغاريّة الخبر، وعلّق كثيرون على الغاية السياسيّة المرجوّة من اتهام الحلف الأطلسي…

لكنّ الصحف والوكالات المذكورة ذهبت إلى أبعد. قالت الروسيّة منها إن الكبتاغون لعب دورا “عظيما” في انتفاضات الربيع العربي، في تونس وفي مصر وفي ليبيا، كما في كييف وأوكرانيا… وأنّ تصنيعه بالكميّات الكبيرة يتمّ اليوم في سوريا…

هذه النسخة الروسيّة، على علاّتها  من أهداف السياسة والبروباغاندا، فتحت الباب على تاريخ بلغاريا في مجال إنتاج هذا المخدّر. فهي كانت استقدمته تهريبا من ألمانيا الغربية قبل سقوط الجدار، ثمّ تبنّته الدولة سرّا لإنقاذ اقتصادها المتهاوي بضخ بعض العملة الصعبة، وذلك حتّى تاريخ دخولها الإتحاد الأوروبي عام 2007. بعد ذلك استلم “الخبراء”، أي العصابات القويّة العاملة في الخفاء، عمليات تصدير الكبتاغون، ووجّهوا الإنتاج إلى الشرق الأوسط، وتحديدا سوريا الآن حيث لا رقابة بالمرّة. لكنّ خبراءهم ظلّوا يشرفون على التصنيع إذ لا غنى عن خبراتهم…

هكذا كشفت صحيفة دنفنيك البلغارية عن وجود أحد هؤلاء الخبراء-47 عاما- في لبنان حيث أُلقي القبض عليه العام الفائت، مؤكّدة، أي الصحيفة، أنّ مختبرات الأدوية الشيوعيّة البلغاريّة كانت الأقوى و”الأفضل نوعية” في إنتاج الكبتاغون، وطبعا في تدريب الخبراء بمهنيّة عالية…

علّ الكبتاغون يعطي بعض الإجابات. يا ريت!

هدى بركات

روائية لبنانية
المصدر: المدن

Share this content:

You May Have Missed