Home جيران إلّا لابدّ من اجتماع طارئ

لابدّ من اجتماع طارئ

by رئيس التحرير
سعيد غريّب / كاتب وإعلامي لبناني – بيروت

في العام 1945 انتهت الحرب العالمية الثانية وحلّ السلام في العالم، ولكنّ هذا السلام، الذي كلّف البشرية خسائر فادحة، لم تكن صيانته سهلة ومقبولة، رغم انشاء نظام دولي جديد لتحقيق الأمن العالمي تمثّل باستبدال «عصبة الأمم» بـ»هيئة الامم المتحدة» التي كانت تستهوي الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت. وغدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة مجتمعاً عامّاً لممثلي شعوب العالم ومنبراً عالمياً يبدون من فوقه آراءهم ومواقفهم.

والواقع أنّ الأمم المتحدة استطاعت، في فترة زمنية قصيرة، أن تخطو بالسلام خطوات واسعة، وأن تحقّق للدول الصغيرة أمانيها في الاستقلال. ففي ظلّها جلت قوات الاتحاد السوفياتي عن ايران في العام 1946، ونالت اندونيسيا استقلالها من هولندا في العام 1950، وتمكّنت عشرات الدول من التحرّر، بعدما كان قد مضى عليها عشرات السنين تحت قيود الاستعمار.

وفي الوقت عينه، سجّلت المنظّمة الدولية الجديدة انتكاسة خطيرة تمثّلت بانشاء دولة اسرائيل وزرعها في الجسم العربي، ما تسبّب في نزاعات وحروب وويلات في الشرق الاوسط، تكاد مع تطوّر الحركات الجهادية وتفشي التطرف والارهاب أن تطيح بالمنطقة بأسرها، وتزيل دولاً مع شعوبها، وتجرّ العالم إلى حرب عالمية ثالثة غير تقليدية، بدأت ترتسم معالمها في أعقاب حركات النزوح الجماعي والهجرة غير المسبوقة.

والواقع أنّ العجز الذي أصاب «هيئة الأمم المتحدة» ليس ناشئاً من طبيعة ميثاقها، بل من أهواء أعضائها الكبار، ومن جبن بعض أعضائها الصغار الذين يدورون في فلك الدول الكبرى، فإذا بهم يميلون في التصويت إلى جانب الدولة التي يدورون في فلكها.

إنّ العالم مدعوّ اليوم، ولا سيما تحت وطأة حرب غزة، لمؤتمر تأسيسي جديد ويالطا جديدة خالية من التقاسم والتبعية. ومدعوّ لبناء سلام حقيقي، وازالة اللعنة التي سيطرت على شعوب الشرق الأوسط، وبدأت تتسلل إلى شعوب أوروبا وسائر العالم.

ها هي أزمة الشرق الاوسط، وكما توقّعت تنبؤات لا تعدّ ولا تحصى، قبل نحو من نصف قرن، تنتقل إلى مختلف أنحاء العالم بأشكال مختلفة. وتحوّلت إلى برميل نفط موضوع فوق نار حامية، هي خليط من غازات مشتعلة من القوميات التي تحتاج إلى تطويق سريع كي لا يشتعل العالم كلّه. إنّ الأحداث التي استخفّ العالم بارتداداتها امتدّت إلى اليابس بعد الأخضر، ولتبيّن أنّ الشرق الأوسط ليس المريض في عالم سليم بل المريض هو عالم الكبار الغارق اليوم في صراعات ساخنة والعابث باستقرار الشعوب ومصيرهم. وما تشهده بقاع الأرض كلّها يطفح بهذا الاحساس الساحق بالقهر والظلم، فيما تعبر البشرية في مرحلة غياب صارخ للحق وفقدان للانسانية. والأمثلة الصارخة عن هذا الفقدان جلية، وفي مقدّمها مأساة غزة الواقعة في جوهر الصراع الكبير.

قد يبدو أنّ الولايات المتحدة بدأت تغيّر نبرتها، تحت وطأة الخسائر البشرية الضخمة وأعداد الضحايا الفلسطينيين، فضلاً عن التظاهرات الكبرى التي عمّت الكثير من دول أوروبا وأميركا ومعظم دول العالم، ترجمة لتحوّلات جديّة لدى الرأي العام العالمي. الّا أنّ صورة الوضع تبقي السؤال مفتوحاً حول مسار الخروج من هذا السرداب المظلم. والجواب يرتبط بتطور الوقائع الميدانية من جهة، وبالحركة السياسية العالمية الضاغطة مع كلّ تعقيداتها من جهة ثانية. فهل يمكن أن تبدأ التهدئة الفعلية بتنحية نتانياهو وازالته سياسياً والشروع في مسار حل الدولتين؟

إنّ هذا المسار يتطلّب فيضاً من الجهد ومزيداً من وقت يصعب تقديره، فهل تتحمّل الأطراف المتصارعة في غزة حرباً طويلة؟ أما بالنسبة إلى لبنان الغارق في أزماته منذ العام 1969، فالغالبية الساحقة من أبنائه ترفض الحرب، ولعلّ ذلك في طليعة الأسباب المانعة لخوضها، في حين أنّ الحرب على الجبهة الجنوبية لا تزال ايقاعاتها مضبوطة حتى الساعة. وفي انتظار طويل لكلمة السيد حسن نصرالله التي يدلي بها بعد غد الجمعة، يلفتنا ما قاله الكسندر دوغين، المفكر الروسي المقرّب من الرئيس فلاديمير بوتين، حيث دعانا إلى أن نكون يقظين اكثر من أي وقت مضى، وأن نكون منتبهين للغاية للجغرافيا السياسية.

إنّ وطننا الصغير الذي يعاني الكثير الكثير، ويحمل وحده أثقال هذه التطورات الدراماتيكية التي تلقيها عليه الجغرافيا، يدعو لوقفة تضامنية نهائيّة تجنّبه ما يحاك ويخطّط للمنطقة، وتحميه من التداعيات وتقيه شرّ حروب دينية ومذهبية وعرقية، أين منها حروب المئة عام التي شهدتها أوروبا في العصور الغابرة!

المصدر : نداء الوطن

https://57b81c4f0ea12a0906f110ea5bf21208.safeframe.googlesyndication.com/safeframe/1-0-40/html/container.html

You may also like