Home لـوثـة إلّاأدب غابات.. بحيرات.. وقلب ينبض دون توقف للشاعرة “Sirkka Turkka ” قصائد وتوثيق

غابات.. بحيرات.. وقلب ينبض دون توقف للشاعرة “Sirkka Turkka ” قصائد وتوثيق

by رئيس التحرير
222jlj

فرج بصلو شاعر ومترجم سوري – ليتوانيا

 

 

عندما يتركنا الحب, الدار التي خصصت لتكون عائلة

يبقى العقل, عميقاً كالليل. الدار واطية جداً, العتبة مرتفعة

للغاية, قلما نمر من فوقها, يصطدم جبيننا

بالدبة الكبيرة. الرياح محملة بالغبار- بالعلف والمطر, ككوكب

تتوهج اللفافة في الظلام, لا أملك شيئاً سوى التعب

بحجم غابة.

شاهدت كيف الجنون يعض الوجوه, يقضم

الخدود, وجذور الأنف, وكيف تبدأ الثياب بالتطاير

أتيت لأجلب أمام نظركم النور وعدم الهدوء

الآن أغط في الأسى كما في الضباب, فتآخي الحيوانات

مصباح لي.

إنني أستمع للحَجَرة التي على طاولتي, لأيام

كاملة  وهي تنشد, تنادي الحب الذي لن يعود بعد.

إنني أنزف, هكذا مسمَّر الإنسان للحياة

وعلى القلب حفر دربه. كالخلد الأعمى. درب

ميتات متعددة للغاية.  

سيركا طوركا

الشاعرة الفلندية سيركا طوركا Sirkka Turkka   Displaying س ط 6.jpg Displaying س طوركا 2.jpg

كواكب الشهب فقيرة, ثلج, صقيع وغبار فحسب

والبدر الكامل هو ثقب قارسٌ وقاسي في السماء.

قولي للكلب أبداً ما حصل شيء.

فهو يكبي, ينحني ويبتسم.

عزّيه, فوراً بعد تحسين الطقس ستأتي الزرازير,

غجر العشب. عجلات صغيرة تتمرجح.

 

سيركا

Sirkka Turkka

لقد فتحت الباب ورغم ذلك

أتحدث بجدية. أقول: الشعر

هو خلل ذهني مطلق.

تماماً  كالمعرفة

المفتوحة طوال الوقت, أهبل القرية

يقرقش كمثل أشجار تنمو بجنون,

دائما إلى الأعالي من خلال سقوف الأبنية..

المكدسة  بالنشارة, بالريح وأعشاش الدبابير,

فوق البيوت – والضياع,

في دروب الغيم بعيداً الى حيث المسافات.

 

طوركا

Sirkka Turkka

إننا نخطو شمالاً – يميناً مع الموت

ليس لنا ما نفعل, علينا الرحيل.

قفزات الهدهد, على طول وعرض

العشب.

فوق دعائم الرصيف.

كلما هاجر الأخير.

نقول بجدية: إلى دار أدفأ

وسيحمل معه على جناحيه

الصيف, بمنأى عن هذا المكان.

 

سيركا طوركا

منشقة , هائجة ,  منقطعة عن الكل

هيئة بنية مشوهة من الألم.

ورقة سقطت على الدرب.

 سيركا

مرة عزفنا وتمرجحنا

مع بعضنا جميعاً.

عالياً

مكتنفين عوالم الأشجار.

والآن , أنتحب عند تربتكَ

في درب معتم وشاغر…

العصافير المغردة رحلتْ وخلَّتْ

على آثارها سكوتاً.

فنام الآن , أخي العازف ” يان”!

 

طوركا

الهواء فارغ , وحيد يرتعش

أرنب أبيض , يتيم السعادة,

على مرأى عفرة  بنية  مثلجة, 

يبتهل للرفق والصّحة , وألاَّ يموت

بمرحلة واحدة قبيل الآوان

صغيراً كالطفل.

 

سيركا طوركا

 ركبتي تهتز, ما

يشابه والدتك في الشمس.

حيث التربة محفورة بالظل

والظل مختوم.

 

سيركا

صيحة الغراب هذا كل ما في الأمر

وهو ما حولني إلى ماردة,

إذ يشبه الوردة التي لم تُنسى.

ووقع الكعب على لهيب

شمس – المغيب.

 

طوركا

أتى المساء! كأنما جناحاً

عُكس على سطوح النهار.

ارتفع الجفن عالٍ,

ها أنا أجتاز الحياة

بحلقة أطلس محجوزة “أوغور”.

لكلبي هالة عفراء

تشّع حول منخاره.

ومنحة لا تقل عن مئة عام

من الآن فصاعداً.

 

سيركا طوركا

اتعتقدون إني نحفتُ

بشكل خاص , سأل المسيح.

لكن الألم الأكبر من ذلك كان ألم يهوذا.

قبيل رحيله حصل المسيح على علاج وخز الإبر

إكليل من الشوك وضع علي رأسه

نعم, وفي ذات البقعة, والسياط

تُسَّكِن بشكل فائق.

