play youtube
xnxx
xhamster
xvideos
porn
hentai
porn
xxx
sex việt
henti
free brazzer
youpor
brazzer
xvideos
تدمير آثار بلد ما هو اقتلاع شعب من جذوره.. ففي أيّة زيارة سياحيّة لبلد أجنبي، أول ما يبحث عنه السائح هو الأماكن الأثريّة التي تعيد أمجاد الشعوب وتاريخها العريق. لكن المفارقة هي أننا لا نحافظ على نفس تلك الآثارات التي نلهث وراءها، و الأسباب وراء ذلك متعدّدة، “فترويْ” المكتشفة من قبل شليمن، وهي تسع مدن فوق بعضها البعض، قد دمرت باختراع جديد: هو الديناميت!
أمّا طالبان، فلم يبرد قلوبهم المملوءة حقداً، وعقولهم الجاهلة، الا حيى دمّروا تمثاليّ البوذا في أفغانستان سنة 2001 لكن الأخطر من ذلك، هو إخفاء آثارات بأكملها وإلحاقها بشعوب أخرى، كأن تبحث عن تاريخ للفلسطينيين فلا تجد إلا تاريخا يهودياً!
أما نحن، فلسنا أفضل ألشعوب حفاظا على تاريخنا وماضينا. وإن سألنا عن ماضينا أكثر ما يمكننا قوله:” نحن فنيقيون.” للأسف ليس الأمر بهذه السهولة كما يوضحه لنا د.ناجي كرم، رئيس قسم الأثار سابقا في الجامعة اللبنانية، ومدير معهد الأبحاث الفينيقية حاليا.
الفكرة التي تعتبر أن الأثار هي “للسياحة”، بعيدة كل البعد عن الحقيقة، فالأثار تُستغلّ للسياحة، لكنها فعليا الجزء الأهم من التراث. هي جذور الشعب في أرضه، والذاكرة الجماعية لذلك الشعب. فإن مُحيت أثار ما، فقد اقتلعت شعبا من جذوره. المتعارف عليه بين العلماء كتقليد اجتماعي، أن المستقبل يبنى على جذور الماضي، وبإمكانات الحاضر.، إذاً هو رابط بين الماضي والمستقبل. الاعتناء بها كالاعتناء بالشجر الذي يمدنا بأوكسيجين الحياة، كما تمدنا الآثار بأوكسيجين البقاء لآلاف السنين!
الوسط التجاري في بيروت هو أكبر دليل على محاولة القضاء على جذور أهالي بيروت. فقد أتت مؤسسات عالمية فيها أموال البترودولار، فقامت الجرافات بجرف الآثار تلك، ولم يترك فيها إلا التلّ الفينيقي، وهو مهمل أصلا. في وسط بيروت آثار تعود إلى خمسة آلاف سنة.
هي من نفس عمر مدينة الحرف جبيل، وفيها استمرارية الوجود، وعدم الانقطاع منذ الألف الثالث. أي أن الشعوب السابقة كالرومان لم تطرد الشعب الذي كان موجودا، والبيزنطيون والعرب قاموا بالمثل. تسعون بالمئة من آثارات وسط بيروت قد جرفت إذن.
من حظ ساحة البرج أنها بقيت كونها ملك للدولة ولا يمكن لسوليدير أن تبيعها. لم يتمّ مثلاً جرف الآثارات بين الكنائس هناك، لأن المُخطط اعتمدها كحديقة عامة.
أما جبيل فقد تم الحفاظ على آثارها، وهي من أهم المواقع في العالم. الأهم في آثاراتنا أن الشعوب سكنتها من دون انقطاع، مما يجعل ذلك مرجعا للذين ينقّبون عن الأثار.
فمثلا أريحا لم تكن مأهولة دائما والشيء نفسه في أوغاريت، فقد دمرت ولم يتكرر البناء. وبقيت المشكلة أن الحفريات في بيروت وجبيل وصيدا لم تكتمل، على الرغم من ظهور آثار جديدة. و في كامد اللوز مثلا، هناك تلّ هام جداً، يعود للألف الثالث، تضرّر خلال الحرب، ثم أرسل ابن الراحل الرئيس إلياس الهراوي جرافات ليقضي على ما تبقى منها.
أمّا في الصرفند، ثمة مدينة أثرية متكاملة . كذلك صور، وتحوي معبداً فينيقيا يعود للألف الثالث، من الفترة الرومانية-البيزنطية.لهذا قام موريس شهاب، مدير عام الآثار، بإيقاف البناء لأنه رأى أنها تكاد تمحي الآثار الموجودة في بعلبك، لم يتم التنقيب كما يجب، وهناك آثار تحت أوتيل بالميرا.
ولا بدّ من فرض الرقابة على عمليات البناء للحفاظ على أي أثار ممكن أن تكون موجودة أصلا ولم يتم التنقيب عنها. د.ناجي يخبرنا أن المدير العام الحالي سركيس خوري يعمل لكي يتم الحفاظ على الآثارات، لكن الموازنة، كعادتها، لا تكفي.
أما بالنسبة لكيفية استغلال تلك المواقع سياحيا، فالنصف تأخذه البلدية، أما النصف الآخر يذهب لوزارة المالية. بالرغم من أن الآثارات التاريخية تابعة لوزارة الثقافة، لكن استغلالها المادي يعود لوزارة السياحة. تحتل الآثارات هذه الأيام أهمية سياحية كبرى، وفي لبنان بالذات لم يعد للسياحة الترفيهية مقوماتها، بسبب ازدياد الأسعار بشكل غير منطقي.
إضافة أن الأوروبيين تهمّهم الزيارات للآثار التاريخية ، ومن هنا، تجب علينا المحافظة عليها لتنشيط السياحة، بتخفيض الأسعار وتقديم أفضل العروضات.
يخبرنا د.ناجي أن “متحف بيروت ” أهم عالمياً من “متحف القاهرة “، لأن متحف القاهرة لا يمثّل كل الحضارة المصرية، بعكس المتحف الوطني، الذي يمثّل كل الحضارات التي مرّت على بلادنا.
لكنّ المشكلة في المتحف، أن طريقة العرض ليست ملفتة، والسبب يعود إلى عدم استقدام اختصاصيين لجعل طريقة العرض تليق بأهمية الأثار.
كما يأتي تدمير الأثار التي تقوم بها جماعات إرهابية كداعش، كما فعلوا بتدمر مثلاً، فما هو إلّا اقتلاع لجذور الشعب ومَحْيٌ لتاريخ هذه المنطقة.
ومن حسن الحظ أن خرائط تدمر كلها موجودة، وبالأمكان إرجاعها كما كانت، لكن يبقى السؤال الأهم هل يعيد ذلك حقيقتها الأولى؟ .
يفضّل د. ناجي عدم إعادة بناء ما تهدّم، (كما فعل آل الحريري بالجامع الأموي في بعلبك) بل عمدوا إلى ترميمه فقط، بتغيير لون الحجر مثلاً، لتبيان أن تلك المساحة قد رمّمت.
و يعتبر د. كرم أنه توجد جمالية أكثر بعدم إكمال ما قد دمر، ويشدد د.ناجي على الخطر المحيط بتدمير الآثار، فالهدف من التهويل المحيط بالمسجد الأقصى بإمكانية تدميره، هو ضرب مركز الحج الثاني للمسلمين، أي ضرب الإيمان من جذوره.
ويتغنى موشي دايان في مذكراته بكل ما يمتّ بصلةٍ إلى الآثار وبأنها الروح الحقيقية للإنسان، وبأنها الوثيقة التاريخية للإنسان ووسيلة خلوده!
وبالطبع ما يفعله الدواعش وأربابهم الصهاينة هو خير دليل على المخطّط الخبيث الذي ينفذونه حرفيا وخطوة خطوة لاحتلال المنطقة وتفريغها والقضاء على معالمها.
أتمنى ألا نستيقظ يوما ما في أرض قاحلة، لا يحيط بها إلا الرماد، وما هو في واقع الأمر إلا بقايا حضارة وتاريخ نكون قد نسيناهما، وتلهينا بردّات فعلٍ تجاه بعضنا البعض لا جدوى منها وبعد فوات الأوان، ولا توصلنا في النهاية إلا إلى حتفنا المخطط له دون أدنى شك.
