Home إلّا سأحدّثك – إلّا – حتى يدركني الصباح

سأحدّثك – إلّا – حتى يدركني الصباح

by رئيس التحرير
حسن يوسف الجوني

حسن يوسف الجوني – كاتب لبناني – صور

أحببت هذه المرة أن أعيش لحظة من أوجاعي الحقيقية هنا..فهذه الاوجاع تلامسنا جميعا..

عندما نكون غرباء عن هذا الواقع الأليم والمتعب..عندما تصبح كل الأبواب مقفلة لدينا.. ولا يبقى لنا إلا الكتابة فقط.. وقتها نصبح عاجزين عن أدنى فعل.. لا أحد يشعر بما نعانيه حتى أقرب الناس ..

– كم نحن وحيدون جداً في هذا العالم..وعندما ندوّن حسراتنا هذه ليس لأننا ضعفاء بل أقوياء قطعاً لأننا ننطق بالحقيقة.. حتى لو كانت هذه الحقيقة على حساب أنفسنا..

لا ريب أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في أنفسنا وفي شعورنا بأننا لا نستحق كل هذا الصمت وكل هذا العذاب الذي نعيشه.. فكم لدينا من أحلام صادرها منّا أحدهم يوما وحرص كل الحرص على خنقها ووأدها في أعماقنا…

ولم يكن أمامنا إلا أن نعود من جديد لإعادة بنائها، لكن هناك جدران وعقبات كثيرة لا يمكن اجتيازها إلا بثورة حقيقية.. لكن ثوراتنا لن تغيّر شيء.. هكذا يقول الحاضر والتاريخ للأسف…

صديقتي الرائعة – إلّا –  أنا لا أوجّه كلامي لك فحسب بل أوجّهه عبرك لمن يهمه ندائي أو ربّما لا يهمّه.. حين قرأتك لم أستطع أن اتخطّاك فأنت النافذة المشرّعة على الضوء الباقي لنا في ظل هذا الفساد المستشري بالعتمة والمستفحل بالظلام.. وأنت الأوكسجين النظيف في ظل هذا الوباء القاتل والأجواء المسمومة.. أنت الوحيدة التي خاضت معي المجازفة لتعلن عني ما أودّ أن أكتب..لا أبالغ في قولي هذا اإذا ما قلتُ لكِ أنني كنت ‘كالميت’ .. وانت اعدت احيائي من جديد..انا لا أتحدث عن معجزة إلهيّة هنا (فالحمد دائماً لمن خلقني وأعطاني وسواني ).. لكن ثمّة أوثان كثيرة تكرّسها المنابر صار بوسعها بكلمة واحدة تتراوح بين الرفض والقبول أن تطلق ذاك داخل دائرة الضوء، أو تعلّق غيره على مشجب الانتظار إلى ما لانهاية حتى نتآكل ونتهالك من الوقت واليأس والانهيار، ونجزم حينها أننا لن نصل الى هدم الحائط المسدود مهما حاولنا إذ تتثبّث قناعاتنا في اللا جدوى.. وتصير خياراتنا ضعيفة وإمكاناتنا التي كنا نثق أنها لامحدودة.. محدودة جدّاً أمام إرادة المتحكمين بأقلامنا وأدوارنا ووجودنا ككل ..

لقد قضيتُ عمري وأنا أكتب عن قضايا المجتمع والبيئة والحبّ والحياة..حتى صارت صفحاتي البيضاء مطلية بالحبر كعباءة سوداء تزاحمني خلف الجدران ولا أحد يسمع لها أو يسمع بها أو يسمع عنها.. فمنبري وصوتي ضعيف جداً لأنني تعوّدت على قول الحقيقة.. الحقيقة التي خسرت لأجلها الكثير.. بعدما أغلقتْ في بلدي جميع الهوامش، وأدركتُ تماماً أنه لم يعد لديّ أيّ فسحة أمل أعتبرها منصّتي حتى وجدتك – إلّا – جنتي وملاذي ..

-إلّا –  على هشاشتك كما تعترفين في مطلع العناوين، لكنك باب شاسع على الغدّ على القادم على الجديد والجدير معاً، باب ترفده نافذة كبيرة مفتوحة على التعبير عن الحقائق الكبيرة والوقائع والهامات الشامخة والأقلام الممتلئة بالمعرفة والمسؤولية والضوء..

