لا أحد يستطيع أن يُنكر أن مواقع التواصل الاجتماعي هي بمثابة ظاهرة إعلامية لعبت دوراً كبيراً في الوعي السياسي ، واستطاعت أن تستقطب شريحة كبيرة من المجتمع بمختلف فئآته العمرية ، ولكن شريحة الشباب هي الأوسع ، والأكثر تأثيراً في المجتمع ، حال كونهم الشريحة الأنشط في الميدان .طبعاً آخذين بعين الاعتبار أن هناك مواقع مشبوهة هدفها بث الفتنة والمعلومة المزيّفة ، بهدف جرّ شريحة من الشعب إلى جانبها وتوظيفهم لترويج إعلامٍ سياسي واجتماعي مأجور .فهناك جوانب إيجابية في هذا المجال ، وهناك جوانب سلبية تعتمد على ثقافة التبعية لهذا الاتجاه السياسي أو ذاك .والجميع تابع ويعلم أن الشوارع العربية التي شهدت أحداث ” الربيع العبري ” قد تم تحريكها من خلال تنسيق مسبق ومبرمج في مواقع التواصل الاجتماعي ، من خلال ارتباطها بمراكز قرار خارجية شريرة ومشبوهة .ولكن بشكلٍ عام إن وسائل التواصل الاجتماعي تقوم في هذا الزمن بدورٍ بارزٍ وكبير في الأحداث والتغييرات السياسية التي تصيب المجتمعات العربية ، وتابعنا ذلك في بعض البلدان التي أصابتها رياح التغيير مسبق الصنع .وليس فقط على مستوى الساحة العربية ، بل لعبت هذه المواقع دوراً بارزاً في البلدان المتقدمة كأوروبا والولايات المتحدة ، حيث قام سياسيون باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في حملاتهم الإنتخابية ، وفي تصريحاتهم بهدف إيصال صوتهم إلى الآخرين بالسرعة المنشودة ، مثل التغريدات التي تُنشر على التويتر ، مثل ما فعله الرئيس السابق ” ترامب ” على سبيل المثال وليس الحصر .وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً نرى أن هذه المواقع لعبت دوراً في عام 2009 في الاحتجاجات الواسعة في الشارع الإيراني ، حيث سُمّيت بثورة تويتر ، حيث أُستخدم الانترنت على نحوٍ فعّال من قبل المعارضة السياسية التي قامت بتحميل الأخبار وملفات الفيديو لنقل حالات القمع التي مارستها الشرطة ضد المحتجين .والحراك الذي جرى من قبل في تونس وفي مصر ، أطلقوا عليه إسم ثورات الفيس بوك نظراً لاستخدامه بشكلٍ واسع في هذه الأحداث .الجميع يعلم ، نعم أن هذه المواقع لعبت دوراً نشطاً في عملية التواصل الإجتماعي والسياسي . ولكن بنفس الوقت علينا أن نبحث أو نتوقف قليلاً حول طبيعة استخدامات هذه المواقع السياسية وأغراضها ، ومضامينها وأهدافها إعلامياً وسياسياً وفكرياً ، وتأثيرها على الإعلام والسياسة والمجتمع بشكلٍ عام .فهناك تغييراتٍ سياسية عميقة في سلوك الناس ، وفي طريقة حصولهم على المعلومة والأخبار بغض النظر عن سلامتها أو مصدرها وإلى ماذا تروم .وهناك تغييرات في طريقة تعبيرهم عن الرأي أو الموقف نحو أيٍ من الموضوعات والقضايا السياسية ، وهذه الأمور تؤكّد لنا أن هذه المواقع أصبحت وسائل نشطة تنافس وسائل الإعلام ، علاوة على أنها تعتمد وسيلة لكسب الناس والتحريض والتنظيم والدعم لهم .وما قامت به هذه المواقع جعلت من الفرد متأهباً مستعداً وعصبياً ذو نفسية متدنية ، وهذه الأمور طبعاً تعتمد على خبرة وثقافة الفرد ، لكنها ، أي المواقع جعلت من نفسها ذات أثر توجيهي نشط وفعال بهدف استجابة الفرد لجميع الموضوعات والمواقف التي تطرحها بغض النظر إذا كانت سلبية أو إيجابية أو معتدلة ، وخاصّة فيما يختص بالقيم والمعتقدات والثوابت الوطنية .فهذه المواقع تلعب دوراً في توجيه حركة الأحداث في المجتمع وفي الدولة ، وفي توجيه سلوك الأفراد أنفسهم وفي قيمهم واتجاهاتهم نحو القضايا السياسية ومنها مصيرية .ومن المعلوم أن القوى التي تمتلك الإعلام الأقوى الموجّه هي التي تتحكّم بمسار الأمور ، لذلك علينا أن نناشد الجميع من أجل العودة بجدية نحو الإعلام الملتزم والحر والموجّه نحو حماية الأوطان والأمة والإنسان .حيث أن المواقع ” مواقع التواصل الاجتماعي ” ومن خلال التكنولوجيا تفرض سياسة الهيمنة على الشعوب ، والسيطرة على الفرد ، حيث تقتحم حياته الشخصية وتفكك علاقاته وفق مصالحها .فهذه المواقع تُمثّل حالة من الحراك الفكري والسياسي ، ومن النقاش حول الأوضاع الاجتماعية وسواها والنقد اللاذع لممارسات سياسية سلبية ، ومظاهر الفساد ، تمتد من مجرد كتابة تعليق أو رأي ، إلى تعليق روابط من الصحف والقنوات الفضائية حول أخبار محددة أو قضايا معيّنة تُثير اهتمام المستخدمين ، وتكوين مجموعات وكتل رأي مهتمة بشأنٍ اجتماعي مُعيّن ، أو سياسيٍ ما ، و هدفها الضغط على أصحاب القرار تجاه موضوعٍ ما ، وقد تُبيح فيما بعد استخدام الفوضى والشغب والقوة ، آخذين بعين الاعتبار بأن هذه المواقع تدرس ظروف الأفراد الاجتماعية والنفسية من خلال علاقاتها معهم .وبنفس الوقت نأخذ بعين الاعتبار بأن هناك جمهور إيجابي ، يبحث وينتقي ، ويقبل ويرفض ، فهو يقبل ما هو مفيد للوطن وللإنسان ، ويرفض ما يتنافى مع قيمه وأخلاقه وثوابته الوطنية والقومية .لذلك ومن منطلقٍ وطني أقول ، لا بُدّ من الجهات المعنية في الأوطان والأمّة بالرقابة المنشودة ، أو إيجاد بدائل أفضل من فرض الرقابة على الاستخدامات ومضامين هذه الاستخدامات ، والإسهام في كشف الحقائق السياسية والاجتماعية ونشرها على الملأ بهدف التأثير على الرأي العام ، الذي يجب تزويده بالأخبار بكل شفافية وصدق لتلافي الاعتماد على مصادر قد تكون مشبوهة وشريرة ، وغير موثوقة .