إعداد الحوار والتنسيق / ديانا الزين أكاديمية لبنانية – بيروت
خاصّ – إلّا –
عبد العزيز اسماعيل.. عندما اختارَ منصّة المسرح لتكون عالمه وقف عليها بجدارةٍ وتحدٍّ وقرار، فلم يقف ليؤدي دوراً اعتباطياً، بل آثر أن يجعل منها منصّةَ واقع لا تحريف فيه ولا تدجيل ولا طلاسم ولا مراوغة، حقيقيّ هو، صادق، حساس، جريء، وسعّ مداركه، ووعيه، وأدواته، وثقافته، ورؤيته، وعالمه، ليبرر ضيق الأفق المتاحة، ويتعالى على الحدود المرسومه بحذر شديد، نجح باعتراف الجميع لكنّ الغصّة كانت أكبر من الفرح المُرتجى، حصد الجوائز وشهادات التقدير ووابل من التصفيق الحار لكن عينه كانت تقتفي أثر مالم يتحقّق بعد عبر آفاقه التي لا تحدّ، المشوار ليس طويلاً وحسب بل شائكاً وصعباً وأشبه بالمستحيل وعزاؤه أنه يملك مفاتيح المحاولة، ألا وهي الكتابة التي تؤسس للفعل المسرحي، على أمل أن تتّسع المنصّة على امتداد الواقع، ويصير الحلم حياة تليق بمبدعيها..
كان لمجلّة – إلّا – هذا الحوار الخاصّ مع الفنان الكاتب المسرحي عبد العزيز اسماعيل الذي لم يتردد في تسجيل إجابات تضيف لمسيرته الكثير من الاعتداد والثقة.
* الجميع يعلم أن منصّة الواقع السعودية تضيق على بعض التفاصيل اليومية، كيف اتّسعت منصّة المسرح لمؤلفاتك وأدوارك؟
– رغم ان الواقع السعودي له خصوصيته ولكنه لا يختلف كثيرا في شروط الابداع عن الكثير من الدول العربية .. فكلها محكومة بتضخّم الرقيب الداخلي والخارجي لدى المبدع ،، وقد بدأتُ كتابة النص المسرحي الاول ” الصرام ” بعد تجربة في التمثيل المسرحي امتدتْ اكثر من 18 سنة تقريبا، كانت كافية لمعرفة حدود الهامش المتاح لطرح القضايا والهموم اليومية دون صدام حادّ مع الرقيب او الجهات المنفّذة، اصبح ذلك فيما بعد تحدي حقيقي امام الكاتب، حيث كلما اتسعت التجربة كبرت معها الافاق التي يسعى الكاتب لملامستها والتقاطع معها في النص، كان اصعبها غياب العنصر النسائي في المسرح السعودي .. حيث لا يوجد حل مناسب.
* يعتبر عبد العزيز السماعيل من المؤسسين للحركة المسرحية في المملكة العربية السعودية، كيف كان وقع هذا الحضور على الجمهور عموماً وعلى الرقابة خصوصاً؟
– نحن جيل جئنا في زمن الرواد الاوائل، وعايشناهم في منتصف السبعينات “المُوريدية ” من القرن الماضي ، وبالتالي لهم الفضل في الريادة علينا، فتعلمّنا منهم واخذنا الطموح وتحمّلنا نفس الهموم ايضا، حيث كان كل عمل فنّي اقرب الى المغامرة منه الى العمل التام والمكتمل ،، وفي الكتابة ايضا ، فمنذ مغامرة كتابة النص الاول الذي كتبته ” الصرام ” وهي كلمة تعني موسم حصاد التمر في الاحساء مدينتي التي ولدت وترعرت فيها .. كان جواب الرد من المسرحيين والجمهور حاسما ومشجّعا للاستمرار في الكتابة ، لانه يعشق الحسّ الشعبي والتراق كما في المسرحية، التي حصلت ايضا على جائزة افضل نص في مسابقة مسرح الجنادرية عام 1997 م .
* الجميع يشهد جهودك الخلّاقة في عالم الإدارة والتأليف، كيف استطعت أن تتنازل بهذه السهولة عن دورك الرائد في رئاسة جمعية الفنون، وأنت بأوج نجاحك؟
بكل صراحة .. ادارة الثقافة والفنون في المملكة صعبة جدا على كل من يتولاها .. لانها حركة ليست مدعومة بشكلٍ كافٍ لا ماديا ولا معنويا من الدولة .. فالعمل في إدارة الثقافة يتطلب جهودا ذاتية مضاعفة على حساب كل شيء تقريبا في حياة المسؤول .. وقد عملت 19 سنة تقريبا من حياتي الفنية في إدارة الثقافة ابتداء من إدارة المسرح في جمعية الدمام وحتى الادارة العامة للجمعيات في الرياض ،، فكانت عدد السنوات الاربع تقريبا التي قضيتها في الادارة العامة بالرياض وقبلها سنوات مماثلة في إدارة فرع الجمعية بالدمام وقبلها في اقسامها المختلفة هي الحد الاقصى الذي استطعت تحمله وقدمت فيها كل ما استطعت تقديمة، وقد أدركتُ أهمية هذا الزمن مبكرا – لاعود الى حيث أحب ان اكون أصلا .. كاتبا وممثلا أو مخرجا ولكن تعاقب المسؤولية الادارية حرمني من ذلك، ولم احصل على حريتي إلّا مؤخّراً في 2015 م عندما قدّمت استقالتي من الإدارة وتبعاتها ومطلباتها.
* تكتب وتمثّل وتخرج هل هذه الجهود حصيلة مواهب متنوّعة، أم نتيجة متابعة علمية ودراسة معمّقة؟
مثّلت في المسرح حتى الآن أكثر مما كتبت وأقل كثيراً مما أخرجت بسبب الارتباط بالعمل الإداري .. وحيث لا توجد لدينا معاهد أو أكاديميات متخصّصة لدراسة المسرح والفنون الأخرى عموما في المملكة .. لم أدرس المسرح ولم تتح لي فرصة دراسته للأسف خارج المملكة، فبنيت ذلك من الخبرة والممارسة والاطلاع الواسع على المراجع والكتب .. ولم أجد تعارضاً بين ممارسة التأليف والاخراج والتمثيل .. بل انسجاماً وتكاملاً كما يقولون .. رغم أنّ تركيزي الحالي على التاليف فقط .
*الفن يحتاج إلى سقف عالي من الحرية ومساحة شاسعة للتعبير، كيف استطعت أن تقدّم فنّاً أصيلاً ضمن محظورات المجتمع السعودي الأكثر انغلاقاً على قبول الإختلاف والمغايرة؟
الاصالة مصطلح ضبابي دائما واتركه للنقاد والمشاهدين للحكم عليه في اعمالي .. ولكننا في مقابل مجتمعنا المحافظ نواجه صعوبات دائمة في العروض المسرحية تحديدا اكثر من التأليف .. ولا يزال التطرّف “الديني ” يحارب المسرح والفنون عموما في كل مكان يوجد فيه ، وينجح في الكثير من الاحيان للاسف .. الا ان الفنان المسرحي الحقيقي الذي يؤمن بالمسرح والفن عموما ليس أمامه خيار سوى ممارسة هوايته وحبّه لهذا الفن .. وجمال المسرحيين السعوديين هو إصرارهم على الاستمرار وقبول التحدّي دائما دون كلل لتقديم مسرح راقي وممتع في نفس الوقت .
*المسرح لا يمكن أن يقتصر على أدوار الرجل فقط بل يحتاج ليكتمل على العنصر النسائي، كيف يتلافى المسرح السعودي هذه الثغرة الكبيرة؟
هذه الثغرة في غياب العنصر النسائي ليس لها حل سوى وجود المرأة على الخشبة فقط ، ولكن المسرح قادر على تقديم عروض مسرحية ذكورية جيدة وناجحة، ولا شكّ أن غياب المرأة عن المسرح أساء للمسرح وقلّل كثيرا من نجاحه اجتماعيا، على عكس الدراما التلفزيونية السعودية التي تقدّمت كثيرا في نجاحها اجتماعيا بوجود العنصر النسائي فيها. ولكن في اعتقادي أن هذا الغياب القسري للمرأة خلق تحديا للمسرحيين السعوديين إذ قدّموا من خلاله أعمال جيدة ونجحوا في الحصول على الكثير من الجوائز في المحافل العربية وحتى الدولية ..