كل الباقي في جميع الأحوال كان تعالياً

والصليب كان قطعة خشب غليظة.

ثقيلاً أجل!..

لكنه خفيفاً ليتعب بعبئه. 

والأخف رفْض

جرعة  خمر من يد العسكر إلى حيث الدفن الثابت.

والاختفاء إثر ذلك الضجيج,  تبخراً

للقيامة من الموت.

سامياً مرفوعًا . 

ليعود في أحد الأيام فحسب.

 

سيركا

فُتِحت النافذة إلى نوافذ أخرى. أطفِئت الأنوار.

على المائدة تفاحة صفراء مشعة,

على المدفأة ينبض قميص معَّرق.

انتحب الكلب طيلة أيام طفولته طفلاً صغيراً

من محافظة ما بعد الكواكب هوى إلى هنا

من مراجيح عفاريت النجوم وهو رضيع حقاً

رزين ومذعور كحفنة – تبن.

ضِمَّنا بأحضان رأفتك. ارحمنا.

 

طوركا

سيري للنوم,  ممكن فرش السرير

كأحسن الأساطير حقاً.

كفي التمعن بهيئتك بسطح المشروب في الكأس

بروديسكي” توفيَ ما المشكلة؟

ركدت المياه فحسب, وسطحها

ساكِنٌ الآن.

 

توثيــــــــــــــــــــــــــــق 

الشاعرة الفنلندية سيركا طوركا (Sirkka Turkka مواليد 2 فبراير 1939 هلسنكي) أصدرت ديوانها الأول وهي في الرابعة والثلاثين من عمرها. وخلال عام 1975 نشرت روايتها الأولى “داخل جوف الحوت”. كما أصدرت 12 دواوين شعرية, منها – “غرفة في الفضاء” (1973), “هذه أنا” (1967), “الليل ينفتح كالقمح” (1978), “الرجل الذي أحَّب زوجته بكثرة فائقة” (1979), “الحاكم الجميل” (1981), “رغم أنه الصيف” (1983),  “عودي عودي ياسبأ الصغيرة” (1986), “أخ للنفس” (1993), “بيت الشمس الصاعدة”(1997), “أتيت بدرب غابة داكنة” (1999) و “الريح عصفت بقساوة بالغة”  (2004).  وكتاب ذو 800 صفحة ضم جم مؤلفاتها نُشر عام 2005.

 

أشعار طوركا حظيت على تقدير وفازت بعدة جوائز. وفي الأعوام 1980 و- 1984 تسلمت جائزة فنلندا, وخلال – 1986 كانت الأنثى الأولى والشاعرة التي فازت بجائزة فنلنديا. عام 1994 جائزة مؤسسة الإذاعة الفنلندية. ومجمعات من اشعارها ترجمت لعشرات اللغات, منها:  الإنجليزية والسويدية. كما ترجمت أشعارها للإسلندية, الأسطونية, الإيسكموية, البلغارية, الألمانية, اليونانية, اليابانية, الإسبانية, البولندية, التشيكية والفرنسية.

 

إبداعاتها شكلت تغييرات بالشعر الفنلندي, حيث كان فيها كسر للسائد من ناحية المضمون, اللغة والشكل. لأنها نسجت في قصائدها أسس وثنية ومسيحية, لغة الصلاة ومقولات توراتية ذات وتيرة رزينة إلى جانب جمل باللهجة المحكية المأخوذة من أغاني مشهورة ومبتذلة, حِكم فنلندية إلى جانب مفردات من لغات أجنبية, ألخ… وبنسيج  مبتكر.

فأحياناً نتطرق لهكذا أسلوب كإلى تأليف – مابعد الحداثة, أما طوركا لم ترَ نفسها هكذا, أنها تُعَبر عن صوت خاص هو صوتها. مع ذلك, شاعرتنا متأثرة بمصادر عدة, كفدريكو غارسيا لوركا, فرناندو بيسوا, أنو كيلاس وإيفا – ليسا مانِر, وتسخر مقولات غير مبتكرة.

مواضيع القصائد ليست مرتكزة, والصور فيها تتحرك بسرعة كبيرة. القصائد تشتغل على الحب, الشغف, المرض, الموت والفقدان. إبداعاتها تضم قصائد وجيزة عن الطبيعة وأخرى مطولة. خلط الأساليب التي تشبك اوقاع تخدمها بتسليط الضوء على الفجوة بين المطلق والنسبي, بين الإلهي والأرضي,  بين الموت والحياة.

الإيقاع في أشعارها هو تصور يتعلق باللغة وإمكانياتها. وسيلة أخرى تستخدمها س طوركا هي المقارنة والجمع بين الإستثنائي, الغريب والفريد وبين المستعمل يومياً, المعروف – الروتيني , مثلاً: الجمع بين “هاملِت وبين “برنس الحمَّام, طيار شوستاكوفيتش وساحة محطة القطار, الرضيع الصغير تبع طبياني والقمر”. ففي أشعارها يتكرر أيضاً التجسيد , الذي يطمس الحدود بين المجرد والملموس المادي.