ويجب على الجهات المعنية عدم الركون إلى ضعف منافسة هذه المواقع لها ، وإيجاد البدائل الوطنية التي ترتبط مع الشعب بشكلٍ مباشر بكل صدق ، بهدف قطع الطريق أمام أي إعلامٍ أسود مشبوه .وبنفس الوقت إن تعزيز العلاقة بين وسائل الاعلام البديل والجهات المعنية ، وتنميتها للوعي السياسي بثوابت الوطن والأمة ، هو أمر ضروري ومهم ، وهو حاجة من حاجات الوطن والمجتمع ، خاصّة في ظل هجمة العدوان الشرسة التي تروم إلى مسح الهوية الوطنية .لا بد من ضمان الحرية للأفراد في التعبير عن رأيهم عبر مواقع التواصل ما دامت ضمن الخندق الوطني .وكذلك لا بد من معاقبة أصحاب الحسابات المشبوهة التي تروّج للأفكار الهدامة ، وتبث الشائعات التي من شأنها خلق الفتنة والكراهية في البلدان .وجميلٌ جداً أن يتم استثمار مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الثقافة الوطنية وتعزيز روح الانتماء لدى الأفراد ، بعيداً عن أي طرح طائفي أو مذهبي أو عرقي . وتعميق الوعي بين الناس بمضامين الغزو الإعلامي و سلبياته على الفرد والمجتمع والوطن والأمة . ووضع آليات واستراتيجيات عملية لمواجهة المحتوى الإعلامي والسياسي والاجتماعي غير الهادف ، التي تستهدف قيم ومفاهيم وأخلاق المجتمع العربي وثوابته .
رئيس التحرير
يساور القلق الشديد غالبية الناس بشأن حالة الاقتصاد، وتآكل قيمة أموالهم هذه الأيام. وإذا نظرنا إلى تاريخنا على مدار الخمسين عامًا الأخيرة، لرأينا موجات متكررة من الركود والتضخم وعدم الاستقرار، وهي علامات على وجود خطأ ما في نظامنا الحالي. لذلك، نادى البعض بالعودة إلى غطاء الذهب، وهي فكرة ليست سيئة.
إن غطاء الذهب هو نظام نقدي تُربط فيه العملات الورقية (عملات الفيات) بالذهب مقابل سعر ثابت، مما يضمن ثبات المعروض النقدي، وعدم تأثر قيمته بقرارات البنوك المركزية ونزواتها. لقد كان النظام المالي الأميركي قائمًا على غطاء الذهب بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن الولايات المتحدة تخلت عنه في عام 1971 أثناء حكم الرئيس نكسون، حيث حظيت الولايات المتحدة بحرية التحكم في عدد الدولارات التي يمكنها طباعتها، بعد أن كانت ملزمة، بموجب اتفاقية بريتون وودز، بدعم كل 35 دولارًا بأوقية من الذهب.
لقد كان تخلي الولايات المتحدة عن غطاء الذهب سببًا رئيسيًا للتحديات الاقتصادية والمالية العديدة التي نواجهها بصورة متكررة، مثل التضخم والركود وأزمات الديون وفقاعات أسعار الأصول وحزم الإنقاذ المالي، مع وصول التضخم مؤخرًا إلى أعلى مستوى له منذ ثمانينات القرن الماضي. لقد أثر هذا علينا جميعًا، لاعتمادنا على الدولار الورقي الذي لا يحظى بدعم حقيقي. وشئنا أم أبينا، كلنا مرتبطين بالدولار الأميركي، الذي يعد العملة الرئيسية للاحتياطات النقدية للدول حول العالم، فهو أكثر عملة مستخدمة في التجارة الدولية والمعاملات المالية.
أعتقد أن تنفيذ غطاء الذهب سيعزز الاستقرار والنمو والازدهار، عن طريق كبح جماح التضخم والأزمات المالية والتشوهات في سعر الفائدة وطباعة الأموال الرخيصة بلا حدود. كما سيحد غطاء الذهب من سلطات البنوك المركزية والحكومات في التدخل في الأسواق، أو في التلاعب في أسعار الفائدة. كما سيعيد الثقة في النظام النقدي، لأنه سيكون مدعومًا باحتياطي قوي من الأصول القيمة، عوضًا عن الوعود أو التوقعات.
إن وضع الدولار الأميركي، بوصفه عملة احتياط، يرتبط بشكل وثيق بهيمنة الولايات المتحدة ونفوذها في النظام العالمي. وبصفتي رئيسًا للعديد من الهيئات المحاسبية الدولية وكذلك عضوًا في لجنة بريتون وودز، أتفهم عدم حماس الولايات المتحدة للعودة إلى غطاء الذهب، لأنه سيحد من المرونة التي تحظى بها على المستوى العالمي، كما أنه سيتطلب دعم جميع الدولارات المتداولة باحتياطات من الذهب.
صحيح أن غطاء الذهب ربما لا يكون نظامًا مثاليًا، ولكنه يحفظ قيمة النقود ويحمي الاقتصادات من التضخم والتلاعب.
كيف تثبت كفاءَتك في مجال البرمجة التفاعلية المسماة “الذكاء الاصطناعي”
كنت قد أكدت منذ سنوات عديدة أن العاملين الحاليين في مجالات المعرفة يحتاجون إلى اكتساب المهارات في مجالات التكنولوجيا الحديثة، وخاصة البرمجة التفاعلية حيث تتطلع المزيد من الشركات إلى الاستفادة من قوة البرمجة التفاعلية لزيادة الكفاءة والقدرة على حل المشكلات وتعزيز تجارب العملاء. مع ظهور البرمجة التفاعلية التوليدية، أصبح الوصول إلى أنظمة البرمجة التفاعلية أسهل بكثير وأقدر على مساعدة الناس على أن يصبحوا أكثر كفاءة في وظائفهم.
كما أتوقع أن من يحل من يمتلك الخبرة في مجال البرمجة التفاعلية مكان من لا يسعون لامتلاك ذات الخبرة، تمامًا مثل أولئك الذين لم يواكبوا التغيير خلال الثورات التكنولوجية السابقة. هذا الوضع يشبه فترة ظهور برنامج وورد للكتابة. من أتقن هذه التقنيات من عمل المعرفة أصبح أكثر قيمة لدى الشركات التي عمل فيها، بينما الذين لم يفعلوا ذلك، سرعان ما فقدوا وظائفهم. سيحدث نفس الشيء مع الذكاء الاصطناعي.