*هل يحتفي الإعلام على تعدّد وسائله بتجربتك الفنية كما يليق بها..؟
الاعلام لدينا لا يحتفي كثيرا بالمنتج الفني عموما .. ولا بالمبدعين الا نادرا .. ويكتفي بنقل الاخبار والتقارير الفنية فقط .. بسبب غياب الناقد المسرحي المتخصّص .. أو بسبب الحضور الضعيف نسبيا للمسرح في المجتمع السعودي .
*مامن نقابة تكفل احتياج الفنان في العالم العربي، باستثناء سوريا التي أولت القيادة فيها الاهتمام الأكبر بالفنان، كيف تلبّي احتياجاتك المادية، في ظلّ هيئة الأمر والنهي التي تتأبّى سيرة الفن جملة وتفصيلاً؟
لا يوجد فنانون محترفون أو متفرغون لدينا للفن أو المسرح .. الكل يعمل ويمارس هوايته على هامش عمله الرسمي وأنا واحد منهم ، باستثناء عدد قليل يعدّون على الاصابع لهم ظروفهم الخاصة جدا .. لذلك كنت أنصح المسرحيين الجدد بعدم المبالغة في التضحيات من أجل المسرح لأنه مجرّد محطة إبداعية لا طائل منها ولا ثمرة فيها على الأقل في المدى المنظور.
*ماهو طموحك المستقبلي لتطوير الفن المسرحي في المملكة، وهل ثمّة إقبال جماهيري كبير يحضر النشاطات المسرحية فعليا؟
من خلال التجارب التي رأيتها وشاركت في الكثير من المحافل والمناسبات العربية والدولية يتّضح أن لدينا مبدعون في كافة عناصر العمل المسرحي لا يقلّون كفاءة وتميزاً عن غيرهم في الوطن العربي، وقد نالت العروض والافراد جوائز كثيرة .. كما أن مسرحنا قد صبح له تاريخ حيث بدأ متزامنا تقريبا مع دول الخليج ولم يتخلّف عنهم .. لكننا تخلّفنا في تنميته والعناية باحتياجاته .. فلا نزال بلا أكاديمية متخصّصة في علوم المسرح ولا يوجد مباني حديثة متخصّصة للعروض، ولا قوانين وأنظمة تحمي الفنان وحقوقه الابداعيه بشكل ملائم، ولا مسرح مدرسي نشيط ايضا لصناعة تربية مسرحية تقلل من ثقافة الاستهلاك للمسرح الترفيهي .. لذلك لا زالت أحلامنا كمسرحيين تتوارث من جيل الى جيل للاسف دون جديد في البنية التحتية المهمة لبناء تراكم معرفي وفني مع الزمن وهو أكثر ما خسرناه في هذا المجال حتى الان .
*المسرح هدف ونقد ورسالة على مختلف الأصعدة، هل تحمّل مؤلفاتك وأدوارك المسرحية شيئاً من هذا القبيل؟
الكتابة للمسرح بالنسبة لي وجود ومتعة في الحياة، كما هي الكتابة الابداعية في الشعر مثلا او الموسيقى .. لا بدّ من التأليف والكتابة والابداع حتى تشعر بأنك كائن حي وموجود .. لذلك أحب الكتابة وأعتقد أن مؤلفاتي تحمل نفسي وهمومها والا لما كتبتها، ولا أزال أحاول الكتابة بنفس الروح والنفس لإضافة نصوص يحترمها الجميع .
* أين تقف حدود جرأتك المسرحية، وأين تتواصل؟
كنت قد بدأت الكتابة كما قلت مُدركا بشكل واضح لحدود صلاحيات الرقيب والظرف الاجتماعي الذي نعيشه عموما، الان أنا مدركٌ أكثر بأن الكتابة يجب أن تكون حرّة، وأكثر جرأة في تناولها للهموم الانسانية والاجتماعية، يجب الان الكتابة من أجل الكتابة الابداعية الخالصة وليس لمطابقة مواصفات الرقيب وإرضائها.. بعد ذلك يمكن التفكير في تنفيذها كاملة أو حتى مختصرة لا يهم .. مادام النص يحمل فكري ورؤيتي بكلّ حرّية.
بعض الملامح من السيرة الذاتية :
الاسم : عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العزيز السماعيل
الصفــــة الفنيـــــة : كاتب درامي ومخرج وممثل مسرحي
مكان وتاريخ الميلاد : مدينة الاحساء – الهــفوف – 1976هـ 1957 م
——————————————————————————
المهام الوظيفة في مجال الثقافة والفنون :
4 : التأليف المسرحي :
التكريم :
خاصّ – إلّا –
أنتشرت في غوغل وخصوصا في الأوساط العربية التي تعتبر المستهلك الأول للتكنلوجيا, حتى أصبحت أشاهد المواقع والمنتديات تتسابق في تقديم الدعوات للتسجيل في الموقع وكأن الموضوع شيء غالي جدا وصعب المنال بل هناك من يروّج لفكرة حياة أو موت فأنت الآن تستخدم الأنترنت وليس لديك حساب على شبكة غوغل الأجتماعية وأعتقد أن الأيام القادمة سوف تحوّل الأمر إلى فضيحة كبيرة سوف تطالك فأنت الأن بلا هوية على شبكة غوغل كما حدث ويحدث في شبكة الفيس بوك والله يستر أن لا يتحوّل الأمر إلى فتوى شرعية بارتكابك إثم سوف تحاسب عليه لو لم تشترك في +Google
لنعد إلى بداية القصة, العقل العربي المستهلك تجذبه مثل هذه الأشياء فوجوده على الأنترنت يجب أن يكون لتضييع الوقت والتواصل والشات والتعرف على أناس جدد وتعزيز القيم الحضارية العربية في الأوساط العالمية والمضحك المبكي أن مواقع الأخبار التقنية المروجة لمفهوم ونظرية الاستهلاك العربي للتكنلوجيا من خلال اطلاعه على آخر ما توصل له الغرب من اختراعات وتقنيات جديدة لكي يستهلكه قد أشارت إلى نقطة في غاية الاهمية وسوف أضعها بالخط العريض” يجب أن تضع اسمك الحقيقي وتشهره للجميع لو أردت الدخول في مجتمع غوغل ” والحجّة التي برّرت شركة غوغل فيها هذا الأمر هو بناء شبكة موثوقة على الأنترنت.
لننظر إلى الموضوع من زاوية أخرى, أنت ترتبط بغوغل الآن من خلال محرك بحثها وبريدها الالكتروني وتشاهد الفيديوهات على موقعها الخاص YouTube وقد تقرأ الأخبار على صفحاتها ولديك مفضلة لأكثر المواقع التي تزورها بالاضافة إلى أنك تترجم من خلالها ما تحتاج والهدية الآخيرة التى تريدها غوغل منك ملفك الشخصي وأسمك الحقيقي وأصدقائك ومحادثاتك معهم ,هل بدأت تتخيل الأمر معي ؟؟؟
ملف كامل عنك تعجز عنه أقوى وأخطر أجهزة المخابرات في العالم ومن بينها الـ CIA والموساد . وحضرتك تقدم لهم كل مايريدوه على طبق من ورد وفوقه بوسة وشكر كبيرة للشخص الذي قدم لك دعوة للدخول إلى مجتمع غوغل المزعوم.