-إلّا – لن تعرفي العزلة يوماً، ولن تتقهقري عن ريادة الدور وعن سيادة الضوء، وستكبر قبيلتك – إلّا – فقد عرفت ان تجعلي لكِ أبناءاً وأحفاداً ومريدين، يولدون معك ويعيشون بك، وتكبرون وتستمرون وتصلون إلى أقسى ما تحتمله طموحاتك الواعدة بالكثير.. فكل ما فيك جزء متجزّء منا ومتجذّر فينا لذلك اقول عنك الرائعة كما أراك ويراك كل من عرفك.. وكأنّك الوحيدة الآن التي تختلف..تمرّدت على كل شيء.. ووقفت بوجه الظلم والفساد والعبودية.. رفضت الارتهان، وآثرت الانفتاح على الجميع، ومع الجميع، وكان رأيك واضح واتّجاهاتك وخطّك ونهجك مقاوم بوجه الرخص والسفاهة والسطحية وبوجه كل شيطان رجيم.. (انا لا ابالغ اذا قلت ذلك..)

– فالحرف واللغة هي التي تصنع الأوطان وهي التي تؤسس وتمتّن الكيانات، وانا أبحث عن وطن ضائع.. أبحث عن قضية عادلة.. أبحث عن اسم لي.. ما عدت أبحث عن الحب، الحب الذي أحياني مرّة وقتلني لمرات.. حتى وجدتني غارقاً بالدماء.. فأنا مطعون بألف جرح وجرح في الآعماق.. كفاني حزنا على قلوب تائهة.. أصابتني بالمرض والاعياء..فلن يحررني إلا الكتابة.. وبالرغم من الحب..

– رأييت التافهين على قمم الجبال.. فسألتهم كيف وصلتم إلى هذه القمّة..؟!

قالوا: عبر هذه الطائرة وهذا الطيار..

رأيت المنحرفين يحرّفون طريق الحقيقة..!

سألتهم قالوا: عبر السكوت المتواصل ومن خلال الحماقة الكبيرة..

رأيت نفسي ضائعا بين هواهم وبين هواي.. رأيت روحي مشردةً بين أيديهم وبين والكتابة…

أنا اعترف لك بحقيقتي بلا زيادة أو نقصان.. لأني أدين لك بهذه الحفنة من الأوكسجين النقي عبر النافذة التي انتظرتها طويلاً وأخيراً وجدتها، كما وجد “نيوتن ” نظريّة الجاذبية بسقوط التفاحة، وللأسف مجتمعاتنا تسقط وأدبنا يسقط وثقافتنا تسقط وصفحاتنا وصحافتنا تسقط، وإلّا لم تنتشلني من زحمة السقوط المتتالي بل أحيتْني بمصل التفاؤل.

أجزم أنّ الطيور التي تسافر إلى كواكب الأحزان لا تعود إلا محمّلة بكل أنواع البكاء والصمت.. لكنها عندما تموت، تحيا ليصبح صوتها عاليا وعاليا بحجم أرض وفضاء كفضائك – إلّا -..

– انا احاول كتابة الكثير من السطور.. ولدي الكثير الكيثر منها.. ومن الأوراق المتلفة عبر الزمن كأمزجتي.. وحدها الكتابة عندما تجد سبيلها إلى الضوء كفيلة بإصلاح كل ما أتلفه الزمن في نفسي وفي أوراقي وكلّي ثقة..

لقد بدآت الكتابة باكراً وأنا مسجون في قفص الاتهام.. ممنوع عليّ تفريغ الأفكار وحمل الأقلام..فالشعر حرام.. والوعي لا يجب أن يكتمل، وكلّما نقص سهل قيادي برأيهم أكثر.. فذهبت إلى القمر أسآله فقال لي اكتب فكتبته في أول قصيدة.. خطفها الزمان وقتلها الوقت.. في المدرسة: كان استاذي يضربني على يدي اليسرى لأنّ الكتابة بها ممنوع و محرّم.. صرتُ أكتبُ باليمنى كفلّاحٍ يتلّم حقله باعوجاج.. كتبتُ الكثير من الأشعار وخبأتها من عصف الرياح.. وموج البحار.. حتى بتُّ صامتاً في حزني العميق.. ومتعالياً عن جميع الأشياء..

أرقب مجتمعاتٍ محشوّة بالكذب ومعجونة بالنفاق وممزوجة بالزيف حتى الدمار.. هذا بعض مني.. ومسلسلسي حلقات طويلة من العذاب.. لهذا أكتب لكِ – إلّا –  لأنني أدركتُ رحابتك واستمديت منك الحياة التي تتوق إليها حروفي..

 

خاصّ – إلّا –

You may also like