من المثير للاهتمام أن نرى هذا التغيير في سوق العمل على الرغم من أن البرمجة التفاعلية لا تزال في مهدها. وفقًا لمقال كتبته CNBC في تموز 2023، فإن الولايات المتحدة هي الرائدة في تعبئة وظائف البرمجة التفاعلية، مع تواجد 169.045 وظيفة شاغرة تتطلب مهارات البرمجة التفاعلية في حزيران 2023، و3575 وظيفة أخرى تركز بشكل خاص على البرمجة التفاعلية التوليدية.
ومع ذلك، ومع مثل هذه التكنولوجيا الجديدة التي تتطور بسرعة، فإنني أتساءل كيف يمكن للمرء أن يثبت خبرته في مجال لا يزال في مهده؟
أود أن أقول وانا في صدد إطلاق كتابي الجديد الشهر القادم حول “البرمجة التفاعلية” المسماة “الذكاء الاصطناعي” والذي يضم رؤيتي لتعريف الذكاء الاصطناعي كعامل معرفة، كيف يمكن للبشرية تسخير هذه التكنولوجيا للاستفادة منها بأقصى درجة ممكنة، والتحديات التي يمكن أن تواجه الأمم جرّاء هذه التكنولوجيا، وأن أي عامل معرفة يجب أن يبحث في كيفية دمج البرمجة التفاعلية في عمله اليومي. وهو ما يساعده في التعرف على التكنولوجيا، وعلى فهم نقاط القوة والضعف، بالإضافة إلى أفضل السبل لاستخدامها.
البرمجة التفاعلية ليست حلاً سحريًا، وللتكنولوجيا العديد من القيود التي يجب أن يفهمها عامل المعرفة، والتي تأتي فقط من العمل مع التكنولوجيا والحصول على الخبرة الكاملة فيها.
أنتقل بعد ذلك إلى توصيتي التالية وهي محاولة استخدام البرمجة التفاعلية لحل مشكلة تنظيمية كون استخدامها لتحقيق هدف محدد دليلًا على أن التكنولوجيا تعمل جيدًا وأنه يمكنك تسخيرها لتحقيق هدف تجاري ملموس وله قيمة تجارية. هذا دليل على الفهم والإتقان الذي يساعد على بناء مجموعة من نجاحات البرمجة التفاعلية وأنه يثبت الكفاءة في هذا المجال. فالمنظمات تحتاج إلى خبراء يمكنهم استخدام تقنية البرمجة التفاعلية لحل مشاكل العمل وتمكين الأعمال بشكل أفضل. هذه مهارة مهمة وقيمة يجب امتلاكها.
أود أن أقول أخيرًا أنه من الضروري لأي عامل في مجال المعرفة والبرمجة التفاعلية مواكبة أحدث الأدوات والنماذج والتقنيات التي يتم طرحها في هذا المجال. ونظرًا لكونه في مهده، ستخضع البرمجة التفاعلية للعديد من التعديلات خلال مراحل نضجها ومع تسارع الشركات لتطوير منتجات البرمجة التفاعلية الخاصة بها وإدخالها إلى السوق. ونظرًا لأن التكنولوجيا تتحرك بسرعة كبيرة، فمن الضروري للعامل في مجال المعرفة والبرمجة التفاعلية أن يعرف ما يحدث ويفهم التطورات في هذا المجال، مما سيوفر له ميزة استباقية ويسمح له بالبقاء في الطليعة.
في الوقت الحاضر، يبدو أن هناك وظائف ذات رواتب عالية لمن لديهم المعرفة المطلوبة، وفي سوق سريع الحركة، يحتاج العاملين في مجال المعرفة إلى متابعة تطورات هذه التكنولوجيا أولًا بأول للبقاء في الصدارة.
لم تكفِنا همروجة باربي، ولم تنتهِ قضية المثليين الصاعدة، ولم تمحُ عاصفة عمرو دياب الفنية انشغالنا بـ»فلاشة» رياض سلامة، اللاجئ إلى منطق شمشون الجبار الذي أتيت عليه منذ مدة. وها إننا نغرق بأخبار الجرائم الغريبة الأسباب والمدهشة الدوافع التي باتت تطالعنا يومياً، حاملة اليأس والبؤس والاشمئزاز إلى نفوسنا. هما الجدّ والخال يغتصبان طفلة، وأمّها وجدّتها تتستّران على الجريمة ومرتكبيها، هي الحاضنة التي تعنّف أطفال الشهور القليلة في دار الحضانة ورفيقتها التي تلتزم حبل الصمت وتكتفي أن تصوّر لأشهر. هو شقيق العريس يقتل شقيق العروسة لأتفه الأسباب خلال العرس. وما خوفنا إلّا أن يكون الآتي أعظم. ولنعد في تحليلاتنا إلى الأساس، أي أساس المرض المتمثل بانحلال الأخلاق بالتزامن مع انحلال مقوّمات الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
إنّ الأمر الواضح والأكيد في كل ما يجري، منذ ما اعتبر انتهاء الحرب في لبنان وعليه، هو التداعيات الخطيرة التي خلّفتها الحرب. فلم يعد لبنان هو لبنان الذي عرفه آباؤنا وأجدادنا، إلى درجة أنّ شعبه بدأ يخسر حسّه الإنساني، مع تراكم السنين. ولم تعد تعني له جريمة ترتكب في وضح النهار، ويشاهدها شهودها وكأنها مشهد سينمائي صالح للفرجة. إنّ الأمر الواضح المتمّم لما سبق في كل ما جرى بعد انتهاء الحرب هو التحلّل المنهجي الذي يعرّي مفهوم القيم الإنسانية ويكشف غابة من الحيوانات الناطقة.
إنّ ما خلّفته الحرب أخطر بكثير ممّا أوقعته من خسائر بشرية ومادية. صحيح أنّ الجريمة ولدت مع ولادة الإنسان وجريمة الأخوين «قايين وهابيل» ولكن ما يحصل في لبنان هو نتيجة تراكمات مزّقت النفوس والعقول والقلوب، ومحت كل ما هو جميل من القاموس. عسكرت الأطراف المتقاتلة تحت أجنحتها مجتمعاً بأسره وأغرقته في منطق الحرب والانقسام الداخلي، حتى تسلّل الغضب والعنف والحقد إلى دمه حتى الثمالة إلى يومنا هذا.