كيف يمكن جمع المعلومات وإبراز خصوصياتي ؟
قد لايتخيل أحدكم المصائب التي قد تلحق أي شخص يستخدم خدمات غوغل بشكل دائم ومن أخطرها على الأطلاق محرك البحث فمع دخولك عالم غوغل الاجتماعي سوف تكون مسجل لديهم وأسمك الحقيقي مخزن على أجهزتها وما أن تبدأ البحث في صفحات الأنترنت حتى يبدأ الموقع تسجيل كل كلمة وكل حرف تقوم بالبحث عنه في غوغل وأغلبنا يعلم أن محرك البحث والأشياء التي نبحث عنها أحيانا تعكس شخصية الأنسان وتعكس ما يمرّ في حياته الشخصية وتكشف فضائح ليست على بال أحدكم , سوف أروي لكم قصة حدثت معي مرتان لكي تشعروا بخطورة غوغل , المرة الأولى كانت مع فتاة تعمل في أحد الشركات والتي طلبتني لحل مشكلة فنية في طابعة الجهاز ولزمني حينها البحث عن شيء معين على غوغل وما أن ضغطت على أول حرف في خانة البحث حتى ظهرت لي قائمة بالكلمات والجمل التي تم البحث عنها مؤخرا وأول النتائج كانت جملة لم ولن أنساها في حياتي وكانت كافية لتحويل نظرتي إلى هذه الفتاة إلى نظرة لايمكن لأحد أن يتخيلها ولن أبوح لكم بها فهي سيئة جدا جدا جدا , ونفس القصة حدثت مع موظف آخر وماكان يبحث عنه كان مزلزلا, والأمثلة كثيرة وقد تشمل كل واحد منا أحيانا , حتى نتائج بحثك على الـYoutube تعكس ما يمر فيك في حياتك لو في حال حللنا عملية البحث من الناحية النفسية , وخطوة غوغل الجديدة أتت لكي تربط كل الخيوط ببعضها البعض ولتكون عنك أحد أكبر التقارير الاستخباراتية و التي قد تصل إلى إبتزازك وإدانتك.
من زاوية أخرى أرى أن الفيس بوك ليس بخطورة غوغل فهناك توجد صورك أصدقائك أقربائك لكن لايوجد بريد الكتروني ولا محرك بحث ولامفضلات والخ… (بالنسبة لي لا أرى فائدة كبيرة من الأثنان لو في حال كان الامر مجرد تواصل فقط.)
قد تقول لي وما حاجة لغوغل بخصوصياتي وتفاصيل حياتي وهنا أقول لك أنك لست مصيبة بل مصيبتان في آن واحد ولم تفهم معنى الخصوصية وكشف تفاصيل قد يعجز عنها أقرب الناس إليك وتعجز نفسك أيضا عن السماع بها…
هذه رسالتي لكم فكونوا على حذر فأنتم الآن مسجلون رسميون عند غوغل وكل ما تفعلوه على الأنترنت سيتم تخزينه في ملفاتكم وسوف يأتي يوم يستفاد منه وبدون أي استثناءات شخص عادي كنت أو خبير أمن أو رئيس جمهورية ومبروك عليكم الدعوة لغوغل ولشبكته الاجتماعية وأعذر من أنذر ودمتم بود.
الأفكار المطروحة في المقال تمثّل وجهة نظر كاتبها.
بعد انقطاع طويل، وإضراب عن السفر امتدّ لأكثر من عقدين من السنين ليس بعيداً عنه تفادي الطائرات وحوادثها وعدم القدرة على تمويل السفر والإقامة في الخارج، لفترة ولو كانت قصيرة، كحاجة وضرورة لتشريج يطال حياتنا التعبة كما نفعل مع أجهزتنا الخلويّة والألكترونيّة…
كانت الرحلة من خلال وفد كبير من الجامعة اللبنانيّة، أساتذة وطلاباً، ضمن برنامج علميّ ثقافيّ للتعرّف عن كثب على بلد عصر النهضة وتماثيلها ومنحوتاتها وجداريّاتها وهندستها التي يعجز الحاسوب الإلكتروني عن إحصائها لكثرتها، ناهيك من رغبة خاصّة بسماع لغة أهل إيطاليا المغناة.. برونتو، تشاو، بلليسما، بونجورنو، كوم ستاي، كوانتو كوستا… ولتذوّق البيتزا والسباغيتي من مصدرها.
لم تكن المرّة الأولى التي أزور بها إيطاليا، فالمرّة السابقة كانت بداية التسعينيّات والتي دامت ما يُقارب الشهر، آتياً من باريس أثناء دراستي وإقامتي بها، وقد ذكرتُ تلك الزيارة في كتابي “غرنيكا الخيام…”، إطلعتُ خلالها على أمكنة كثيرة قاسمها المشترك روائع عصر النهضة الإيطاليّة، ولا سيّما روائع مثلثها الذهبيّ (دافنشي، أنجلو، رفاييل)، وما قبلهما وما بعدهما من تيّارات ومدارس فنيّة كالتريشنتو والمانيريزم والباروك والروكوكو…
في اللحظة التني دخلتُ فيها الطائرة في مطار بيروت أحسستُ أني أترك كلّ متاعبي ووجودي وكياني قاذفاً بها من شباك الطائرة إلى كومة القمامة المتراكمة في شوارعنا. أحسستُ برغبة في الصراخ الافتراضيّ إلى الخارج بأعلى صوتي آآآآآآآآآخ، أين منها صرخة الفنان التعبيريّ “إدغار مونش” في عمله الشهير “الصرخة”. لا أعرف لماذا أحسستُ بولادة جديدة تنبعث من مقعد الطائرة حيث أجلس. لم أعد أهتمّ بشكل الطائرة البلطيقيّة العتيقة التي أقلتنا إلى إيطاليا، والتي أكل الدهر عليها وشرب، والتي قِيل عنها الكثير من خلال تعليقات الزملاء المسافرين ضمن المجموعة.
فينيسيا:
وصلنا بسلام إلى إيطاليا. هبطنا في مطار فينيسيا “البندقية”، يا لهذا الإسم العسكريّ! لطالما حلمنا بزيارة تلك المدينة الغارقة في أحضان المياه مستحمّة دون غرق أو بلل والتي أظهرتها إحدى الإعلانات التلفزيونيّة مؤخراً “La vita e bella” تجعل المشاهد يطير ليسبح مع موجودات الإعلان في أحضان المدينة العائمة..
كان الجوّ حاراً لا يُطاق، لم تعهده المدينة من قبل. درجة حرارة أشبه بحرارة الفرن، ممّا بعث روائح كريهة في بعض الأمكنة من المدينة ناتجة أحياناً عن المياه الآسنة التي تلطم الجدران والأبنية بسبب حركات الزوارق الخشبيّة ومجاذيفها المتجوّلة بين المباني حاملة معها أفواجاً من السائحين الفضوليين.
كان علينا زيارة المدينة على عجل عبر الركض المتواصل في شوارعها للعودة إلى مكان التجمّع المتفق عليه قبل التفرّق وإلا الضياع والالتحاق بالمجموعة فيما بعد في مكان آخر من ميلانو المحطة الثانية في زيارتنا على مسؤوليّة الفرد الشخصيّة، فكانت عيوننا شاخصة دائماً باتجاه العلم اللبناني المرفوع على قضيب رفيع متوسّط الطول ليراه الجميع، وكما تفعل باقي التجمّعات الأجنبيّة الموجودة في الساحات والأمكنة ضمن هذا البحر البشريّ من السائحين من مختلف الجنسيّات والألوان. تعرّفنا في فينيسيا على زواريبها الصغيرة المقتظة بالزائرين وروّاد المطاعم والمقاهي ومحلات بيع المنتوجات الإيطالية من ثياب وأحذية وأشياء كثيرة للذكرى. زرنا كنيستها المزيّنة حوائطها وأرضيّتها بالفسيفساء في مرحلة ما قبل النهضة، من بيزنطيّة ورومانيّة وغوطيّة، وغناها بالتماثيل التي تمثل رجال الدين يأتي على رأسهم القديس “سان بيير” أوّل بابا عرفته إيطاليا والعالم. تناولنا فيما بعد، وعلى عجل، غداء سريعاً شهيّاً في أحد مطاعم الأزقة الضيّقة مع استعمال بعض الكلمات الإيطاليّة التي حفظناها غيباً في لبنان قبل توجّهنا إلى إيطاليا، يُضاف إليها بعض من الانكليزيّة والفرنسيّة حيث لاحظنا أنّ الثانية لا يجيدها الإيطاليون، إلا القلة القليلة منهم، على عكس الأنكليزية، لغة البيزنس، التي يمكن أن تتفاهم بها مع الإيطاليين دون مشكلة.. مع استثناءات طبعاً.
