Home إلّا ومضة الهايكو.. “ربيع الأتات “

ومضة الهايكو.. “ربيع الأتات “

by رئيس التحرير

غادا فؤاد السمان / شاعرة وكاتبة سورية – بيروت

عندما نتحدث عن الانماط الشعرية وتعدّد وتنوّع أساليبها فليس بالضرورة أن نكون أمام مفاضلة نسبية بشكل أو بآخر.. وليس بالضرورة أن نعلن النفير وننصاع لحالة من حالات الطوارىء خوفاً على القصيدة وما يعصف بها من تطوّر أو تقهقر.. فالشعر أولاً وأخيراً هو الناطق الرسمي للبيئة التي ينتمي لها اليوم، تماما كما كان لسان حال القبيلة التي يمثلها فيما مضى والتي تمتاز بوفرة أدواتها من حيث الفصاحة والبلاغة والبيان والإيقاع المُستمد من حوافر الخيل بين حرب وسلم فليس الوقع في ساحات الوغى هو ذاته لعاشق يهيم في الافلاك..

وهكذا خرجت القصيدة من خبائها وخيمتها وخمارها متنحّية من فوق الصهوات والسروج وتابعت مسيرها لتصل إلى عصر “الومضة ” حيث باتت تعاني من ضيق الوقت، وضيق الأفق، وضيق ذات اليد، وضيق المخيلة وغيرها من الضائقات التي لاتحصى فاختلفت بالتالي أدواتها وسُبلها وبوصلتها ولغتها وأساليبها..

وقصيدة “الهايكو ” وهي مناسبة الحديث هنا ربما تكون طارئة ومستجدّة على الشعر العربي، لكنها قديمة قدم العراقة والأصالة “اليابانية ” فهي معروفة منذ تاريخ بعيد في اليابان ولها مبادؤها وقواعدها وأسسها ونظرياّتها وضوابطها وقد تسلّلت إلى جعب الشعراء العرب حديثاً وخاضوا معها تجاربهم اللافتة والجديرة بالمتابعة والاهتمام ومن أهم هذه التجارب تجربة الشاعر اللبناني “ربيع الاتات ” وقد كتبتُ عن إصداره الأول “جنازات الدمى ” دراسة نقدية مفصّلة بعض الشيء نشرتها في جريدة السفير اللبنانية ومجلّة المنارة الإماراتية ومجلة -إلا – الالكترونية وكانت هذه الدراسة مناسبة لجدل كبير بين المثقفين والمهتمين حول تقبّل هذا النمط الشعري أو التصدّي له وهذا ذكرني بمسرح التسعينات الذي احتدم فيه الجدل حول شرعية قصيدة النثر بعد قصيدة التفعيلة التي أعقبت بالتالي القصيدة الكلاسيكية وكما أجد أن هذه الضجّة مشروعة فإن الأساليب المختلفة التي تتقولب بها القصيدة هي أيضا مشروعة.

نتيجة بحث الصور عن ربيع الأتات

ربيع الأتات / شاعر وطبيب جرّاح لبناني – الدمام

فالقصيدة ليست مجرّد شكل بل هي محتوى أولاً وأخيراً فهي إحساس وشعور ومخيلة وهذه عناصر لو توفّرت في القصيدة فهي كفيلة بسلب اهتمامك وإعجابك وتقديرك لها، وهذا ماحصل معي بالضبط حين تناولت مجموعة ربيع الأتات جنازات الدمى، حيث ساقتني لعالمها المسحور مأخوذة بدهشة عارمة خلتُ نفسي للحظات أنني أسير معها طائعة عبر مراسم دفني مشهداً تلو الآخر، لهذا جاءت الدراسة محمّلة بكثير من تداعيات الأعماق حتى اعتبرها الكثير بمثابة منحوتة أدبية ولم أسلّم بهذا الامر لأني أدرك تماما مفاتيح الحالة بالأحرى الحالات التي أوجدها الأتات في مناخاته الشعرية التي رصدت أدقّ تفاصيل الوجود التي يعزّ قطعاً على الإنسان العادي رصدها والتي تنمّ عن مدى خطورة الرهافة وقدرتها الهائلة في ترجمة الوجود بأدق صوره وحيثياته..

ربما المتاح في هذا المقام القليل القليل من السرد حول قصيدة “الومضة ” التي يسمونها حسب مصدرها “الياباني ” الهايكو ولا أخفي أنني قد سجلّتُ تحفّظي على التسمية حينها، ولا بأس أن أكرّره هنا..

ولكن بالنهاية يظلّ الشعر حالة من حالات النبض الإنساني الحيّ فيما ندر، عندما نتلمّس حرارته إلى درجة الدهشة وهذه أرقاها ومهما اختلفت فيها الدرجات، أو حتى لو جاء خافتاً ساكناً شاحباً خامداً بشكلٍ أو بآخر، فلا شكّ أنه بوسع القارىء والناقد أن يضيفا من تفاعلهما مع الكلمة وما ورائها.

نتيجة بحث الصور عن ربيع الأتات

كلّ الأضواء الكفيلة بتظهير الصورة الشعرية بأجمل تجلياتها، وهذا ما حدث تماماً عندما تناولتُ الإصدار الثاني لربيع الأتات ” مفاتيح بلاستيكية للجنّة “، حيث لا صخب، لا ضجيج، لا صراخ ترشح به أية جملة شعرية، بل سكون عارم يصل بك حدّ قطع الأنفاس، لتسترق السمع لدواخل السياق، وما إن تفتح دائرة الرؤية في أعماقك، حتى تجد ما يشبه الالتحام بالمشهد، وكأنك تغادر مكانك لتلتحق بواقعية الصورة وراهنيّتها المذهلة.

الكلام حول قصيدة النثر وقصيدة الهايكو، لا يتلخّص بمقال أو بموضوع، وهنا آثرت هذه الإطلالة العابرة، للتمييز بين من يقدّم جملة شعرية وجملة إنشائية تتزاحم هناك كل عام على مرأى من الأصدقاء والأصحاب والمعارف والجيران والأقرباء والأهل، ليشكّلوا جمهوراً عريضاً بوسعه أن يخدع الكاتب نفسه في ظلّ غياب تقييم المسيرة الشعرية وغياب النقد الفعلي للأعمال الإنشائية المتراكمة التي بوسعها أن تُخمد أنفاس الحركة الشعرية نفسها بالكامل كما يحصل في أيامنا هذه.

 

خاصّ – إلّا –

You may also like