«خربوا البلد» عبارة ردّدها أمامي العميد ريمون إدة في باريس حين كنت أزوره في العاصمة الفرنسية. رجل المبادئ من الدرجة الأولى مع الحليف ضد العدو ومع المبادئ ضد الحليف، وصف لي، من الثمانينات، المخاطر المحدقة بلبنان، من الداخل والخارج على حد سواء. يومها لم تكن مسائل الفساد على أوجها، والحق يقال إنّ العميد أغنى زمنه بالنزاهة والنظافة والديموقراطية الصحيحة والشجاعة والنقد القاسي بالأحكام الصائبة حتى أنّه كان الوحيد بين زملائه الذي لم يتقدّم من دوائر المجلس النيابي بفواتير الاستشفاء لاستعادة ما أنفقه.
أمّا اليوم فالمأزق عميق وتجلّياته موجعة على كل الأصعدة من السياسة إلى الأمن والاقتصاد والمجتمع. والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة اليوم، أكثر من أي يوم مضى هو كيف السبيل إلى الخروج من هذه الدوّامة وهذا الفلتان وهذه الرواية السيئة لبلد الأرز؟
لا مخرج في الأفق، خصوصاً أنّ المتحكّمين بالبلد يلعبون به، غير آبهين حتى بمصير أولادهم وأخلاق أحفادهم. لا مخرج في الأفق، لأنّ المتسلّطين على البلد هم الكارثة الكبرى، هم المتسبّبون دائماً في تجدّد الكارثة. لا مخرج في الأفق، لأنّ وقف إطلاق النار بين المتحكّمين وتسوية اقتتالهم أمر بالغ الصعوبة. وإذا تحقّقت أعجوبة يصبحون عاطلين عن العمل. لا مخرج في الأفق إلّا بثورة مدنية عابرة للطوائف، فاستمرار لبنان وإنقاذه من المحنة باتا اليوم أهم من أي شيء آخر وأكبر من أي اختلاف أو خلاف أو اقتتال، فوق كل الأشخاص والشخصيات، وإلا سيأتي مخرج من باب آخر، من فضلات اتفاق نووي أو تقارب إقليمي سعودي إيراني، وفي أحسن الأحوال ليس من «قشوته».
والسؤال الأهم بعد كلّ ما تقدّم: هل أنّ بلداً كلبنان تنخره الطائفية وتتعزّز فيه المذهبية قادر على اعتماد قوانين ديموقراطية معاصرة ومتطوّرة؟ ما من قانون يمكن أن يعيد الحق إلى المواطن طالما هو خاضع وخامل وبلا وطنية. ما من قانون يستطيع أن يخرق الخضوع والخمول أو ينسفهما حتى لو حمل معه أهم الأسماء وأنظفها وطالما حرية الاختيار غير مقرونة بحسن الاختيار الذي يتطلّب وعياً وسعة اطّلاع.
نعيش في بلد غارق في انعدام القيم والتأقلم معها ونسهر أمام شاشات يجب تطهيرها كل يوم بالمبيدات وننتظر محلّلين يشرحون لنا سرّ الوجود. صحيح أننا جيل قليل الحظ وعبء كبير على فلاسفة الجهل يريدون التخلص منه، لكن الأكيد أيضاً أنّ عصور النهضة كانت تبدأ عبر التاريخ من حيث انتهت عصور الانحطاط.
المصدر.. جريدة نداء الوطن اللبنانية
أحدث العصر الرقمي تغييرات عميقة في العالم المصرفي، حيث أصبح العملاء يطالبون بتوفير المزيد من الراحة والخصوصية والأمان من قبل مزودي الخدمات المالية. وقد استجابت البنوك لهذا التحدي من خلال تقديم المزيد من التسهيلات الرقمية، وتبسيط تعاملاتها، وإطلاق بنوك رقمية، وتأسيس أنظمة لتكوين الشراكات. ولكن يظل التحول الرقمي للخدمات المصرفية عملية مستمرة لم تنته بعد. كذلك نشهد ظاهرة جديدة ستعيد تشكيل الطريقة التي يتفاعل بها الناس ويعملون ويلعبون ويستهلكون من خلال الميتافيرس.
الميتافيرس هو عبارة عن شبكة واسعة النطاق وقابلة للتشغيل البيني مكونة من عوالم افتراضية ثلاثية الأبعاد يتم تقديمها في الوقت الفعلي ويمكن تجربتها مباشرة وفي نفس الوقت من قبل عدد غير محدود من المستخدمين. ولا يقتصر الميتافيرس على منصة واحدة أو تطبيق واحد، إذ أنه مجموعة من المساحات الافتراضية المترابطة التي تغطي مجالات مختلفة، مثل الألعاب والوسائط الاجتماعية والترفيه والتعليم والتجارة وغير ذلك. وتقدر قيمتها بتريليونات الدولارات في المستقبل القريب.
وسيكون للميتافيرس آثار كبيرة على القطاع المصرفي ودور البنوك، حيث ستكون المعاملات والعمليات المالية الأخرى عنصرًا حاسمًا في تفاعلات الميتافيرس. وسيحتاج المستخدمون إلى القيام بعمليات تبادل عبر عوالم افتراضية مختلفة، باستخدام أشكال مختلفة من العملات والأصول الرقمية. كما ستحتاج البنوك إلى توفير حلول دفع سلسة وآمنة يمكنها دعم عملات ومنصات متعددة. علاوة على ذلك، ستحتاج البنوك إلى تقديم منتجات وخدمات جديدة تلبي الاحتياجات والتفضيلات المحددة لمستخدمي الميتافيرس، مثل التحقق من الهوية وحماية البيانات وإدارة الثروات والإقراض والتأمين وغير ذلك.
يجب ألا تكون البنوك سلبية أو مقاومة لهذا التغيير، بل يجب أن تتبناه كفرصة للوصول إلى عملاء جدد، ولتوفير عروض قيمة جديدة، وتوليد تدفقات جديدة للإيرادات. للقيام بذلك، يجب على البنوك اتباع خطة لتصبح “بنوك ميتا” من أجل خدمة الاقتصاد الحقيقي بالإضافة إلى الاقتصاد الرقمي المتنامي.
ويجب أن تساعد هذه البنوك العملاء على الانتقال من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الافتراضي من خلال تسهيل تحويل الأموال الورقية إلى عملات وأصول رقمية، والعكس صحيح. ويجب على بنوك ميتا أيضًا توفير التعليم والتوجيه حول كيفية استخدام وإدارة العملات والأصول الرقمية في الميتافيرس.