إجتزنا، أثناء مغادرتنا المدينة، الجسور الكثيرة الموجودة على حافتها للتنقل فيما بعد بحراً باتجاه المكان الذي يوجد فيه الباص الذي سيقلنا إلى مكان آخر، والذي رافقنا على امتدادا رحلتنا داخل إيطاليا.
ميلانو:
توجّهنا نحو “ميلانو”، محطتنا الثانية، لمشاهدة الحدث العالميّ الذي يحصل مرّة واحدة كل خمس سنوات، وأعني به “إكسبو ميلان” الذي حجزنا تذاكر دخول إليه عبر الأنترنت قبل مغادرتنا لبنان. تشارك في هذا المعرض الدوليّ معظم دول العالم التي تتبارى في عرض منتوجاتها وهندستها وفنها البنائيّ الذي يتفاوت أهميّة وجمالاً تبعاً للدول المشاركة وما تنتجه عبقريّتها وخيالها من إبداع فنيّ. لا نبالغ إذا قلنا أنّ الركن اللبنانيّ كان الأضعف حضوراً باستثناء عبقريّة التبولة والحمّص والفلافل التي تجاوز سعر الصحن الواحد الصغير منها بحجم كف اليد الواحدة، أو السندويش، الخمسة عشر “إيرو”. تناولنا وجبتنا في المطعم الألماني الذي تعشق زوجتي سوزان فريقه الرياضيّ “بايرن ميونخ” مع شراء بعض الأمور الصغيرة للذكرى.
ما أثار دهشتنا وإعجابنا أكثر من أي شيء آخر في المعرض هو السيرك الإيطالي الذي أبدع به قائموه أيما إبداع، فكان منوّعاً أخاذاً بكل المعايير والحركات المرفقة بغناها وتنوّعها وإضاءاتها ومهرّجيها الذين تجوّلوا بين الحضور ليشاركوهم لعبة المسرح ضمن هرج ومرج متواصلين.
في اليوم الثالث كانت زيارتنا لمنطقة تُسمّى الأراضي الخمسة “شينكوي تيرّي”، اقتصرت الزيارة على رؤية ركن صغير جداً من هذه الأراضي وهو ركن إمتاز بجماله الطبيعيّ والجغرافيّ على شاطىء البحر ولون شاطئه الذي تميل حصاه إلى الرماديّ. حينها أخذت السماء تلقي بمخزونها من الأمطار، صدّقنا حينها ما قِيل لنا أنّ الطقس في إيطاليا متقلب جداً يميل إلى الصحو ثم الأمطار بشكل مفاجىء! إلا أنّ هذا الطقس لم يمنع روّاد السباحة من التمتّع بعذوبة المياه، الذين اعتادوا على ما أظنّ على مزاجيّة السماء في هذا الركن من العالم. حصلت حادثة مع إحدى الزميلات المرافقات، قبل صعودنا إلى القطار الذي أقلنا إلى تلك المنطقة، بأن تعرّضت إلى عملية نشل فقدت خلالها محفظتها الصغيرة مع مبلغ أربعمئة أيرو إضافة إلى هويّتها اللبنانيّة بالرغم من الحذر الشديد الذي كان سائداً بين المجموعة من حصول عمليات نشل هناك لوجود متربّصين دائماً بالسواح لسرقتهم.
المحطة التالية كانت زيارة برج “بيزا” الشهير المائل الذي تحس عند رؤيتك له أنه سيسقط على المتفرجين الكثر الذين يتحلقون حوله لأخذ الصور، أو كأنه يقوم بتحيّتهم عبر إنحناءة احترام منه للجموع المحتشدة التي أجرت بعض السيناريوهات أو الخدع البصريّة عبر التقاط الصور مع البرج أو بمحاذاته محاولين منعه من السقوط عبر تشكيل اليدين عن بعد بوضعية الداعم له، كما فعل كاتب هذه الكلمات ناشراً الصور على صفحة التواصل الاجتماعيّ.
فلورنسا:
وصلنا في اليوم الرابع إلى فلورنسا المدينة التي أنجبت كبار فناني عصر النهضة والتي أحببناها أكثر من أي مدينة أخرى، كميلانو مثلاً، بالرّغم من أهميّتها كعاصمة اقتصاديّة لإيطاليا. كان لنا في فلورنسا أكثر من لقاء مع عائلة “ميدتشي” التي حكمت حينها، وكانت راعية للفن وللفنانين، والتي عرفت فلورنسا على يد هذه العائلة عظمتها الفنيّة. زرنا بعض الأمكنة التي كانت مقرّاً لهم، والجسر الذي كان ممرّاً خاصّاً للعائلة، والجسر الآخر المحاذي له الذي كان ممرّاً لهم في المناسبات العامّة. زرنا الأمكنة التي عاش فيها “ميكال أنجلو” ودرس الفن صغيراً، والشارع الصغير الذي وُلد فيه الفنان “بوتيشيللي” صاحب لوحتي “ولادة فينوس” و”الربيع” الموجودتين في مُتحف “الأوفيس” في فلورنسا. تحسّ وأنت تزور تلك الأمكنة أنك تحيا اللحظات التي عاشها هؤلاء، تحسّ أنهم يتحرّكون إلى جانبك ويمارسون فنهم دون اهتمام بالحاضرين. هم فنانون أزليّون لا يتوقفون عن الرسم والإبداع. يا لها من لحظات رهيبة مقدّسة يعيشها الزائر إلى تلك الأمكنة! تزخر المدينة بجنائنها وهندستها وتماثيلها الموزعة أنى حطّت عيناك. هنا يقف البرج الذي بناه ” جيوتو” مبشّر عصر النهضة، والذي قال عنه “دانتي” أنه الرسام أو المصوّر الأكثر شهرة في عصره. وهناك حديقة “بوبولي” وكنيسة “سانتو سبيرتو” و”سانتا ماريا نوفولا”… محطتنا الرئيسة كانت كنيسة “سان فرانسوا أسيز” التي أبدع بها “جيوتو” أعماله الفريسك بداية القرن الرابع عشر (شنكوي شنتو) التي حضنتها كتب تاريخ الفن، فرأينا عن كثب تقنيّته وألوانه وقصصه ومحاولاته التجديديّة في رسم الأمكنة عبر المنظور الثلاثي الأبعاد. رأينا في الطابق الأرضي لوحات الفريسك الثمانية والعشرين التي تمثل إيقونوغرافيا القدّيس المذكور. أعمال لا تقلّ روعة عن أعمال الفنان “ميكال أنجلو” في كنيسة “السيستينا” في الفاتيكان في روما. أمّا في الطابق العلويّ، فجاءت الأعمال أيضاً امتداداً لأخواتها في الطابق السفلي، وقد يظنّ المرء أنّ منفذها هو الفنان “جيوتو” نفسه لتقارب الأسلوبين، لنعلم من خلال الدليل أنّ مجموعة من الفنانين المعاصرين لجيوتو قاموا برسم هذه الجداريات بتاثير من أسلوب هذا الفنان الكبير.
من الأمكنة التي لا يُمكن نسيانها في منطقة فلورنسا، بازليك “سان فرانسوا داسيزي” وفيلا “ديستي” وحديقة “تيفولي” الأجمل الأخاذة بنافورتها وبركها وأشجارها وورودها وهندسة حدائقها… مكان أشبه بالجنة في الكتب السماويّة.
