Home دعسـة إلّاافتتاحيــة السفر لغويّاً في ظلّ انعدام الأفق

السفر لغويّاً في ظلّ انعدام الأفق

by رئيس التحرير

غادا فؤاد السمّان / شاعرة وكاتبة سورية – بيروت

يقول الإمام الشافعي في فوائد السفر: تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفريج هم واكتساب معيـــشة وعلـــم وآداب وصحـــــبة ماجد.. لطالما رددنا هذه المقولة التي ذهبت مثلا وتناقلناها جيلا بعد جيل.. فالسفر مفردة لها سرّها وسحرها الكامن على امتداد السين طال ترنيمه ام قصر، فالشاعر يسافر عبر اللغة، والعاجز يسافر عبر المخيلة، والعاشق يسافر عبر الحلم، والتاجر يسافر عبر الفائدة والمنفعة وفرق العملات، والفيلسوف يسافر عبر النظرية، والرياضي يسافر عبر التحدّي، والفلكي يسافر عبر التأمّل، وكأن لكل إنسان فلكه الخاص الذي يهيم به طلبا لهدف ما، او لغاية في نفسه يسعى كامل جهده ليحققه، والسفر لا يخفى على أحد أنه قد اختلف كليّا ما بين الأمس واليوم، ففي الامس كان السفر، للتعارف، لاكتساب الصداقات، وثقافة العادات المغايرة، والاطلاع على مالذّ وطاب بحثا عن التنوع والتجديد للقضاء على الروتين والوحدة والملل، لكن التكنولوجيا اليوم، ساهمت في تبديد القسط الاكبر من غايات السفر الأساسية، فالتعارف واكتساب الصداقات متوفر على امتداد الأثير وعلى مدار الوقت المتعاقب بين ليل ونهار، ولم يعد ثمة حرج من التواصل حتى في ساعات متأخرة من الليل، حتى العمل وإبرام الصفقات لم يعد يحتاج إلى التأهب وحزم الحقائب للبحث عن مصادر الرزق والسعي في ارض الله الواسعة، بل يكفي ان تكون مكانك وتفتح نافذتك على العالم، لترصد كل شيء وكل ثقافة وصولا لأدقّ التفاصيل، وإن تعثّر عليك إرواء أية فكرة فمحرك البحث “google” الأشهر عبر شبكات التواصل يقوم بالواجب بطرفة عين ويشرح ويفصّل ويختزل لك الوقت والجهد والمحاولات، إذا السفر تغيرت عناوينه كليا بين الامس واليوم، وصار من جهتي بقطبين محدودين جدا وخاصة بالنسبة لنا نحن أبناء العالم العربي “المأزوم” جدا، بعد عقد كامل من الربيع العربي الفاشل على جميع الصعد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والساسية، فصار السفر لزاما على البعض إما للبحث عن النجاة وإيجاد وطن بديل بعدما فقد الكثير الكثير امانهم واستقرارهم وطمأنينتهم ولقمة عيشهم، او للهروب من التكنولوجية بالنسبة للميسورين الذين أصبحوا أسرى الوسائل والوسائط وإدمانها الفعلي لدرجة المرض العضوي الذي أصاب العنق والظهر والنظر والجملة العصبية ككل، فصار السفر مسعىً جدّياً للخروج من دائرة المتابعة المغلقة بحثا عن حفنة اوكسجين بالعودة إلى حضن الطبيعة لمحاكاة الأخضر الذي يدخل الصفاء إلى الروح والنفس معا، وملامسة زرقة الماء الذي يعيد للروح حيويتها وللنفس رونقها والبحث عن رقعة لسماء شاسعة تتسع لايقاع نبض صادق يهدر بدعاء ومناجاة وخشوع، بعدما ضاقت المدن والاماكن وفسحة الامل فيها، وبعدما تراكم الزيف والنفاق والفساد والغش والتلاعب والخداع والمراوغات، لكن السفر لم يعد مقدورا عليه لفرط متطلباته، اعتبارا من الاوراق الثبوتية والوثائق بكل ما فيها من أختام واذونات وجوازات وموانع ومراجعات وخاصة نحن ابنا الاوطان الممنوعة من “الصرف” والمكتوفة في التصرّف وهنا اتحدث كمواطنة “سورية” مسلوبة جزء كبير جدا من إنسانيتي اذ انني ارفض التسلل خلسة خارج الحدود تحت طائلة التهريب كما فعل الملايين من أبناء المنطقة العربية، نظير إغلاق جميع الوجهات العربية والغربية على حد سواء، فمن يقدّر أنني لم أستطع اللقاء بابني البكر منذ تسع سنوات تماما ولم أجد أذنا واحدة لدى من يدعون حقوق الانسان ومن يحرصون في اوربا على نصرة الإنسانية، حتى انهم لا يقدمون أي اقترح ولا أي حل، هم مجرد بيادق على الارض لهم دور خلف العناوين العريضة التي يحملونها، والعالم أجمع بات يلعب بين الظاهر والباطن وحتما ما خفي هو الأعظم، حتى هذا الفايروس الذي اجتاح العالم المسمّى “كورونا” حتما له ابعاده ومخططاته بيد من يخطط لاستعمار الارض ومن عليها وما فيها من ثروات وملُكات وإمكانات لا تنتهي اطماعه عند فناء او دمار او موت شامل، بل عندما تصفعه يد القدر التي تمهل ولا تهمل، له ولكل مستبد وظالم وعدو سواء كان عدو الداخل او الخارج، المعادلة بسيطة جدا شرط ان نؤمن، أننا هنا او هناك بحكم القدر ومشيئة القادر المقتدر القدير، وليس بمشيئة أي متحكّم ومتسلّط وجشع ودخيل، فالسفر لم يعد بصورته الطوباوية البهية المشرقة، السفر غصّة المواطن العربي من الفرات إلى النيل فكم عائلة تشردت وكم اسرة عربية تفككت وتشرذمت، والسفر اليوم في حال تيسر فيحتاج إلى سلسة من الإنفاق المريع الذي لا يتوفر إلا في الأحلام وفي “التبعية” لمن باعوا الوطن. 

خاصّ – إلّا –

You may also like