كذلك يجب أن تنشئ بنوك ميتا تواجدها الخاص في الميتافيرس من خلال الشراكة مع المنصات الحالية التي يمكنها استضافة فروعها الافتراضية. عليها أن تقدم تجربة عملاء سلسة وغامرة تستفيد من قدرات الميتافيرس ومن الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة لتوفير خدمات مخصصة للعملاء في الميتافيرس.
يجب عليها أيضًا ألا تقتصر على تكرار منتجاتها وخدماتها الحالية أو تكييفها في الميتافيرس، بل عليها استكشاف الاحتمالات والفرص الجديدة التي يوفرها الميتافيرس. يجب أن تجرب بنوك ميتا نماذج الأعمال الجديدة ومصادر الإيرادات التي يتم تمكينها بواسطة الميتافيرس، مثل إنشاء الأصول الرقمية أو الاستثمار فيها، ورعاية الأحداث الافتراضية أو استضافتها، وتقديم ميزات مصرفية أو خدمات مصرفية اجتماعية، وغير ذلك.
إن الميتافيرس ليس سيناريو بعيدًا أو افتراضيًا، ولكنه حقيقة تتشكل بالفعل. يجب على البنوك التي ترغب في أن تظل ذات صلة وتنافسية في العصر الرقمي أن تبدأ في الاستعداد لهذا التغيير الآن، من خلال تحولها لبنوك (ميتا) يمكنها خدمة عملائها مع تطور احتياجاتهم في عالم رقمي متنامٍ.
مهلًا لتعلموا وتتعلّموا.
لتعلموا كيف كان لبنان قبل مأساة الفتنة الكبرى الداخلية ولتتعلموا من التجربة اللبنانية المريرة ومن تجارب جميع الدول والمجتمعات التي دخلت آتون الحرب الأهلية.
لبنان الستينيات وبداية السبعينيات ، وهي الفتر ة الفاصلة بين فتنتين: ٥٨ و ٧٥.
كان لبنان ملتقى العرب ، بل ملتقى العالم أجمع. عاصمته بيروت لا يدركها النعاس ولا تعرف النوم.ساحة البرج مشعشعة على الحياة ، يجاورها مرفأ يستورد لدول عديدة وليس للبنان وحده، ويصدّر من لبنان منتوجات ليس له وحده.
في أسواقها كل جنسيات الأرض، يجمعهم الحب قبل ان تجمعهم المصلحة، والكل يأتي الى ربوع لبنان وهو مطمئن الى الآخر دينًا وثقافةً ومنهجًا وعقيدة. الغني فيها مرتاح والفقير فيها مطمئن الى غده.
فهل عادت بيروت كما كانت؟. دفعنا مئات آلاف الارواح البريئة ودفعنا بمئات آلاف الشباب الى الهجرة فهل هذا ما نريده لأبنائنا وأحفادنا؟،
من اجل ماذا كانت الحرب وهل تحققت شعاراتها التي رفعتها أطرافها ؟
هل انتهى الخوف وزال الغبن؟ هل انتهى السلاح في المخيمات وخارجها؟ هل صمدت تجارب الكانتونات الطائفية؟ بل هل صمدت الأحزاب التي أطلقت شرارة الحرب والكل يهوّن من قيمة الآخر ويمنّي النفس بالنصر المؤزر خلال أسابيع ؟ هل بقي كل طرف موحدًا في مواجهته للآخر؟ الم يصبح الطرف أطرافًا، والحزب أحزابًا والجبهة جبهات؟ هل انتصر واحدٌ على آخر؟ هل انهى طرف الأطراف الأخرى؟.
حتى لا أطيل هل راجع النافخون في ابواق الفتنة أرشيف أحزابهم ؟ بل ارشيف ابائهم وكانوا من قادة الحرب الأهلية؟.
راجعوا ايها النافخون لتعلموا ان الحرب الأهلية مقبرة الوطن، وانها الكفيلة بتحويله الى مقبرة جماعية يسكر على جماجم القتلى وجراح المعذبين أبطال وهميون ينتشون لصورهم الباهتة على محطات تلفزة مأجورة .آن لكم ان تعلموا وان تتعلموا ان ما من فريق يستطيع الغاء الفريق الآخر. تلك دروس فتنة ١٨٤٠ و١٨٦٠و ١٩٥٨و ١٩٧٥. فهل نحتاج الى فتنة جديدة لندرك حقائق صادمة؟ وهل باستطاعة من بقي في لبنان ان يواجه بظروفه الاقتصادية والاجتماعية المتناهية الصعوبة حربًا اهلية جديدة؟.
أليس بينكم حكماء ورجال مخضرمون عاشوا مآسي الحرب وقرفوا من زعمائها وميليشياتها ودعاتها؟.
قناعتي بلا . ان الحكماء موجودون لكن الإعلام المأجور يغيبهم قصدًا لأن ارباب وممولي هذا الإعلام المشبوه يريدون تدمير لبنان لألف سبب وسبب.
عودوا الى رشدكم فلبنان أصغر من ان يقسّم او يفدرل او يتكنفدرل.
مصيرنا نبنيه بالتعاون والتعاضد لا بالتقاتل ولا بالإلغاء.
عاش لبنان واحدًا موحدًا.
خاص -إلا –
(السباق نحو إفريقيا)
1 – خلال القرون الثلاثة الأخيرة تمكن الأوروبيون من إلحاق القارة الإفريقية بنفوذهم، فاحتل الفرنسيون مناطق الغرب والشمال الغربي، كما احتلوا جزيرة ” مدغشقر ” التي تزيد مساحتها عن مساحة فرنسا .
واحتل الإنكليز مناطق الوسط والشرق. والبرتغاليون احتلوا أنغولا وموزمبيق وبعض الجيوب الصغيرة., واحتلت ايطاليا ليبيا والصومال وقسما من اثيوبيا ، كما احتلت بلجيكا الكونغو . وبقي الجنوب بؤرة صراع بين الإنكليز والهولنديين حتى حسمه الإنكليز لمصلحتهم وقامت دولة جنوب إفريقيا العنصرية البغيضة، وهي الدولة التي حررها نضال الأحرار بزعامة “نلسون مانديلا”. كما كان لالمانيا وجود استعماري في افريقيا قبل هزيمتها في الحربين العالميتين .