في الرحلة ثمّة ثغرات كثيرة كعدم تكريس برنامج لزيارة المتاحف وبعض الأمكنة التي تحتوي أعمالاً لفنانين مصوّرين سوى الموجودة منها على جدران الكنائس والأبنية التي قمنا بزيارتها حيث شعار الرحلة كان هندسة العمارة فقط لانتماء معظم فريق الرحلة إلى قسم الهندسة المعمارية والداخليّة. لم تخصّص أيضاً زيارة لجدارية الفريسك “العشاء الأخير” الأشهر في التاريخ النهضوي للفنان “ليوناردو دافنشي” في كنيسة “سانتا ماريا” في “ميلانو”، والتي على الزائر أن يحجز بطاقة دخول إلى المكان قبل نحو ثلاثة أشهر من الزيارة، كما أخبرنا الدليل الإيطالي الذي كان يُرافقنا حينها. وهناك أيضاً متحف “الأوفيس” في فلورنسا الذي غاب عن برنامج الزيارة، هذا المتحف الذي يضمّ أعمال الفنان “بوتيشللي” ولا سيّما عمليه، اللذين أشرنا إليهما سابقاً “ولادة فينوس” و”الربيع” اللذين تسنت لي رؤيتهما أثناء زيارتي السابقة للمدينة أوائل التسعينيّات حيث امتدذت الحشود أمام اللوحات، ذكّرتني بحشود اللوفر في باريس أمام لوحة الموناليزا، أو الجوكندا.
قبل توجّهنا إلى إيطاليا نصحنا أحد الأصدقاء بارتياد مطعم فلورنسي يُعرف بمرتاديه من الفنانين العالميين المشهورين، علنا نكون جزءاً من هؤلاء، أذكر منهم جون ترافولتا على سبيل المثال. إسم المطعم باللغة الإيطالية “إيل بروفيتو” وتعني النبي. كنا ثلاثة رجال وثلاث نساء. وضعنا لائحة الطعام بين أيدينا باللغة الإيطالية التي لم نفقه منها شيئاً. حاولنا الاستعانة بالشيف ليشرح لنا المحتويات لكن دون جدوى. أخيراً وقع خيارنا على أطباق كمن يختارورقة يناصيب. كانت النتيجة كارثيّة حيث بقيت الأطباق كما هي، والتي بالكاد تحتوي أشياء أو قطع تشبه المطّاط لا تتعدّى أصابع اليد الواحدة. دفعنا الحساب الذي تعدى الثلاثمئة إيرو، لنذهب ونكمل عشاءنا مع البيتزا في مكان آخر.
باستثناء هذا التفصيل الصغير، كم أحببنا هذه المدينة كمكان هادىء للاستقرار فيه إلى الأبد.
روما:
المحطة التالية كانت العاصمة روما. كان علينا التواجد صباحاً باكراً أمام الفاتيكان للتجمّع والدخول لمشاهدة الفاتيكان ورائعة التاريخ “خلق العالم” لميكال أنجلو. كان يصحبنا دليل يشرح لنا كل تفاصيل الأمكنة والأعمال وظروف نشأتها وتاريخها. عند ذكره للفاتيكان تساءل بطريقة لا تخلو من الاستنكار حول دولة الفاتيكان المستقلة الموجودة داخل روما! لا يُمكنه إستيعاب وقبول كيفيّة وفكرة وجود هذه الدولة المستقلة في قلب روما يسكنها تسعمئة راهب فقط، هم عدد سكانها! هو أمر فعلاً يدعو للاستغراب والذهول.
غصّ الفاتيكان بالزائرين المتوجّه معظمهم إلى كنيسة “السيستينا” حيث يرقد تعب الفنان المذكور. بصعوبة، تشق طريقك للوصول إلى القاعة التي تبهرك عند وصولك إليها، وتحسّ أنك تعيش في عالم آخر، عالم مليء بالقدسيّة والجمال والسحر. تحسّ بخشوع أمام عظمة هذا الإبداع الفرديّ المؤمن بالفن طريقاً للخلود والعطاء والطهارة. هذا العمل جاء صنيعة إنسان واحد فرد عبقريّ اسمه “ميكال أنجلو”، هذا العمل بمقياس هذه الأيام يحتاج إلى فريق عمل كبير من الفنانين المهرة لتنفيذه بتلك الروعة والإجادة، وقد لا يأتون بمثله. يبلغ طول القاعة حوالي الأربعين متراً، وعرضها يُقارب الأربعة عشر متراً، وارتفاعها الواحد وعشرين متراً، بمساحة إجماليّة تصل إلى ثلاثة آلاف وخمسمئة متراً مربّعاً (3500م)2. امتلأت مساحته، باستثناء الأرضيّة، ألواناً وقصصاً تحكي خلق الأرض والنور وآدم والطرد من الجنة والطوفان والحساب الأخير، رسم فيها “ميكال أنجلو” ثلاثمئة شخصيّة… الحديث عن هذا العمل يطول، لذلك سنترك المكان للسائحين الآخرين وللأمكنة الأخرى التي لها الحق أيضاً في الحديث. الممرّات المؤدّية إلى السيستينا تعجّ بالأعمال المنوّعة من الفريسك والموزاييك والكانفا تحاكي قصصاً دينيّة وقديسين وزخرفة في السقوف تناول على تنفيذها مجموعة كبيرة من الفنانين المعروفين، من بينهم بوتيشيللي، الذين طلب منهم بابا روما حينها القيام بهذا العمل وزخرفة القصر ومداخله الذي انتهى بناؤه عام 1384م قبل أن يُطلب من “ميكال أنجلو” التفرّغ لخلق العالم… بل خلق الفنّ.
قبل الدخول إلى “السيستينا” توقفنا عند أعمال كثيرة ومنحوتات منها “بييتا” لميكال أنجلو حيث جلست العذراء حاملة بين يديها وعلى ركبتيها جسد ابنها المسيح بعد الصلب. تُعدّ هذه المنحوتة إلى جانب تمثال “دافيد” و”موسى” من أشهر أعماله النحتيّة. وضعوا حاجزاً بين الجمهور المحتشد وبين الـ “بييتا” كيلا يقوم أحد المجانين بضربها وكسرها كما حصل مع أحد الزائرين قديماً الذي كان يحمل آلة فولاذية ضارباً بها التمثال فاصلاً اليد عن الجسد مع تلف جزء من الوجه حيث قاموا بترميمه وإبعاده عن الزائرين، كما يحصل حالياً.
بعد الفاتيكان كانت لنا محطة في إحدى الكنائس التي يوجد فيها تمثال “موسى” الذي حدا بنا الفضول إلى التأكّد من رواية ضرب الفنان لتمثاله حين الانتهاء طالباً منه أن ينطق: “أنطق يا موسى”، فلا أثر لتلك الضربة التي لا تعدو كونها أكثر من سيناريو في فيلم سينمائيّ إبتدعه المخرج للإثارة ليس إلا!
من الكنيسة هبطنا باتجاه الـ “كوليسّيو”، الميدان الذي كان يستعمله الأباطرة الرومان للعروض الرياضية ومبارزة الحيوانات وتعذيب المعتقلين من خلال مطاردة الحيوانات الجائعة لهم… تغيّرت معالم الكوليسّيو كثيراً عما كانت عليه سابقاً يُظهر هذا الشيء كرّاس أو كُتيّب مخصّص للحديث عنه. ما بقي الآن ليس أكثر من أطلال تعمل الدولة الإيطالية على ترميمه كي لا ينهار بالكامل. وقد روى لي أحد الإيطاليين في زيارتي السابقة أنّ “موسوليني” قام أثناء الحرب الكونيّة وأثناء حكمه بطمر المكان المحيط بالميدان وتعبيده وتحويله إلى أوتوستراد مخفياً الكثير من الآثار تحته بهدف جعله ممرّاً لجيشه.
نابولي:
عند الانتهاء من روما غادرناها باتجاه “نابولي”، المحطّة الأخيرة من رحلتنا مروراً بجزيرة “كابري” الأخاذة ببحرها ومينائها المليئة بالمقاهي والمطاعم وعجقة السائحين والسابحين وحياتها الصاخبة الضاجّة، ولو تسنّى لنا الأمر والوقت لكنّا غطسنا في مياه نابولي مع السابحين الفرحين بهذه المياه الخالية من عفن القمامة والمجارير والنفايات كما هو في بلدنا. تناولنا هناك وجبة غداء على عجل كالعادة. من هناك توجّهنا نحو نابولي عبر يخت عبّ زرقة المياه راسماً وراءه موجاً أبيض ناتجاً عن حركته الهادئة بتماوج راقص. قامت مجموعة من طالبات المعهد بتشكل كورال جميل ليلقين بصوت خفيف ناعم يُحاكي حركة اليخت المتموّجة بعض الأغاني الفرنسية والانكليزيّة وسط اهتمام الحضور الذي غصّ به قلب اليخت الكبير من جنسيّات مختلفة.
