×

المحبّة قمّة الفضائل

المحبّة قمّة الفضائل

Fawzeyya1 المحبّة قمّة الفضائل
فوزية السالم الشويش / قاصّة وروائيّة كويتية – الكويت

عنوان المقال هذا أخذته، أو بمعنى آخر استلفته من عنوان كتاب عظيم للبابا شنودة الثالث، يتحدّث فيه عن المحبّة كقمّة لكل الفضائل التي شرحها، وبيّنها تحت عناوين كثيرة تخصّ الإنسان وعلاقته بربّه من جهة، وعلاقته بنفسه والآخرين من جهةٍ أخرى، ويرى أنّ المحبّة قويّة كالموت.

2150 المحبّة قمّة الفضائل
الراحل الكبير رجل المحبّة والسلام/ البابا شنوده

كتابٌ شرّح و”فصفص” كل صفات وعناصر المحبّة، ومنها: “المحبّة تتأنّى، المحبّة ترفّق، المحبّة لا تحسد، المحبّة لا تتفاخر، ولا تنتفخ ولا تقبّح، المحبةّ لا تطلب ما لنفسها، المحبّة لا تحتدّ، ولا تظنّ السوء ،ولا تفرح بالإثم، بل تفرح بالحقّ، المحبّة تحتمل كل شيء وتصبر على كل شيء، المحبّة لا تسقط أبدا”.

1 المحبّة قمّة الفضائل

وجبران خليل جبران في كتابه الرائع “النبي ” تكلّم عن المحبّة الإنسانيّة بكتابةٍ كاشفةٍ مذهلةٍ: “المحبّة لا تعطي إلا نفسها، ولا تأخذ إلا من نفسها، المحبّة لا تملك شيئاً، ولا تريد شيئاً، ولا تريد أن يملكها أحد، لأنّ المحبّة مكتفية بالمحبّة “.

ca4c363bc9f68b86c0dca07d3df09c5a المحبّة قمّة الفضائل
الكاتب اللبناني الكبير / جبران خليل جبران

الديانات السماوية الثلاث جوهرها المحبّة قبل كل شيء إلى الله والذات والإنسان، وكذلك الديانة البوذيّة والهندوسيّة والطاويّة، وغيرها من ديانات ومعتقدات، كلها قامت على نهجٍ أساسه المحبّة.

وسبب طرحي لسؤال المحبّة بهذا المقال هو شخصي بحتْ، وناتج عن تجربتي وقناعتي التامّة بعيش المحبّة، وممارستها كأسلوبٍ حياتي مطبّق بحقّ، وإيمان مُصَدَّق، ومُطْلَقٍ بحقيقتها.

22-58 المحبّة قمّة الفضائل

لا أدري منذ متى بدأتُ في تطبيقها ومعايشتها، ربما منذ وعيت على الدنيا، لكني لم أنتبه لممارستها إلا قبل 20 سنة، حين تنبّهت لسؤالي وبحثي الدائم عن مفهوم السعادة.. الجواب الذي اكتشفته بنفسي حينذاك كان أنّ السعادة ليست حلماً مؤجّلاً ومرتبطاً بحدوث وتحقّق أمنياتٍ منتظرة، كأنْ أقول سأكون سعيدة لو امتلكت بيتاً خاصّاً بي، أو سيّارة أو أي طلبات وأمنيات أخرى، وأتذكر عنوان نَصّ كتبته باسم “كبسولات السعادة” توصّلت إلى أنّ السعادة ليست أكثر من كبسولة صغيرة من محبّاتٍ، نعيشها ونقتطفها من حياتنا اليومية، وهي أمور بسيطة جداً، لكنها تُعاش وتُمارس وتُقتنَص بمحبّة وتمتّع وتلذّذ فيها.

buddha-resize-1-495x373 المحبّة قمّة الفضائل
أحد الآلهة في الديانة الهندوسية

وما كتبته وفسّرته لنفسي من دون وعي كامل به، أدركته وأحسسته بمرور الوقت عليه، واكتشفت بالفعل أنّ السعادة ليست إلا معايشة وممارسة المحبّة بالطريقة التي ذكرها البابا شنودة الثالث وجبران والأديان كلها، أي أن يعيش المرء المحبّة، ويجعلها جوهر حياته ومعاملاته كلها، وسيحصد مردودها بشكل يومي يرتدّ عليه في الحال، ويغيّر من روحه وطبيعة سلوكه وعاداته، وينعكس إشراقها على السحنة والبشرة والشكل الخارجي له.