وهكذا كانت افريقيا بمجملها ميدانا للنفوذ الاستعماري الاوربي الغربي
2 – خلال العصور الوسطى، كانت قارة إفريقيا وبخاصة أقسامها الشمالية والوسطى ساحة لنفوذ الثقافة العربية، ومسرحاً لقوافل التجار العرب يدخلونها بتسامحهم وأفقهم الإنساني الرحب. ولم يمارس العرب سياسة القمع أو إلغاء الآخر، وإنما سمحوا لشعوب القارة بالمحافظة على خصوصياتهم الاجتماعية والثقافية. وكانت مدينة ” مراكش ” عاصمة لدولة تشمل ثلث افريقيا . ولا تزال آلاف المخطوطات العربية في سائر دول افريقيا
وقد أدى النفوذ الأوروبي إلى إلغاء الخصوصيات الوطنية والقومية في كثير من مناطق القارة الإفريقية، فتم فرض اللغة الفرنسية وثقافتها على أجزاء واسعة من القارة فيما يعرف بالنفوذ الفرنكوفوني، كما تم فرض اللغة الإنكليزية على مناطق أخرى. والبرتغالية في المستعمرات التي كانت تتبع البرتغال.
3 – وبعد الحرب العالمية الثانية، ومع تغير موازين القوى في العالم وانحسار النفوذ التقليدي للاستعمار الأوروبي، برزت القوتان العظميان الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وكل منهما تحاول دخول القارة الإفريقية من إحدى بواباتها.
ومن جديد تتغير موازين القوى ويسقط الاتحاد السوفيتي بالضربة الفنية القاضية، لتنفرد الولايات المتحدة بالملعب العالمي بلا منافس حقيقي في الأفق المنظور.
4 – ومن هنا كانت النظرة الأميركية إلى ضرورة إلحاق القارة الإفريقية بالملعب الأميركي لتكون مزرعة تابعة لقصور البيت الأبيض تنهب منها الذهب واليورانيوم وسائر المعادن ، وتركها في فقر وحرمان وجوع وإذلال كما هو شأن أميركا اللاتينية التي اعتبرت تابعاً صغيراً لحدائق البيت الأبيض منذ مطلع القرن العشرين وبموجب (مبدأ مونرو). وتستخدم الولايات المتحدة ذراعاً إقليمياً هو الكيان الصهيوني لتسويق نفوذها ومواكبته، وهي إذ تزاحم مناطق النفوذين البريطاني والفرنسي، فإنها تحاول أن تمسك بتلابيب القارة الإفريقية بأكملها بشتى الوسائل والأساليب السياسية والاقتصادية والإعلامية، من غير مراعاة أي مبدأ أخلاقي، وقد كشفت وثائق (ويكيليكس) مؤخراً عن نماذج من السلوك الأمريكي القبيح وغير الإنساني.
5 – وبرز إلى الساحة لاعب جديد قوي جاء من أقصى شرق آسيا. إنه العملاق الصيني القادم بلا جيوش ولا أساطيل ولا غزو فكري ولا فرض لغة أو ثقافة, بل تنشط الصين من خلال اعمال البنية التحتية: طرقات ، مطارات ، قطارات ، مدارس ، مستشفيات ، قروض .
عملاق سلاحه الاقتصاد والتجارة والسلعة الرخيصة المتقنة. وهو بذلك لا يغزو أسواق إفريقيا فحسب، إنما تملأ مصنوعاته أسواق العالم، وتدخل البيوت والمكاتب والمعامل والمشافي بدقة وكثافة وسرعة.
6 – وتملك القارة الإفريقية أطول أنهار العالم (النيل). وأغزر أنهار العالم (نهر الكونغو) كما تملك تكويناً متبايناً بين صحارى وجبال وسهول مترامية وغابات، إلى جانب التنوع الثقافي والحضاري.
ويشكل الشمال الإفريقي حالة خاصة من خلال الوجود العربي بشرياً وثقافياً يملك تاريخا متقدما على بقية القارة، وامتداد هذا الوجود على كامل الشمال الإفريقي، والجزء الواسع من شرق إفريقيا على البحر الأحمر. وامتداد هذا الوجود الثقافي إلى أقاليم غرب إفريقيا ووسطها وشرقها مثل تشاد وأريتريا وأوغندا وتانزانيا والسنغال ومالي والنيجر ونيجيريا وساحل العاج والكاميرون وغانا وغينيا.
وشكّل الشمال الإفريقي العربي البُعد الحضاري العميق والعريق في القارة الإفريقية منذ آلاف السنين: مصر القديمة في الزاوية الشمالية الشرقية بمراحلها الحضارية منذ الألف الرابع ق. م. وحضارة قرطاج الفينيقية في الزاوية الشمالية الغربية للقارة، وهي الحضارة التي بسطت نفوذها على البحر المتوسط عن طريق التجارة والتبادل الاقتصادي إلى أن دمرتها روما عام 146 ق . م
وصولا الى العصور الإسلامية
التي اعطت الشمال الإفريقي وجهه الحضاري الأخير.
7 – اللاعبون الكبار اليوم على الساحة الإفريقية تبدلوا، وبدأ النفوذ الفرنسي ينحسر سياسياً واقتصادياً وعسكرياًويحل محله سريعا النفوذ الروسي ويبدو أنه مرحب به نكاية بفرنسا ، ولكن النفوذ الفرنسي باقٍ ثقافياً ولغوياً، ومفروض على عدد من الشعوب في غرب القارة.
والنفوذ البريطاني انحسر بشكل كبير، وبقي منه كذلك النفوذ الثقافي واللغوي. واللاعبان الأساسيان اليوم هما الولايات المتحدة والصين مع عودة النفوذ الروسي. الذي كان سوفياتياً في اثيوبيا. ولكنه يحاول العودة من خلال مرتزقة شركة ” فاغنر ” الذراع غير المعلن للحكومة الروسية ، من خلال ليبيا ومالي ، وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو والسودان ، إلى درجة أن بعض هذه الشعوب ترفع العلم الروسي نكاية بالمستعمر الفرنسي
8 – صراع النفط والمياه والمنافذ البحرية والقواعد العسكرية، والغريب أن الولايات المتحدة تملك حاسة شمّ نفطية قوية، تستطيع من خلالها معرفة مكامن النفط في دارفور وجنوب السودان، فترتب هذا الاستفتاء العجائبي لفصل جنوب السودان، ويُخشى أن يأتي بعدها دور (دارفور) و” كردفان” وأن يمتد الوباء الانفصالي إلى دول الجوار.