نابولي مدينة “المافيا”، تختلف عن باقي المدن الإيطاليّة بفوضاها وعبثها وفقرها البادي للعيان في واجهات أبنيّتها وشوارعها؛ فعلى الشرفات يجلس السكان على راحتهم، يرافقهم الغسيل المنشور بكثرة وفوضى، أمّا السائقون فلاحظنا أنهم لا يضعون حزام الأمان أثناء القيادة! ممّا ذكرنا بسائقي بلادنا. وتمتلىء نابولي، كما باقي مدن إيطاليا، بالجاليات الأجنبيّة، ولا سيّما الآسيويّة منها والأفريقيّة، ومنهم من يقيم بشكل غير شرعيّ!
زرنا المدينة التاريخيّة “بومباي” التي هدمها الزلزال “فيزوف” في الجبل المحاذي لها، الذي حوّلها إلى أطلال بسكانها وحيواناتها وأشيائها، شاهدنا بعضاً من آثار هذا الحدث كالولد المتحجّر والكلب المنقبض على نفسه وأدوات الفخار والأواني المستخرجة من تحت الأنقاض والمعروضة ليتبيّنها الزائرون، وكان يرافقنا دائماً دليل يشرح لنا ويُفسّر الأحداث.
يُمكن اختصار إيطاليا بأنها مدينة أطلال تاريخيّة أشبه بقلعة بعلبك التي بناها الرومان في بلادنا. تحسّ أنّ عصر النهضة بأناسه ما زال حيّاً لكنه يتحرّك على وقع ما أحدثته التقنيات المعاصرة من وسائل اتصال إلكترونيّة محمولة وثابتة.
في اليوم الثامن غادرنا نابولي مُنهكين باتجاه بيروت، تاركين وراءنا ذكريات جميلة وانقطاعاً عن زمن لبناننا ومشاكله بمثابة حلم في ليلة صيف حارّ. عند هبوط الطائرة في مطار بيروت أبت الأحداث الكثيرة والمثيرة المليئة بالأكشن إلا أن تنبئنا بخبر اعتقال أحمد الأسير قبل ساعتين من وصولنا لنستقبل يوماً آخر من أيامنا الحبلى بالهموم والمتاعب…
بعد هذه الاستراحة في الخارج، هل يُمكننا دائماً تكرار عبارة “الحق على الطليان”؟…
أحببتُ كثيراً إيطاليا، البلد الدافىء، الحنون والمجنون…
“أرّيفيدتشي” إيطاليا.
خاصّ – إلّا –
في أول زيارة له للقاهـــرة تنبأ بكل ما نعيشه اليوم من أكاذيب طائفية وتزويـــــــر للدين وضياع لهيبـــــة الأمـــــة
شاعر المقاومة الفلسطينية سميــح القــاسم:
أمتي تستجدي الهوية الاسرائيلية
وسأضطر لتأسيس أمة جديده!
حين مضيتُ للقائه في فندق شبرد المطل على النيل ؛ بعد أن خطت قدماه – رحمه الله – لأول مرة تراب القاهرة، كان صوت مارسيل خليفة يدوي في خاطري برائعته:
“منتصب القامة أمشي / مرفوع الهامة أمشي / في كفي قصفة زيتون / وعلى كتفي نعشي”.
لم أكن أصدق عيني أن سميح القاسم أمامي، أتقاسم معه طاولة واحدة هنا في القاهرة .
( حين كنت أسهر في مقهى ريش مع أمل دنقل ونجيب سرور وغيرهما من مبدعي ومثقفي هذه المرحلة من سبعينيات القرن الماضي، كان أمل دنقل يحدثنا عن سميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق الزياد واميل حبيبي وكأنهم كائنات خرافية تعيش في كوكب آخر اسمه اسرائيل، ولا أمل في لقائهم الا بزوال اسرائيل)
ربما كان المكسب الشخصي الوحيد لي من ” كامب ديفيد” أنها أتاحت لي لقاء سميح القاسم واميل حبيبي، وأتاحت لهما لأول مرة منذ نكبة 1948 زيارة القاهرة كأول عاصمة عربية تطؤها أقدامهما.
كنت أدخر له كلاما كثيرا وأسئلة لا نهاية لها، عن طفولته وعن مشاعره وهو مرغم على التجنيد في الجيش الاسرائيلي. كيف كان يرى مصر عن بعد بشعرائها وأدبائها؟.
أول سؤال قفز على كل الأسئلة ، وتعجلت أن أسمع اجابة عليه كان: كيف كنت ترى جمال عبد الناصر من هناك، من فلسطين المحتلة؟.. قال لي سميح القاسم:
حين وقعت النكبة عام 1948 كنت في التاسعة من العمر، طفل يشعر بالاهانة والخزي لهزيمة الجيوش العربية ودخول الجيش الاسرائيلي ، رأينا البطل العربي الذي جاء لينقذنا ويخلصنا فأرا جبانا، أذكر وجوه الضباط الهاربين من وطني تركونا وهربوا من الرملة في الجليل.
شاهدت الخيانة وجها لوجه ولمستها. رأيتها بعيني وقلنا لا بأس فالتاريخ طويل، فقط بظهور عبد الناصر شعرت كفتى بأن هذا الرجل أشبه برسول جديد. عودة تاريخ.. شعرت أن هذا الشخص يجدد أمة ، رسول ينهض بأمة . انتصبنا. ارتفعت قامتنا. فالقول بأن عبد الناصر أساء وظلم واضطهد، قد يكون صحيحا لكن رؤيتي من داخل الوطن، تحت الحكم العسكري وتحت القمع، لم تتح لي سوى رؤية العام، لم أدخل في التفاصيل، لذلك فبالنسبة لي ولجيلي كان هو “الحلم”. فلم يتمكن قائد أو زعيم في تاريخ العرب الحديث من تجسيد حلم الأمة، كما فعل عبد الناصر.
أنا عاتب على عبد الناصر أنه لم يصعد لمستوى هذا الحلم، هو لم يخن الحلم،كأنما لم يدرك ماذا يعني بالنسبة للأمة كلها لم يكن مجرد قائد سياسي كان أملا ..رؤيا.
للأسف الشديد، ربما بجكم الأجهزة المحيطة به، وبحكم قدرته المحدودة أيضا كانسان، لم يرق الى مستوى هذا الحلم، وتركنا فريسة لصغار الحكام، والحكام الموظفين. هذا موظف لدى أمريكا،وذلك موظف لدى فرنسا، وذاك موظف لدى اسرائيل. اسرائيل أيضا لها موظفوها في الأوساط الحاكمة، وكل دولة غربية طامعة في هذه الأمة. عبد الناصر وأحمد بن بيللا وبعض الشباب الذين لم يتح لهم أن يثبتوا أنفسهم في الحكم لأنه أطيح بهم في الانقلابات العسكريةبالذبح. بالقمع. بالطعيان، هؤلاء شكلوا الأمل.
( عنقي على السكين ياوطني
ولكني أقول لك : انتظرني
ويداي خلف الظهر ياوطني
مقيدتان
ولكني أغني
لك .. ياجرحي أغني
أنا لم أخنك فلا تخني
أنا لم أبعك فلا تبعني!)
ويكشف لي سميح عن جرحه السري الغائر في وجدانه:
أنا مواطن فلسطيني، هويتي عربية، وتجربتي مع اسرائيل في نهاية الأمر هي تجربة انسان يحاول الحفاظ على انسانيته، ويؤسفني أنني في هذه الأيام لدي احساس رهيب بأنني أتعرض للتخلي، أمتي تستجدي الهوية الاسرائيلية وتتخلى عني،ولذلك قد أضطر الى تأسيس أمة جديدة بحضارتي العربية الاسلامية العريقة والجميلة، قد أضطر الى تأسيس أمة جديدة.