أنْ تحبَّ معناه الرضا بكل ما عندك، وبكل ما يحلّ عليك، حتى وإن كان سيئاً، إذ ستقوم المحبّة بتلقّف الفعل الإيجابي من حلوله، وتجعله مقبولا حتى ترضى به.

ممارسة عيش الحياة بحبّ، يعني أنْ تحبَّ كل من حولك، وتجد فيهم نقاطاً مضيئةً حلوةً ومدهشةً، حتى قضاء الوقت معهم يصبح اقتناصاً وتلذّذاً لمتعةِ وجود صحبتهم، وأيضا تشعر بمتعةِ صحبة الأهل والأبناء والأقرباء كنعمة يجب أن ترتشف لآخر قطرة فيها، لأنها الصحبة الأرضية التي لن تتكرّر بعد الموت والفناء.

header_image_Article_Main_-_Fustany_-_lifestyle-_love-and-relationships-_Seven_Reasons_Why_You_Should_Hug_More1 المحبّة قمّة الفضائل
المحبّة لا تحتاج لأكثر من العفوية والصدق

السعادة ليست إلا القبض على هذه اللحظات الصغيرة في حياتنا اليومية، وعيشها حتى النخاع بتلذّذ، المحبّة بكل مُتَعِها البسيطة، وهي جوهر ومعنى السعادة الحقيقية لوجودنا في هذه الدنيا.

فمن كل نعم الله علينا إلى اللقمة والصحبة، وكلّ نَفَسٍ يدخل في صدورنا، كلها معانٍ لبهجةِ فرحِ الامتنان للمحبّة، وحدها من تمنحنا لذّة العيش بسعادة.

الأسبوع الماضي التقيتُ صدفة صديقة من صديقات عمري المقربات بعد فراق زمنٍ طويلٍ، وحين تعانقنا بعد هذا الغياب، لم أشعر بمن حولي من شدة عيشي وانغماري التام في ذوبان المحبّة، توقّف إحساسي بالزمان والمكان ربما لدقائق قليلة لم أحسّ فيها بالناس الموجودين في مكان عام، مُحِيَ كلّ الوجود واضمحلّ وغاب، ولم يبقَ إلا إحساسي وقوّة عيشي، في لحظة محبّة لا أعرف كيف عشتها، ولا أدري إن كانت صديقتي قد عاشتها مثلي؟

لأن عيش تفاصيل الحياة بمحبّة قويّة لا يدركها ولا يمارسها الكلّ، هي نعمة يقتنصها البعض، والحمد لله أنني من هؤلاء البعض، الذين يقبضون على لحظاتِ حياتهم المعاشة بلذةٍ وشغف، بالرغم من تكرار ها واعتيادها، إلا أن معايشتها بلذّةِ دهشةِ الممارسة، وتذوّق، واكتشاف، كأنّها المرّة الأولى، وذلك كلّه بفضلِ المحبّة.

المصدر : جريدة الكويت

Share this content:

مجلّة - إلّا - الألكترونية/ مجلة هادفة ذات مستوى ومحتوى سواء بما يساهم به أقلام الكتاب العرب المعروفه والمنتشرة بأهم المنابر العربية، أو بما يتمّ اختياره أحياناً من الصحف الزميلة بتدقيق وعناية فائقة، وحرصاً من مجلّة - إلّا - بإسهام المزيد من الأقلام الواعدة يُرجى مراسلتها على البريد الألكتروني / ghada2samman@gmail.com

You May Have Missed