9 – إفريقيا.. إحدى قارات العالم القديم تقبع اليوم بلا قرار سيادي واضح، وتتلاعب بها الأصابع الخفية والمعلنة، ومن المؤسف أن بعض هذه الأصابع (صهيونية) أصبحت معلنة بعد أن كانت خفية. وسوف يكون جنوب السودان بؤرة للنفوذ الصهيوني كما هو الحال في الكثير من المناطق، ويبقى السودان مثالاً مؤلماً للعمليات الجراحية التي تبتر الأطراف وتصل إلى القلوب والأكباد.
وعرب إفريقيا يكادون يخرجون من التاريخ ومن حيّز القوى الإفريقية، بعد أن كانت دول شمال إفريقيا العربية مركز إشعاع حضاري للقارة بأكملها حضارة وقبولا بالآخر وتسامحاً.
وبقية العرب لا حول لهم ولا طول ، بل إن بعضهم.ضالع مع الغرب في مشاريعه التقسيمية
كم من أجراس الإنذار يجب أن تُقرع؟! أم إن الآذان أصبحت صمّاء لكي نسألها: ماذا بعد السودان، وليبيا ودول الفرنكوفون . وماذا بعد الصومال، وماذا بعد الصراع على الصحراء بين المغرب والجزائر.
هل حقاً إن العرب خرجوا من التاريخ؟؟!
«النازحون يحتلّون البلد». بهذا الايجاز البالغ وصف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي ما أصبحت عليه الحالة اللبنانية، بعد مضي نيف واحدى عشرة سنة على عملية النزوح السوري. ثلاث كلمات موجعة تختصر العبء الثقيل الملقى، قسراً، على عاتق وطن صغير يعبر أصلاً في عمق أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ثلاث كلمات ترنّ فيها تجارب الماضي القريب، وتلوح عبره منذرة بمخاطر المستقبل ومخاوف المصير، حين يتحوّل النزوح واللجوء، في أي لحظة، إلى قنبلة موقوتة، قادرة على زعزعة الاستقرار وقلب حياة اللبنانيين، على غرار ما تشهده الساحة الجنوبية أخيراً.
لن اقول لسيدنا البطريرك لقد تأخرت جداً، ولست في مجال إلقاء الملامة، في هذا الملف، على قامة دينية. إنّما لا بد لنا خلال مقاربة هذا الملف أن نتوخى الحكمة والرؤية البعيدة المدى من موقع عرف التاريخ مدى تأثيره في المنعطفات الكبرى، ومن مقام لطالما حظي بالاحترام والاجلال، فاستظله اللبنانيون عموماً والمسيحيون بصفة خاصة.
إنّ تحريك ملف النازحين بخجل وتردد، من قبل المسؤولين السياسيين، يثير غير علامة استفهام حول حقيقة الاصرار على بقائهم في لبنان، وتواطؤ بعض المسؤولين ورفض انتقالهم إلى بلدهم أو أي بلد آخر، كما يلقي المخاوف على المصير الآتي في نفوس أبناء هذا الوطن.
إنّ مأساة لبنان لا شبيه لها، بعدما بات اللبنانيون مهزومين في وطنهم: تدخلات من كل حدب وصوب، أجندات اقليمية أو دولية لا فرق، نازحون هنا ولاجئون هناك، سلاح ولاجئون يفتحون النار ساعة يشاؤون، يزرعون العاصفة فنحصد الريح، يعكّرون الأجواء فتفسد الطمأنينة، يخرقون الأمن فتُضرب مواسم السياحة والاصطياف. فصائل تتناحر سياسياً على أرض فلسطين، وتتقاتل على أراض لبنانية تصفية لحساباتها، لترتسم صورة مرحلة جديدة يتمّ خطّها وتتشعّب امتداداتها.
إنّ ما ينتظره اللبنانيون كبير ويمكن أن يكون أكبر مما عاشوه طوال نصف قرن. نصف قرن مضى وكأننا نحاول المستحيل، نحاول وعند كل نكسة، نعود فنبدأ من الصفر كما النملة التي تحمل حبة تكبرها حجماً ووزناً.
ومن نافل القول إنّه ليس من باب الصدفة أن تتزامن الخضات السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية منذ سنوات ثلاث مع ذكرى مجزرة الرابع من آب المدمرة حرفاً للذاكرة الجماعية والهاء عن حقيقة تفجير مرفأ بيروت الذي دمّر نصف العاصمة، وأسقط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح.
إنّ القلق على المصير رافق اللبنانيين منذ نشوء دولة لبنان الكبير فيما جميع المحاولات للانتقال إلى وطن باءت بالفشل. منذ اعلان دولة الاستقلال لا استقلال الدولة، أمّا اللاعبون في السياسة اللبنانية فمرتاحون لوضعهم يسوحون ويصطافون ويسبحون ويجدون وقتاً كي يصرّحوا ويقولوا وينوّروا فيما أصبح الناس واقعيين في تشاؤمهم، ولا سيما في ظل تداعي المؤسسات وإفراغها وهندسة فراغها.
لكن الأمل يبقى معلّقاً حيث يمكن القول، وبصوت مرتفع، إنّه لولا صمود المؤسسة العسكرية وسط كل التحديات، لأصبحت النتيجة المتوقعة أمراً واقعاً، ما يعني أنّ صمودها اليوم هو أفضل منقذ للبنان غداً وبعد غد. من هنا، وجب على من تبقى من مسؤولين سياسيين، وهم قلة بين فاجرين وفاسدين، أن يتعاونوا لإنقاذ لبنان مما يحضّر له آنياً بوضع حد للفلتان الحاصل في مخيم عين الحلوة واستباق أي فلتان ممكن أن يتسبب به النزوح.
بين مشكلة مزمنة للاجئ ومشكلة محدثة لنازح، لا يمكن أن تتحول المصلحة من قضية بحجم وطن إلى قضية بحجم فئات واشخاص. ختاماً تحية إلى الجيش اللبناني في عيده… أنت الخرطوشة الأخيرة.
مع بدء انتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي في جميع أنحاء العالم يحتاج قطاع التعليم إلى أكبر قدر من التطوير حتى يتمكن من مواكبة هذا التطور التكنولوجي. لسوء الحظ، كان قطاع التعليم متأخرًا كثيرًا عن القطاعات الأخرى، وغير قادر على التعامل بشكل مناسب مع التقنيات التي تمكن الطلاب من تولي مسؤولية تعلمهم.
نظرًا لطبيعة الإنترنت المنتشر في كل مكان والمتاح على مدار الساعة من خلال الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى، فمن المرجح أن يكون اطلاع الطلاب على الحقائق والأرقام أكثر من معلميهم. فمنذ عقود وأنا أقول إن دور معلمينا يحتاج إلى التحول من كونهم معلمين تقليديين إلى موجهين للتكنولوجيا، من أجل تزويد أجيالنا القادمة بالمهارات اللازمة لاستخدام هذه التقنيات لصالحهم.