وسألته عن التحولات في قصيدة المقاومة عنده وعند محمود درويش قبل وبعد خروج الأخير من فلسطين الى المنفى..قال لي:
بدون شك هناك تحولات في قصيدتي وفي قصيدة محمود درويش وصداقتنا وهذه التوءمة لا تعني أننا نكتب قصيدة واحدة، فلكل منا ملامحه وطابعه وشخصيته،لكن هناك حالة من التكامل بيننا بقدر ما يكمل أحدنا الآخر على المستوى الانساني. أعتقد أن هناك تكاملا أيضا على المستوى الشعري، هناك أمور في قصيدتي غائبة في قصيدة محمود، وأمور في قصيدته لن تجدها في قصيدتي. عملية التكامل هذه هي ما يميز ظاهرتنا وليس التنافس والتفاضل.
ويواصل سميح ضاحكا:
لماذا تربطون التطور في التقنيات الشعرية بالخروج من فلسطين؟!
هناك من يعتقد أن خروج محمود ساعده في تطوير أدواته الشعرية، وهذه نظرية غير دقيقة فباستطاعتي أن أفعل ذلك، وأن أطور أدواتي الشعرية وأتجاوز ما هو موجود في الوطن العربي، هذه مسألة غير مرتبطة بالجغرافيا، انما هي مسألة شخصية جدا ومسألة ثقافة واجتهاد.
وفي اشارة منه لمفهوم التجاوز والتخطي الذي طرحه أدونيس، قال:
هناك من يعتقدون بضرورة الانقطاع عن التاريخ بمفهومه السياسي والاجتماعي ، ويتكلمون عن القصيدة المطلقة ذات القيمة التي لا ترتبط بزمن ومكان وحدث وشعب ووطن.
بالنسبة لي أرى أن العمل الأدبي بشكل عام على علاقة ديالكتيكية مع التاريخ ومع الانسان، وأزعم أن قصيدتي أسهمت في تكوين الحدث الفلسطيني والعربي على المستوى الانساني. الحكام لا يقرأون وهذه مسألة أخرى، لكنه على مستوى الأفراد، أزعم أن قصيدتي وقصائد زملائي أسهمت في التهيئة للحدث، وفي الوقت نفسه مع وقوع الحدث.
وتحدثنا عن استشراف الشاعر للأحداث وقدرته على اختراق الزمن، قال سميح:
لا أدعي النبوة. لكنني بعد سنة قضيتها في الاتحاد السوفييتي وبعد زيارات متكررة لمختلف الدول الاشتراكية، أحسست أن ما يجري هناك ليس تجسيدا للحلم الانساني بالحرية والعدالة، أحسست أن هناك خللا والتعبير عن هذا الخلل ، وهذه الظواهر المخلة بالحلم ، حدث. لكني لم أتصور انهيار الاتحاد السوفييتي، تصورت حدوث تغييرات وتمنيت نجاح “البيروسترويكا” و ” الجلاسنوست” لأنه في نهاية الأمر لم يكن هذا الانهيار في صالحنا كعرب.
وهناك شماتة حدثت في الاعلام العربي، لنكن صريحين ، نحن قوم تجوز الشماتة فينا ولا تجوز لنا. من نحن لنشمت بأي دولة وبأي شعب في العالم؟ نحن في الحضيض وهذه حقيقة. ولا أعتقد أنه في التاريخ العربي والاسلامي ، تورطنا في وضع نفقد فيه مهابتنا بهذا الشكل ، للأسف الشديد أحس بأننا في هذه الأيام ” أمة بلا مهابة”، وأصبحت بغاث الطير قادرةعلى استفزازنا واهانتنا صباح مساء ونحن نستمرئ هذه الاهانات، يحس المرء برغبة مستمرة في البكاء والصراخ، لكن الصراخ في صحراء قاحلة لن يجدي كثيرا ( وكأنه زرقاء اليمامة يرى ما هو قادم في زماننا)، لذلك أنا مع العمل الفدائي الثقافي، والعمل الفدائي الثقافيبالنسبة لي هو محاولة الالتفاف على الأجهزة والأنظمة والمؤسسات والأكاذيب الكبيرة التي تملأ حياتنا، فكرنا، ثقافتنا، ممارستنا، سلوكنا، سياستنا، واقتصادنا!.
هذه الكذبة الكبيرة المقززة أحاول الالتفاف عليها بالاتصال المباشر بالانسان العادي، أبوح له بأوجاعي الحياتية التي هي أوجاعه أيضا. وقد ينشأ بمرور الزمن فدائيون ثقافيون آخرون عندها قد نستطيع اعادة بناء انسان عربي نظيف حر وجميل وجريء.
ويواصل سميح القاسم تجلياته على مسامعي، وكأنه يعيش معنا ويشهد كل ما وقع بعد رحيله:
أحس أحيانا أننا في حالة مسخ رهيب،أكاذيب الاقليمية، أكاذيب الطائفية،تزوير للدين ، واستغلاله بصورة بشعة لمآرب دنيوية حقيرة،وتوظيف الايمان لدى بسطاء الناس في مصارف وشركات، ومافيا في الفكر والاقتصاد والسياسة، ولكنها تابعة، مافيا تابعة لمافيا أكبر.
ثم يصل سميح القاسم في بوحه لذروة المرارة:
نحن لا نملك عصمتنا،لا كأمة، ولا كمؤسسات ، ولا كحكومات، ولا كثقافة، ولا بد من البحث عن عاصفة جديدة تكنس وجه الصحراء، تعيد لصحراء العرب ألقها الأصلي والأصيل والنظيف.
يخيل الي أحيانا أن ” محمدا” سيبعث من جديد،لألآن الأصنام تتكاثر كالخلايا السرطانية،وأنا كشاعر أحاول من زاويتي الخاصة أن أؤدي رسالتي بشرف، لأنني لا أملك سوى شرفي الخاص.
(فلنبك ياحبي دما
ولنبك ..آه.. كالنساء
ملكا مضاعا
لم نصن حرماته مثل الرجال)
سميح القاسم
————————————————————————
خاصّ – إلّا –
ملاحظة لا بدّ منها..
نهيب بالقرّاء الكرام عند ترك بصماتهم النبيلة في خانة التعليقات أو عند مراسلتي على صفحتي الشخصيّة على “الفيسبوك ” بضرورة توخّي الحذر لعدم الوقوع بمطبّ الإسفاف والألفاظ التي لا تليق بهم كقراء وزوار كرام، ولا تليق بالكاتب المحترم، الذي نترك له هذه المساحة في – إلا – لما تخلقه مواضيعه من حيوية في التداول والتناول، وعلى الرغم من تنصّلي شخصيّاً من أيّة مسؤولية تجاه آراء الكاتب التي لا أؤيّدها بالمطلق ولا أعارضها بالمطلق، بل أراها مناسَبة حقيقيّة لاختبار دور الكلمة في زمننا الراهن وقد طغت الأجهزة الذكية، على كامل الجملة العصبية لدينا، كما أنّ مواضيعة مناسبة فعلياً لتحديد دورنا تجاه مفهوم الإسلام، تحديد قناعتنا، إيماننا، غيرتنا، لهفتنا، حيادنا، نقمتنا، وعلاقتنا الجديّة بالتعاليم الإسلامية، واختبار الكثير من الإنفعالات السلبية والإيجابية المتوفرّة في داخل كل منا، بسبب الالتباس الكبير الذي لعبته السيناريوهات المعدّة سلفاً لتحطيم الإسلام باسم الإسلام، إنها فرصة للحوار، تحتاج منكم جميعاً لقليل من التأمّل في حيثيات المنطق والموضوعية وكثير من الإيمان الحقيقي والجرأة، لاكتشاف النصّ القرآني، باجتهاد شخصي، وليس باجتهاد اتكالي، بناه لنا أشاوسة التحريم والتحليل والفتاوى.
رئيس تحرير مجلة – إلّا – الألكترونية….