 

أشعارها تتميز باحتجاجات شخصية, اجتماعية وبيئية, وخلقت لها صورة غرابة وانعدام العادية إن صح القول. فبعكس شعراء فنلنديين مهمين من معاصريها ك فانتي ساريكوسكي وفابو هابيكو, اللذان عبَّرا عن احتجاجهما حسب النمط المقبول, طوركا لم تبدي أبداً أي إخلاص لفكرة, ماعدا اعتمادها الباطني, والظاهر إن هذا التميز خدمها بالتعبير بلغتها الخاصة في قصائدها.

 

“اليوم تعثرتُ بغصن والسبيل نهر الغابة, صدمني بقبضة عفونة فطرية, رأساً في قلبي. لهثتُ هناك لحظة. الحيوان يبتهج دائماً لمّا يلتقي بالعلف, يُغَني ذلك بعد الغذاء. يقولون: توجد بعيون الصقر والنمر: هالة صفراء حول البؤبؤ, إنني زرقاء العيون تماماً كمثل حشيشة قنطريون زرقاء تحت السماء الزرقاء. عدة مرات يد عظيمة حاولت أن تمسحني وتمحيني كمحي دمعة فائضة بأقصى المحرمة. محاولة جدية. لكن دائما ردّيت بمعركة شرسة لكي أحظى وأعيش هكذا خضراء, هكذا بنية, في الغابة في سبيل الغابة, على أرض بلون التربة. للمحب أنا حبيبة, لا يمكن غِشي, انظر للحيوان داخل العينين, وآلاف السنين تحدثني دون نبرة. نعم أنا منهكة, تماماً كما عجوز عمّرت ألف سنة, لكن أبداً ما كنت مستعدة للمقاومة مثلما الآن. في مهجتي ريشة أو ضرس كاسرة , مستعدة للتمسيد أو للضرب. دون تردد, بسرعة. لوحدي والآن.”

 

مجمع الوسائل الفنية الموجودة في إبداعات طوركا لجانب لغتها الخاصة, تمكنها من الصقل في قصائدها ماسات خام نادرة تُخَلي كل نظرية وكل تحليل أدبي بعيداً من خلفها. ومع ذلك فهي تبقى دائماً قريبة من القوة العقلية التي تثري إبداعها, من الوجود. مغروسة بعمق الأرض التي تحس الشاعرة منتسبة إليها ولتساؤلاتها المتتابعة عن طابع الحياة في هذه الدنيا. نظرة المبدعة إلى البعد, إلى المستقبل وإلى ما يتواجد فيما بعد الكواكب ولا يمنعها أبداً أن تذكر القريب وتركز فيه نظرتها. رغم دنوها من أشعار إيفا كيلفي (1928) تلك المبدعة الفنلندية التي حتى هي ابتدأت نشر أشعارها في بداية سبعينات القرن الماضي. والأزيد من هذا, ففي قصائدها الأكثر إنكشافاً لا توجد إباحات مربكة أو معيبة: لأنها “الشاعرة” جزء من الطبيعة.  هذا الشيء يمَكننا البحث عن إنسانية شخصيتها ثرية الخيال, المائلة إلى الرومنسية. ما يخلي مكان الإحتجاجات للقضاء والقدر وللواقعية الذكية. ” وهذه الحريقة التي تمتد فقط للحظة والمحنة الخفيفة بأن الحياة // تقودنا إلى دار الأبد // هناك, بعيداً, فيما خلف الكواكب”. نظرتها تستمد من معرفتها: إن التجربة الأساسية  للحياة هي الأسف. (“على الأقل – أكثر من أسفي على الموت هو أسفي على ولادتي” ).  

والأسس الوحيدة التي تضمها إلى قلبها دون أية معارضة, هي الإيمان والمحبة. وبفضل نسج هذان العنصران بحساسيتها الكثيفة للطبيعة ولمناظرها, لذا تمكنت أن تكتب: إذا مت مستقبلاً, فسيكون ذلك من المحبة: محبة  الأشجار والحيوانات, محبة الحقل الصغير الذي لا تتعب الأرض من عبئه ومن تحمل أثار حوافر الحيوانات التي تقطنه.”

ربما,  هذه المحبة الفائقة, تبعد س طوركا وأشعارها من التعقل البارد والعاقر, الذي يتصف به شعراء فنلنديون كثر في عصرنا هذا وشاعرتنا هي موظفة مكتبة وسائسة للخيل بصنعتها, اختارت الإبتعاد عن الجماهير وانتقلت للعيش في الغابة 100 ك.م من هلسنكي. ابتعادها عن دنيا البشر وانفرادها بعالم الحي والنبات في الطبيعة, الشيء الذي لم يحدث قطيعة بين المبدعة وقرائها ومحبيها الشغوفين, نظرتها المتمركزة بالغابات والبحيرات لم تكف عزفها على أوتار القلب المتلقي والنابض بلا هوادة. طوركا هي أكثر من كل شيء رمز الحب العظيم الذي وسط الثلوج وإمكانية الوجود “عيون كبيرة عجيبة جداً في عمق قلب الغابة” حتى ببداية الألفية الثالثة.

 

خاصّ – إلّا –

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

You may also like