لقد تم تصميم نظام التعليم التقليدي ليلائم البيئة الاقتصادية القديمة، وعلى الرغم من أنه يمتلك العديد من العناصر الجيدة، إلا أنه يجب تحديثه لتقييم الابتكارات التكنولوجية الجديدة بحيث يتم تحويل طلابنا إلى عاملين معرفة مسلحين بالمهارات الرقمية المطلوبة في مكان العمل. نحن بحاجة إلى سد فجوة المهارات الرقمية وتمكين طلابنا
بالمعرفة الرقمية القيمة، وإن لم نفعل ذلك، سنجد أنهم استُبدلوا بسرعة بالعاملين الذين يمتلكون هذه المهارات.
يجب أن يبدأ اكتساب هذه المهارات بقطاع التعليم الذي يجب تحديثه وتطويره حتى يصبح قادرًا على تقييمهم بشكل مناسب وبطرق لا تقوض عملية التعليم. إذا كانت أساليب التقييم الحالية لدينا غير كافية، يجب ألا نلقي اللوم على الطلاب عندما يستخدمون هذه التقنيات لصالحهم لإكمال أعمالهم المدرسية. بدلاً من ذلك، يجب أن نتأمل ونطور أساليب التقييم التي تعمل في العصر الحديث.
هناك بصيص من الضوء في نهاية النفق وأود أن أشارك مجموعة من أفضل الجامعات في المملكة المتحدة، مجموعة راسل، بمعالجة هذه المسألة، وهو أمر مشجع ويعد تحرك في الاتجاه الصحيح. فبدلاً من حظر هذه التكنولوجيا، الأمر الذي قد يكون غير مجدي، لقد طوروا بعض الإرشادات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم بحيث يصبح جزءًا من عملية التعلم بطريقة آمنة وأخلاقية. تغطي المبادئ التوجيهية خمسة مبادئ وهي:
• دعم الطلاب والموظفين ليصبحوا على اطلاع بالذكاء الاصطناعي
• تجهيز الموظفين لدعم الطلاب في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية
• تكييف التدريس والتقييم لدمج الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي التوليدي وضمان المساواة في الوصول لهذه التكنولوجيا
• ضمان الحفاظ على الصرامة الأكاديمية والنزاهة
• العمل بشكل تعاوني لمشاركة أفضل الممارسات بينما تتطور التكنولوجيا.
يأتي هذا في الوقت المناسب حيث تتصارع وزارات التعليم في جميع أنحاء العالم مع كيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي في الأوساط الأكاديمية. قد لا يكون نموذج المملكة المتحدة مثاليًا، لكنه بالتأكيد خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح.
بعد أن كنت رئيسًا لتحالف الأمم المتحدة العالمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية (UNGAID)، أرى أن هذه فرصة لنا لإعادة التفكير في كيفية تقييم الطلاب وتحسين تعلمهم وكذلك نقل مهارات الذكاء الاصطناعي القيمة إليهم ومساعدتهم على تولي مسؤولية تعلمهم. منذ بعض الوقت، كانت هناك فجوة واسعة بين المهارات التي يتم تدريسها وتلك المطلوبة في مكان العمل. ومع حلول الذكاء الاصطناعي، من المقرر أن تتسع هذه الفجوة.
من خلال إعادة تأهيل المعلمين بالإضافة إلى توفير التدريب والتعليم المبكر للطلاب بالذكاء الاصطناعي، يمكننا إعداد الأجيال القادمة بتعليم شامل ليصبحوا قوة عاملة ديناميكية يتم تمكينها لمواجهة تحديات المستقبل، والمساهمة في المجتمع وأماكن عملهم بمجموعة حديثة من مهارات الذكاء الاصطناعي.
هذه لحظة من الزمن يجب أن نستفيد منها ومستقبل نحتاج لاحتضانه. كما انه يوفر فرصة لبناء أنظمة تعليمية مرنة من شأنها أن تساعد على تطوير اقتصادات مستقبلية حديثة ومزدهرة.
يبدو يا صديقي أننا دخلنا بالفعل عصر ال singularity، أي الزمن الذي يبلغ فيه الانسان تقدما” تكنولوجيا يفلت من سيطرته ولا نعلم ما ستكون نتائج ذلك الانفلات. ومع دخولنا هذا العصر سنواجه واحدة من المشاكل المركزية وهي انعدام القدرة على الفصل بين الخيال والواقع.
يذكرني ذلك بفيلم إنديانا جونز The Dial الذي تدور أحداثه سنة ١٩٦٩. كان جونز في الفيلم مصابا” باكتئاب حاد على أثر وفاة ابنه ما جعله يبتعد عن زوجته. وتدور أحداث القصة حول بحث جونز عن جهاز قديم يتيح السفر عبر الزمن وتساعده في ذلك ابنته الروحية هيلينا، بينما يلاحقهما جيل جديد من النازيين الذين يسعون أيضًا للعثور على الجهاز. يجد جونز الجهاز وينتقل بواسطته مع هيلينا إلى زمن حصار سيراكيوز في العام 212 قبل الميلاد، حيث التقيا بالفلكي أرخميدس مخترع آلة السفر عبر الزمن. معتقدًا أنه ليس لديه حياة ليعود إليها في أميركا، أراد جونز البقاء في سيراكوز ليعيش في حقبة تاريخية عظيمة. فما كان من هيلينا إلا أن ضربته على رأسه بقوة فأفقدته الوعي وعادت به إلى العالم الحديث، عالم الواقع. في المشهد الأخير يستيقظ جونز في شقته، ويجتمع شمله بزوجته ماريون ويتعانقان بينما تبتعد هيلينا مبتسمة. ومع ذلك، فإن تلك النهاية السعيدة لا تخفي استنتاج الفيلم: فبعد إجباره على الخروج من بلاد الإغريق المليئة بالإثارة يواجه العالم البطل الآن حياة منزلية قاحلة مملة.
ذلك هو واقع الحال. العالم الافتراضي أجمل من الواقع. والأدهى من ذلك أنك تستطيع التحكم بوجودك فيه فتدخله وتخرج منه حين تريد. لذلك نشهد نزوحا” بشريا” كثيفا” نحو عالم افتراضي نشعر فيه أننا أقوى وأجمل وأذكى. لكن في النهاية ستأتي هيلينا بمطرقتها لنستيقظ ونعود إلى الزمن البطيء الممل حيث نحن أيضا” عاديون مملون.
خاص – الا